حاولت وتحاول حكوماتنا "الموقرة" التصدي لبرك المستنقعات للتي خلفتها الأمطار الأخيرة وحشدت لذلك شافطات المياه وذلك بالتزامن مع حملة لتنظيف المدينة، وهاتان الحملتان مثال جيد علي الطريقة التي تسير بها الامور في هذا المنكب البرزخي.
فعقلية البدوي الذي يفكر فقط كيف يتخطي يومه بسلام دون التفكير في رؤية مستقبلية للامور ومحاولة تفادي المشاكل في المستقبل ووضع خطط لمجابهتها مازالت معشعشة في عقول اغلب ساستنا.
فبدلا من التفكير في حل جذري لهذا المشكل، تفضل حكوماتنا مجابهة نفس المشكل سنويا وإنفاق أموال طائلة في حلول آنية. إن مسألة انعدام رؤية للمستقبل ليست جديدة علي قادة هذا البلد.
في سبعينات القرن الماضي عندما فكرت منظمة نهر السنغال -التي نحن عضو فيها- استغلال هذا النهر لتوليد الكهرباء، رفضت بلادنا المشاركة في هذا المشروع حينها متعذرة بقلة حاجة العاصمة الفتية حينها للكهرباء (عدد سكان العاصمة حينها لم يكن يتعدي 60 الف نسمة). وبعد ذلك بسنوات جاء الجفاف وصارت العاصمة قبلة لكل البدو الذين أهلك الجفاف مواشيهم وتقطعت بهم السبل.
وبعد أكثر من 20 سنة تمكنت الحكومة حينها من اعادة مناقشة اتفاق توزيع امداد الكهرباء القادم من النهر، وماذا فعلت حكومتنا الحكيمة حينها؟ لقد وقعت اتفاقا يسد حاجة العاصمة سنة 1990 من الكهرباء وعند تمام انجاز المشروع كان عدد سكان العاصمة قد تضاعف إلي ضعفين. هذا مثال بسيط للعشوائية واللا مبالاة في تخطيط وتسيير هذا البلد.
إن الحكومات المتعاقبة كانت دوما غارقة حتى أذنيها في تسيير أمور تافهة ومشاكل يومية حتى أنها عاجزة عن ايجاد رؤية متكاملة لما جري ويجري وسيجري في هذا البلد، متأسية بالموروث الشعبي (اللي دونو ليلة ما ايخمم) لتنفق أموالا كان يمكن تفادي انفاقها لو أنها فكرت في حلول جذرية من البداية.
تنفق الدولة الموريتانية والممولون الاجانب سنويا، الملايين من الدولارات في دورات تكوينية يستفيد منها غالبا نفس الاشخاص ليعيدوا الاستفادة منها في العام المقبل بنفس المكون والمحتوي ولكن بممول مختلف.
وفي حالة مولت الدولة مشاريع مدرة للدخل غالبا ما يكون تنقل الوزير أو الرئيس لتدشينها أكثر تكلفة من المشروع ذاته، أما عن المتابعة والصيانة فحدث ولا حرج.
وبين هذا وذاك يضيع هذا الوطن دون استشراف للمستقبل ولا تحليل للحاضر ولا أخذ عبر من الماضي.
