العالم الإسلامي عموما و العالم العربي خصوصا منذ سنوات بحالة غير مسبوقة و لا مَلْحُوقَةً في التاريخ الحديث من"سَكْرَةِ عدم الاستقرار" و"فقدان البوصلة الهادية" مما أدي إلي تحول بعض البلدان العربية التي كانت آمنة مستقرة عندها قُوتُ شعبها إلي دول فاشلة أو دول سائرة في طريق الفشل أو دول مصنفة تحت "خط الهشاشة السياسية و الاجتماعية"،...و يجمع المتابعون المشفقون علي الواقع العربي علي أنه ما من سبيل إلي استعادة الجسم العربي لعافيته إلا من خلال حسم مسألة الحكامة السياسية عبر إرساء ديمقراطية خالصة تامة الأركان لا شكلية مغشوشة كما في بعض الدول العربية و لا تدريجية "مُقَسًطَةٍ" كما هو الحال في بلدان عربية أخري وساعتها ستَبْكَمُ المدافع و تضع الحرب الأهلية أثقالها وأوزارها ذلك أنه من المُثْبَتِ أن "صناديق الاقتراع أنفي لصناديق الذخيرة"!!و للبرهان علي أن صناديق الاقتراع أنفي لصناديق الذخيرة يكفي أن نلقي و لو"بِخَائِنَةِ الأَعْيُنِ"نظرة لمقارنة المؤشرات الثلاثة التالية: الانقلابات العسكرية و الحروب الأهلية و "الحروب التقليدية" بالدول "الاكثر حظا في الديمقراطية" و التي يكون الاقتراع فيها نظيفا نقيا طاهرا و الدول الأخري "الأقل حظا في الديمقراطية" والتي يكون الاقتراع فيها غائبا غيابا تاما أو مغشوشا مزيفا أو مُصَنًعًا موجها" للاستهلاك الخارجي".!!فما من ريب في أن من شواهد كون صناديق الاقتراع أنفي لصناديق الذخيرة ما هو ملاحظ من أن الدول التي تعيش ديمقراطية صافية خالصة لا تصيبها عدوي خطيئة الانقلابات العسكرية مطلقا كما هو الحال بالدول الأوروبية الغربية الراسخة في الديمقراطية و بعض دول العالم الثالث و إن حدث و أن أصابت عدوي الانقلابات تلك الدول فإنها تنفيها نفْيَ الكِيرِ خَبَثَ الحديد.كما أن مما يؤكد أيضا صدقية أن صناديق الاقتراع نافية لصناديق الذخيرة ما يَتَوَاتَرُ عليه المختصون و المهتمون من أن فتنة الحروب الأهلية مهما استعصت و طال عليها الأمد بالدول "الأقل حظا في الديمقراطية" فإنها "تضع عتادها و آلاتها" كلما تم التوافق علي إرساء ديمقراطية خالصة تبدأ بانتخابات بيضاء نقية تَسُرُ المغلوبين و الغالبين علي حد سواء و لا "تستيقظ" فتنة الحروب الأهلية إلا إذا تم الإخلال بكل أو بعض ضمانات الديمقراطية الخالصة.وبخصوص مؤشر الحروب التقليدية تظهر الإحصائيات أن الحروب التقليدية بين الدول خلال الخمسينية الماضية كانت أطرافها في الغالب الأعم دولٌ أقل حظا في الديمقراطية بينما استطاعت الدول "الأكثر حظا في الديمقراطية" في الكثير من الحالات الحادة و الساخنة تسيير تعارضاتها و مناكفاتها و خلافاتها و تنازع مصالحها و بَغْيَ بعضها علي بعض أحيانا بالحوار و بالتي هي أحسن و بالدبلوماسية المتمرسة.و سعيا إلي ترسيخ ثقافة صناديق الاقتراع و تحييد ثقافة صناديق الذخيرة "بالعالم العربي الحَائِرِ"،ففي تقديري أن النخب العلمية و الفكرية العربية مطالبة علي طريقة الاستعجال بتصور مشروع إنقاذ عربي فكري تجديدي يؤسس علي نجاحات و نقاط قوة الفكر القومي العربي و الفكر السياسي الإسلامي و الفكر السياسي العلماني و يستخلص الدروس من إخفاقاتهم و نقاط ضعفهم و يستأنس بتجارب ناجحة من التاريخ الأوروبي و الحاضر الآسيوي.و يجدر أن تتم ترجمة مشروع الإنقاذ المنشود إلي تيار فكري و مشروع مجتمعي "يجدد للأمة العربية فكرها السياسي" و دماء "ثورتها" و "كَدْحِهَا" و "يَقَظَتِهَا""و "نهضتها"و "صحوتها" و طموحها لاستعادة حقوقها و مكانتها و لن يجانب الصواب كثيرا من قد يتنبأ بأن المشروع المجتمعي العربي الجديد المُجَدِدِ المنظور يجب أن يُؤْمِن سلامة النهايات بتصحيح البدايات من خلال اتخاذ الديمقراطية و طَهَارَة صناديق الاقتراع شِرْعَةً و منهاجا.