العهد بيننا وبينه... بناء موريتانيا الثقافية (3) / د.يربان الحسين الخراشي

عرفت بلادنا عبر تاريخها الطويل امتزاجا بشريا قل نظيره، وكانت وستظل أرض تلاقي الثقافات المختلفة بل إن بلادنا كانت مسرحا لحضارة إسلامية أزاحت الظلام عن شبه المنطقة كلها، وهذا ما جعل من مساحتها الثقافية أكبر بكثيرمن مساحتها السياسية. لكن اليوم وفي ظل البيت الكوني الواحد الذي تتشكل فيه الهوية الثقافية دون وعي منا بل وحتى دون رغبة منا أصبح لزاما علينا تحديد رؤية واضحة وشاملة اتجاه موروثنا الثقافي بصورة عامة، وهويتنا الثقافية الجامعة بصورة خاصة.

لقد آن الأوان لكي تتدخل الدولة مباشرة في بناء ثقافة الإيمان بالتنوع قاطرة التغيير التي تركز على القيم الاجتماعية النبيلة، وقواسم العيش المشترك الأصيلة بين الشرائح و الإثنيات المختلفة لمجتمعنا، وتقبل الآخر مهما كان إختلافه عنا، لقد آن الأوان لبناء موريتانيا الثقافية، و إحياء روح الإبداع الثقافي بين مواطنينا، والقضاء نهائيا على ظاهرة تعطل إبداع المثقفين التي هي مؤشر على موت الأمة بل وحتى سببا في الانحطاط القيمي والأخلاقي في مجتمعنا.

 

اليوم نحن مقبلون على انتخابات رئاسية، ومن بين المرشحين من يعتقد أن الثقافة هي عماد كل نهضة، وأن البلد الذي لا يحترم مثقفيه، ولا يهتم بثقافته غير جدير بالاحترام، من بينهم من تعهد و للعهد عنده معنى أن يجعل الثقافة في مقدم الأولويات، وأن تلقى الرواية، والشعر، والمسرح، والموسيقى اهتماما خاصا في برنامجه الانتخابي، من بينهم من تعهد أن يمنح التراث الثقافي العناية المطلوبة، وخصوصا المخطوطات والآثار، من بينهم من يؤمن بثقافة الإبداع و يتعهد بدعم المبدعين. 

 

العهد بيننا وبينه بناء البنية التحتية الثقافية اللازمة، وتخليص المثقفين والمبدعين من  سيطرة السياسيين، المثقف يجب أن يكون متبوعا لا تابعا، وفاعلا لا مفعولا به، بالإضافة إلى أن يجعل من موروثنا الثقافي عنصرا أساسيا في عملية تنمية بلادنا، وأن يجعل من تنوعنا مصدر قوة وثراء لنا لاعلينا بإبراز مكامن قوة المجتمع على العيش المشترك، والقضاء نهائيا على حالة التجاذب والتصادم التي تروجها وسائل الاعلام المحلية المختلفة

العهد بيننا وبينه إحياء دور بلادنا  الثقافي والحضاري و الديني  في شبه المنطقة، وجعله مرتكزا داعما لسياستنا الخارجية خلال السنوات القادمة. الدور الذي إن تم تطويره وتسويقه بشكل مستمر وجيد قد يشكل مصدرا لا ينضب لدعم اقتصادنا الوطني بل لا يقل أهمية عن الخامات الموجود في باطن الأرض، وقد يكون أقوى صلابة من الحديد في دعم سياستنا الخارجية في عالم يمر بظرفية  دولية متغيرة  تتسم  بحروب الاستراتيجيات، ومرحلة مخاض ميلاد عالم جديد متعدد الأقطاب، وفي  منطقة مقبلة على تغيرات ديموغرافية، واجتماعية، واقتصادية دراماتيكية  فقد تحقق  التبعية الروحية، والثقافية ما تعجز القوة الاقتصادية، و السياسية وحتى العسكرية عن تحقيقه، وقد يكون العطاء الثقافي لبلادنا أمنع حصن نحتمي به في شبه منطقة غير مستقرة.

30. أبريل 2019 - 20:28

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا