سجلت أسعار العقود الآجلة لمسحوق خام الحديد الموريتاني تركيز 62 % قفزة معتبرة في تعاملات اليوم الأربعاء في السوق الصيني مخترقة مستوى ال 100 دولارا للطن، بزيادة وصلت إلى 2.45 دولارا للطن لتصل إلى 101.55 دولارا للطن، وذلك مع استمرار تلقي أسعار خامات الحديد دعما متواصلا لمسارها التصاعدي من نقص إمدادات المصدرين الرئيسيين استراليا، والبرازيل، حيث بلغت صادرات البرازيل
خلال مارس وإبريل ماضيين 22.18 مليون طن، و 18.34 مليون طن على التوالي بانخفاض 26 ٪ و 29.13 مقارنة بنفس الفترة من عام 2018، وكذلك دعما من أخبار المفاوضات التجارية بين بكين وواشنطن التي أدت حتى الآن إلى انخفاض قيمة الرنمينبي مقابل الدولار الأمريكي في مايو الجاري بأكثر من 2 ٪.
ويأتي أيضا هذا الإرتفاع المتصاعد في أسعار المادة الخام منذ يناير الماضي في ظل زيادة في الإنتاج العالمي من الصلب للربع الأول من العام الجاري قدرها 4.5 % مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي وذلك حسب الرابطة العالمية للصلب، حيث بلغ إنتاج العالم من الصلب الخام 444.1 مليون طن، وقد كانت حصة آسيا منه 312.9 مليون طن بزيادة 7%، و30.7 مليون طن لأمريكا الشمالية بزيادة 4%، و 9.07 مليون طن للشرق الأوسط بزيادة 8.5 %، و 42.3 مليون طن للإتحاد الأوروبي بتراجع 2%. وقد بلغ إنتاج الصين أكبر دولة منتجة للصلب عالميا خلال شهري مارس وإبريل الماضيين 80.3 مليون طن بزيادة 10 %، و 85.5 مليون طن بزيادة 12.7 % على التوالي.
إن الزيادة في إنتاج الصلب الخام بهذا الحجم على المستوى العالمي بصورة عامة، وخاصة على مستوى الصين قد تدعم بقاء الأسعار عند مستوى مرتفع على الأقل على المدى القصير خاصة في ظل المنعطفات الأخيرة في المفاوضات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، وفي ظل أيضا نذر المواجهة الأمريكية الإيرانية في الشرق الأوسط.
إرتفاع أسعار خامات الحديد الذي توقعناه أكثر من مرة قبل حصوله أصبح يضغط أكثر، ويقلص من هامش الربح لدى صناع الصلب في الصين، مما حدا بهم إلى تبني إستراتيجية جديدة لمواجهته تعتمد على المحاور الأربعة التالية :
1 الاستمرار في البحث عن قنوات إمداد جديدة للمادة الخام؛
2 زيادة استخدام المواد البديلة الخردة مثلا؛
3 استخدام خامات غير مشهورة من البلدان الغير رئيسية في تصدير المادة الخام؛
4 اغتنام فرصة تقلبات أسعار العقود الآجلة للمادة الخام، والدخول في عمليات مناسبة للتحوط ضد المخاطر.
لكن نحن نرى أن هذه الاستراتيجية تخلق فرصة ثمينة لشركتنا الوطنية اسنيم قد تمكنها من تعزيز حصتها في السوق الصينية الأكبر عالميا، التي كانت قد خرجت من أزمة انهيار الأسعار بخسارة حوالي 20% منها، حيث اتخفضت صادراتها إلى الصين من خامات الحديد من أكثر من 10 مليون طن سنة 2014 إلى حوالي 8 مليون و500 ألف سنة 2018.
وعليه فإننا نواصل التشديد على ضرورة سعي شركة اسنيم إلى زيادة إنتاجها في هذه الظرفية الخاصة التي قد لا تستمر طويلا نظرا لعدة عوامل قد تعيد تدريجيا المعروض من خامات الحديد إلى مستواه الطبيعي، ونكتفي بذكر خمسة عوامل قد تساهم مستقبلا في انخفاض الأسعار :
1 - حاليا يتم تدريجياً تحرير القيود التي فرضتها الحكومة البرازيلية على بعض مناجم شركة فالي، ومن المتوقع أن يعود حجم شحناتها إلى الصين إلى المستوى الطبيعي بحلول شهر سبتمبر القادم .
2- من المتوقع أن تزيد كل من ريو تينتو، و بي.اتش.بي لحجم شحناتهما إلى الصين مع نهاية يوليو القادم.
3- بعد الارتفاع المعتبر في الأسعار عادت المناجم العالية التكلفة التي أصبحت تمتع بهامش ربح معين إلى الحياة خاصة في الصين، و من المتوقع أن تظهر زيادة المعروض الناتجة عنها في يوليو القادم.
4 – من المتوقع أن تتخذ الحكومة الصينية مع بداية سبتمبر القادم المزيد من القيود البيئية لتخفيض معدلات تشغيل أفران صهر الصلب في كل من مدينة تانغشان بإقليم خبي وغيرها من المدن، وذلك للحفاظ على أجواء نظيفة نسبيا وخالية من الضباب و الدخان الكثيف أثناء لاحتفالات المخلدة للذكرى السبعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية.
5 أمريكا لن تشن حرباً على إيران لسببين رئيسيين أولهما أنه بعد تفجيرات ناقلات النفط في ميناء الفجيرة الإماراتي، و حادث الطائرات الحوثية بدون طيار التي قصفت محطات ضخ النفط في السعودية بات من الواضح أن تصفير صادرات إيران النفطية يعني تصفير صادرات دول الشرق الأوسط الأخرى، وهذا يعني إعلان حرب غير مباشرة على دول كبيرة كالصين ،واليابان، وكوريا، وتركيا ... أما السبب الثاني والأهم فهو إعلان الحرب على إيران يعني استمرارها في تخصيب اليورانيوم بمستوى مرتفع، وربما الحصول على السلاح النووي، مما سيقود إلى سباق تسلح في المنطقة خاصة في السعودية، وتركيا، ومصر الذي سيؤدي في نهاية المطاف إلى تقويض هيمنة أمريكا وسيطرتها على المنطقة.
إن زيادة إنتاج المادة الخام هي الخطوة الأولى على طريق حل المشاكل العالقة لدى شركة اسنيم ففي زيادة الإنتاج تكمن المشكلة والحل معا، والأسعار حتى لو تراجعت سيبقى انخفاض حجم امدادات الأربعة الكبار خلال السنة الجارية مسألة حتمية لا رجعة فيها، وتبقى فرصة استعادة اسنيم لحصتها في السوق الأكبر عالميا بل وحتى زيادتها قائمة طوال السنة الجارية، وهذا ما يوجب عليها خلق أقصى ما يمكن من الظروف الملائمة موقعيا، ومعنويا بل وحتى ماديا لتحقيق ذلك.