إثر ترشحه مستقلا وإثر خطابه ذو النبرة الجامعة التصالحية، بدأ صراع الأجنحة داخل صفوف داعمي الرئيس ، بدأت بذوره في الحملة ولم تحسم ، وهو سابقة في السياسة المحلية، عدم امتلاك أغلبية مؤثرة، كان هاجسا معارضاتيا بحتا ـ مما كان يخشى أن يقع في حالة استلام السلطة من طرف معارض - ، أما أن يستلم السلطة رجل من النظام فتكون هناك تيارات غير متجانسة في داعميه فهذا شيء جديد في الساحة السياسية، أتى به الرئيس غزواني ، نتيجة المواجهة لحد الساعة هدفين لأنصار الرئيس السابق الداعمين للرئيس ، مقابل صفر لداعمي الرئيس الجدد الذين يؤملون منهجا جديدا.
هل هدوء الرئيس هو الهدوء الذي يسبق العاصفة ؟ أم أن النتيجة محسومة وإرادة الإصلاح والتغيير - المشروعة - غائبة تماما؟.
للموقف الوسط تبعات إذ يصبح صاحبه مهاجمها من الطرفين عادة.
وتتطلب بعض الظروف الحاسمة حسما وانحيازا تكتيكيا إلى أحد الطرفين، مراعاة للظروف.
فماهو موقف الرئيس من صراع الأجنحة؟
نستطيع القول أنه في مامضى من حكم الرئيس هو مساند ضمنيا بصمته ( le silence vaut acceptation implicitement ) لثرثرة الواجهات المستهلكة لنظام الرئيس السابق، وسريع وفعال في لجم خصومهم، حتى ولو كانوا من أنصاره.
نعلم أن الرئيس لايتبنى خطابا تجديديا شبه ثوري كما لدى التيار المهاجر من مضارب المعارضة، لكنه كان واضحا : يريد أن يسير بين ذلك قواما، يتبنى إصلاحا هادئا متدرجا.
مع ذلك تبين أن صدى رؤية الرئيس الجامعة لايتردد لدى مناصريه من تيار الأغلبية السابقة ، أو لنقل إنه يعاني لفرض رؤيته التصالحية التشاركية عليهم، ولعل التخلص من ميراث رفيقه الرئيس السابق، سيشكل تحديا حقيقيا، لكون مقاربات الرئيس السابق الحادة وتعاطيه الخشن مع مناوئيه سياسيا، أورثه أغلبية شرسة جامحة لم تنضج سياسيا ، بالتالي لم تفهم خطاب الرئيس، أحرى أن تستشف منه خطوط سياسيته العريضة، وهذه إحدى سيئات تكوين القطيع ، القطيع يسير في اتجاه واحد لايمكنك المناورة وأنت تقود قطيعا سياسيا، لاخيار لدى الرئيس لابد أن يشكل طبقة سياسيا ناضجة تفهم الخطوط العريضة ووتبناها وتفهم هامش المناورة المتاح ، أما الأغلبية السابقة فهي - إلا قليلا- قطيع مدرب على نهش أي مخالف - ولو سابقا- يقترب من حماها وهذا لايخدم المرحلة إطلاقا، وينافي روح كل خطابات الرئيس السابقة.
ونزعم أن الرئيس صادق في إرادته للإصلاح وقد نادينا في مقالات سابقة كل الصادقين في المعارضة أن يسارعوا في دعمه ويشكلوا نواة لنظامه ، لكننا اليوم أعود ونلتفت إلى كل الصادقين في صفوف الموالات أن يدركوا بأن كل انتخابات هي كالحج فرصة للغفران والتطهر، ولكل رئيس جديد الحق في أن يحرم و يغتسل من أدران النظام السابق له ، حتى يجد أريحية في التعامل ويبث روحا جديدة في الحكومة ، ومايصر عليه صقور النظام السابق من إلباس هذا النظام نفس ملابس النظام السابق التي كان يمتهن بها مهنته ، هو ظلم وتحجيم لدوره المستقبلي وضيق أفق لايحسدون عليه.
الرئيس السابق ليس شيطانا ولكنه ليس ملاكا:
في نظري أن انتقاد أي رئيس السابق – في حدود اللباقة - وتبيين مكامن خلل إدارته هو وحكومته ليس شيطنة له ، بل هو أمر طبيعي صحي مندرج في إطار التطور الطبيعي واهتبال الفرص لتحسين المسيرة، حتى تتضح الرؤية والمنهج الذي ستسير عليه الحكومة ، وكيف لكم أن تتصوروا أن البريطانيين مازالوا يسيرون الى اليوم بنفس خطط تشرشل الاقتصادية الاستثنائية؟ كل تجربة هي مناسبة لإطارها التاريخي ونقدها لاستكناه مكامن الخلل هو أول خطوة لتصحيح المسار، كما في الحديث "استقيموا ولن تحصوا ... ولكن سددوا وقاربوا "،التطبيق البشري لكل منهج سيكون به خلل ما، ولكن إعادة التقييم وإعادة التوجيه هي منهج تراكمي لايمنح القداسة لأي شخص، ولكن لايغمطه حق أي مخالف أيضا.وماقارب رئيس المثالية في بلدنا كما قاربها المرحوم المختار ولد داداه وهو بعيد منها أشد البعد، فافهموا ياقوم ، ومن الأفضل أن تأخذ الطبيعة التطورية التراكمية مجراها ، لتولد دولة تراكم تجاربها، ومن المعروف أن اللعب على الحبلين عمل بهلواني يجب أن يتقنه كل سياسي محنك، لكن الوقوع منه مؤلم جدا، وفي انتظار أن يضبط الرئيس موجة موالاته الموروثة عن الرئيس السابق على نفس تردد خطابه الواضح الجامع.
أما آن للحالمين أن يفيقوا؟