صهيلٌ في وجه جوزيف غوبلز ! /المهدي بن أحمد طالب

( كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مُسدسي )

إن الكلمات أحيانا تعجز عن التعبير عند ما تعجز المشاعر عن البوح بما يجري في مكنونها وخلجاتها ، وحينها تتوقف الحروف و تنتحر الابتسامة  ويختفي الأحرار خلف قبّعات الأرامل وتلتحف الليالي المقمرة بسواد بهيم .

لم يسجل التاريخ حادثة اغتيال زعيم إلا رُفعت هامته على الرؤوس ، وسارت بأخباره الركبان ، وشادت بذكره المحافل ، وصارت حديث الأمس واليوم .

أما الجبناء فلم يسجل لهم التاريخ ذكر ، منهم من مات بسبب التخمة والجبن ، ومنهم من مات بسبب حمله لقمامات الأخبار الكاذبة والمزيفة ، فنسيتهم الإنسانية والتاريخ في سلة مهملات الزمن .

نعم هناك عظماء شيدوا لأنفسهم تاجا من العظمة على هامة التاريخ وبقيت بطولاتهم محفورة في ذاكرة الزمن والأيام ، منهم من قضى نحبه في حادث اغتيال غامض ومنهم من ينتظر ساعة يعلم فيها الجبناء أن المطالب العليا لا تُنال بالتمني .

لا رابط يربط بين الحقيقة والخيال ولا بين الشك واليقين ، لكن الاعلام وحده يستطيع استغلال الساذجين عاطفيا ويصور لهم مشهدا بوليسيا .

لقد اشتهر "جوزيف غوبلز" وزير الاعلام في عهد " أدولف هتلر" بوسع خياله في الكذب ونسج قصص الخيال حتى اشتهرت مقولته " أكذب ثم اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس " هذا هو منطق الشارع الموريتاني اليوم حول قضية اغتيال الجنرال محمد ولد عبد العزيز ، كلٌ حسب ما تمليه عليه جُعبته من آيديولوجيات وآراء سياسية وأفكار .

 قد يكون جوزيف غوبلز صادقا حين قال " كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مُسدسي " وذلك أن من يسمون النخب الثقافية أو السياسية أو الصحافية  أقرب ما يكونوا من قطاع الطرق (إلا من رحم الله ) ، فهم يضللون الرأي العام حين ينسجون خيالا ادراميا عجزت عنه السينما المصرية و الهوليود الآمريكية .      

نعم لا يمكن لشخص أن يضحي بحياته طيلة ثلاثة عقود من الزمن في خدمة بلده ووطنه ويختفي دون أن يعرف سبب وحيثيات الطريقة التي ذهب بها وكيف ؟ ولم ؟

إن قراءة ما بين السطور وتفسير الحروف والمعاني الغامضة قد يكون سببا في حل أحجية الاغتيال أو لغزه بالأحرى من أجل الوصول إلى حقيقة غائبة وفق تحليل منطقي يدور بين تحليلات المتشائمين وتطمينات المتفائلين .

لا يمكننا أن نُصدق البتة منطق وزير الاعلام بأنه حادث عرضي و نيران صديقة وقعت بالخطأ ، هذه القصة من نسج " جوزيف" تفتقد إلى قواعد منطقية وحجج عقلية ، فهي لا ترقى إلى مستوى يصدقه غير الساذجين والمغفلين ، وما زاد الامر تعقيدا هو تفاصيل " موريتانيد " ـــ بالساعة والدقيقة ــــ التي جاءت لتأكد الرواية الرسمية بحتمية الوقوع .

أما دعاوى الانقلاب والاغتيال فهي غيرُ مستبعدة وأقرب إلى الواقع من الرواية الرسمية ، وذلك أن كبار الشخصيات من جيشنا الذين ساعدوا الجنرال في انقلابه وناصروه لا يمنعهم من الانقلاب عليه غير إتاحة الفرصة ومساعدة الظروف ، لكن في الوقت الراهن يبدو الجنرال عزيز ــــ المُتمرس عسكريا ــــ أقوى من سابقيه لحنكته وتجربته لمطامع زملائه بالسلطة ، كما أن مُعانات الجنرال إبان فترة انقلابه ــــ رغم مساندة القذافي ــــ جعلت البعض يفكر في أي انقلاب يقوم به ، بل إن الجنرال استخدم ويستخدم لغة الترغيب المادي حين رفع معنويات الجيش وهذا لا ينكره إلا مكابر ، كما أن الترهيب باستخدام لغة العصا الغليظة غير بعيدة عليه وغير مستبعدة ضد من تسول له نفسه فكرة الانقلاب عليه تأسيا بالرئيس السابق معاوية .

كما أن بعض أصابع الاتهام أشارت إلى عصابات الصحراء ( القاعدة ) على اعتبار أن ولد عبد العزيز رجلها الاول في موريتانيا حين تزعم مقارعتها خارج أرضه ، وهذه المقولة في هذه القضية بالذات بعيدة جدا ، بل أعتبرها من المستحيلات ، وذلك أن الجنرال أثبت بسالة وشجاعة في هذا الميدان وهذا ما جعل الغرب يصنفه كأقوى رجل في المنطقة تحمسا ، كما أن جشع هذه الضباع  وحبها للظهور الاعلامي يدفعانها إلى الاعلان عن موته وهو مازال على قيد الحياة ، وحتى لو سلمنا جدلا أنها القاعدة فحتما سيقع تعتيم من الاعلام الرسمي بدل ظهور ولد عبد العزيز على سرير الاستشفاء وحديثه عن نيران صديقة .

والقول بأنها نيران خاطئة من غير قصد مُستعبد جدا وذلك أن السيسيولوجيا العسكرية لابد لها على الأقل من اتصالات مع جهات عليا في الهرم العسكري بشأن موقف موحد على استهداف أمر معين وخصوصا إذا تعلق بشأن إطلاق النار .

وعلى العموم فإن حادثة إطلاق النار تبقى محيرة لما يرد عليها من استشكالات ، ومهما وقع من التحاليل السياسية والمنطقية تبقى هناك أسئلة تلوح في الأفق وتخيل في ذهن كل قارئ  منها المستحيل والمستبعد و منها كذلك المنطقي والقريب من الواقع فيا تُرى هل هذه رصاصة  صديق خاطئ أم عدو ثائر تأخر عن الوقت المحدد ؟

يبقى الكذب هو السائد والمسيطر على الحقيقة هو الاعلامي جوزيف غوبلز !

20. أكتوبر 2012 - 9:22

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا