تقرير مجل The Africa Report المنشور على موقعها تحت عنوان "موريتانيا تواجه سباقاً مع الزمن للاستفادة من احتياطيات الغاز الطبيعي"، والذي تمت ترجمته، ونشره على موقع الأخبار الرائد محليا يحتوي في طياته على العديد من النقاط التي تحتاج ردا من الباحثين والمهتمين بهذا المجال، وسنركز على أربعة نقاط رئيسية، وهي :
(1)
خام الحديد لم يعد رافعة الاقتصاد الوطني
ذكر التقرير أن "الاقتصاد الموريتاني يعتمد بشكل كبير على تصدير الحديد الخام التي تم تداولها بأعلى مستوى خلال السنوات الخمس الماضية."
والحقيقة أن الاقتصاد الموريتاني لم يعد يعتمد بشكل كبير على خام الحديد، حيث أن مساهمته في تكوين الناتج الداخلي الخام منذ سنوات تتراوح في حدود 4%، و الاقتصاد الموريتاني تجاوز صدمة انهيار الأسعار عالميا سنة 2014 حينها كانت مساهمة الحديد فعلا تشكل ركيزة أساسية هذا من جهة، ومن جهة أخرى توقعات التقرير بشأن أسعار خامات الحديد 2020 و2021 تخالف توقعات جل المحللين الدوليين، حيث من المتوقع أن تؤدي مشكلة إنتهاء رخص استغلال مناجم في الهند سنة 2020، ودخول قرار إندونيسيا منع تصدير خامات الحديد 2021 إلى نقص في الامدادات على المستوى العالمي قد يصل إلى حوالي 60 مليون طن، كما أن الجزئية المتعلقة بضعف الطلب الصيني غير دقيقة، صحيح أن الصين منذ سنوات تسعى إلى خفض حجم وارداتها من هذه المادة عن طريق خفض قدرتها الإنتاجية من الصلب، و اعتمادها أكثر على الخردة بدل المادة الخام لكن النتيجة حتى الآن غير جيد، ة بل إن هذه السنة ستشهد ارتفاعا في حجم واردتها من الخامات، حيث تشير البيانات الصينية إلى أن حجم وارداتها من المادة الخام سيكسر المليار طن في منتصف الشهر القادم.
(2)
الغاز المسال الأمريكي يستهدف السوق الصيني أولا
صحيح أن السوق العالمي للغاز المسال معرض لتخمة في المعروض قد تكون كبيرة، فحسب التقرير الصادر عن الاتحاد الدولي للغازلسنة 2019 يبلغ إجمالي حجم القدرة الإنتاجية التسييلية للمشروعات المقترحة حوالي 845 مليون طن لكن من الملاحظ أن المشاريع التي تصل إلى مرحلة القرار النهائي للاستثمار (FID) قليلة جدا، ولو افترضنا جدلا أن أمريكا ستتمكن من رفع طاقتها الإنتاجية من الغاز المسال إلى حوالي 330 مليون طن في أفق 2024، فإنها قد لاتكون المنافس الشرس للغاز الموريتاني خاصة على السوق الأوروبي.
في اعتقادي أن أمريكا قد تكون تستهدف السوق الصيني أولا الصاعد أكثر مما تستهدف السوق الأوروبي، و قد يكون الغاز المسال الأمريكي هو الحجر الوحيد الذي يضرب عصفورين معا ،فهو من جهة قد يكون العامل الأساسي في تخفيض العجز التجاري بين البلدين، الذي كان قد بلغ سنة 2017 حوالي 375 مليار دولار أمريكي، ومن جهة أخرى هو المادة التي يزداد طلب الصين عليها سنويا بشكل كبير، يكفي أن نذكر أن زيادة الطلب العالمي على الغاز المسال 2018 بلغت 28.2 مليون طن 80% منها جاءت من الطلب الصيني و كوريا الجنوبية.
(3)
الغاز الموريتاني منافس قوي
التكلفة الأساسية الإجمالية لتسليم الغاز المسال تتكون أساسا من ثلاثة تكاليف متغيرة هي : تكلفة الاستخراج، وتكلفة التسييل، و تكلفة الشحن، والحقيقة أن التكلفتين الأخيرتين ، هما من يصنع الفرق في تنافسية الغاز عالميا، وهذا ما يعني أن الغاز الموريتاني قد يستفيد من بعض الميزات التفاضلية التي تعزز من تنافسيته خاصة على السوق الأوروبي.
ومن أهم هذه المميزات قربه من السوق الأوروبي الذي سيخفض من تكلفة الشحن، وكذلك تكلفة تسييل منخفضة التي قدرتها بعض التقارير المتخصصة با 2.1 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، بينما أمريكا بعيدة جدا من السوق الأوروبي ،و تكلفة التسييل لدى المحطات الأمريكية القديمة تصل إلى 3.1 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، وتنخtض إلى 2.25 دولارا بالنسبة للغاز المسال الأمريكي من المحطات الجديدة في خليج المكسيك، و عليه فإن ميزة موريتانيا ليست فقط جغرافية كما ذكر التقرير بل إن موريتانيا تتفوق على أمريكا من حيث تكلفة التسييل.
وربما هذا ما أشار إليه أحد التقارير المهمة في هذا المجال أن تكلفة تسليم الغاز المسال الموريتاني إلى أوروبا تبلغ حوالي 6.2 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، في حين تصل هذه التكلفة بالنسبة للغاز الأمريكي إلى 7 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية .
(4)
الشركات عليها الاستثمار في البنية التحتية في موريتانيا
صحيح أن شواطئ موريتانيا قد تكون من أنسب الشواطئ عالميا لبناء المنصات العائمة، وصحيح أن حقل آحمييم المشترك يقع في عمق البحر على بعد حوالي 120 كلم من الشاطئ، و صحيح أن الاكتشافات واعدة في كل من موريتانيا والسنغال، وقد رفعت الاكتشافات الأخيرة في حالة تأكيدها احتياطي البلدين إلى حوالي 20% من إجمالي الاحتياطي الإفريقي.
وعليه قد يكون خيار منصات إنتاج الغاز الطبيعي المسال العائمة (FLNG) هو الخيار الأفضل أمنيا ،وجيوسياسيا بالنسبة للحقل المشترك، وربما اقتصاديا نظرا لكون تكلفة التسييل لدى المنصات العائمة منخفضة جدا تصل إلى حوالي 2.1 دولارا لكل مليون وحدة حرارية، هذا بالإضافة إلى رأس مال إستثماري قليل نسبيا، وبناء أسرع مما يعني عائدات مالية مبكرة.
لكن رغم كل المميزات الإيجابية المذكورة أعلاه لخيار المنصات العائمة سلبيات خطيرة من أهمها:
1 تحرم بلادنا من إنشاء بنية تحتية حقيقية على اليابسة
2 تحرم الكثير من الشباب تحقيق أبسط أحلامهم المشروعة في التشغيل
3 تشكل ضغطا قويا وربما تهديدا حقيقيا للثروة السمكية المتجددة.
4 تشكل تهديدا حقيقيا للأنظمة الغيورة على مصالح شعبها
وعليه نطالب بخلق توزان بين الإيجابيات والسلبيات، وذلك من خلال مساهمة الشركات الدولية
مساهمة معتبرة في انشاء البنية التحتية المطلوبة التي أشار إليها تقرير The Africa Report ، بالإضافة إلى المساهمة في برامج التنمية الاجتماعية التي تستهدف حل مشاكل مجتمعنا الملحة مثل القضاء على التفاوت المناطقي، ومحاربة الفقر، وكذلك المساهمة في تحسين الكفاءات البشرية عن طريق التعليم والتدريب و نقل الخبرات.
خلاصة القول لا خلاف على أن الحوض الساحلي الموريتاني من الناحية الجيولوجية جزء من حوض رسوبي كبير (MSGBC) ، يحتوى على ترسبات هيدروكربونية عالية الجودة من النفط والغاز، وقد يكون الاختلاف يقتصر فقط على العمق الذي يجب أن يصله الحفر الاستكشافي، ولذلك إذا كانت الشركات الأوروبية المتأخرة في الترتيب العالمي حسب تصنيف مجلة فورتشن (Fortune) لأفضل 500 شركة في العالم لسنة 2019 غير مستعدة فهناك من هو مستعد وفي المقدمة عالميا.
و دس السم في الغاز الموريتاني بالإيعاز لمن بيده الأمر و سوق بلادنا بطريقة غير مباشرة إلى فخ الديون، و لعنة ما قبل الاستغلال المتمثلة في لإفراط في الاقتراض، والإسراف في الإنفاق على ما سماه تقرير " The Africa Report "
تطوير البنية التحتية هي محاولة يائسة تذكرني بمثل صيني 只能是竹篮打水一场空 أي ليست إلا كمن يسكب الماء في الغربال، و المؤمن لا يلدغ في جحر مرتين.