إن التستر وراء الحجة المتمثلة في "أن تقادم ملفات الفساد" يلغي متابعة أصحابها من المفسدين والمختلسين والمبددين ثروات الشعب والمخلين بهيبة الدولة، هو عذرٌ واهي يندرج في صميم منطق تحايل "الماكيافليين" من أهل المكر السياسي السيئ؛ عذر لن ينطلي بتاتا على القادة الخلصاء في الحكامات الرشيدة ولا على النخب الرشيدة الواعية، ولا الشعب الناضج الذي لا يغفل عن حقوقه ولا يغتفر زلات المفاسد الكبرى التي أضرت بأركان وروح كيانه وإن طال الزمن.
وهو التستر، على عري مكشوف، الذي يروج له هذه الأيام بعضُ:
- السياسيين المتجاوزين و"الوجهاء" القبليين المغمورين الذين وضعوا، بعد ما أصابهم جميعهم الوهن، عصى الترحال السياسي النفعي من دون تركهم الانتجاع الطمعي المزمن،
- والإعلاميين المأجورين المطلقين كل مواثيق المهنة وأخلاقياتها،
- والمتزلفين الطفيليين الذين يقتاتون على الفتات،
حتى يثبطوا هِمَمَ أصحاب الحق المطالبين معرفة أين ذهبت مداخيل خيرات بلدهم الكثيرة والمتنوعة، وبمساءلة من تم هذا الأمر المخرب على أيديهم، ومحاكمة من تثبت عليهم التهم، وكذا استرداد ما يمكن من هذه الأموال الطائلة للخزينة العامة ومن العقار العمومي الذي اغتصب وحُول إلى وجهات خصوصية بحوزة يافعين بلا معارف ولا اختصاصات ولا قدرات استثنائية، ونساء بلا تجارب، وشيوخ بلا رؤى، لا يستطيعون جميعهم الرد على سؤال عمر بن الخطاب الذي وضع أرقى قواعد العدل وأكثرها مباشرة ووضوحا:
- من أين لك هذا؟
عقار عام كان مدارس عريقة وثكنات عتيدة ومصالح عمومية تليدة في خدمة المواطن، أعطيت كلها بـ"جرة قلم" جريئة تحت عنوان البيع للزبانية والمقربين والأقارب والمتزلفين والوجهاء المبتذلين.
فهل يثبط هؤلاء هممَ كل الخيرين من:
- النواب الصادقين،
- والسياسيين أصحاب المبادئ،
- والفاعلين الشرفاء في المجتمع المدني،
- والإعلاميين النزهاء أصحاب الكلمة الراقية،
- والشعب الواعي؟
أفلا يغتنم هؤلاء مجتمعين "إرادة" التصحيح الجديدة و"نشر" العدالة و"تمتين" عرى الوحدة واللحمة الوطنية، لتمرير هذه الرغبة الجامحة ورجاء إحقاق حق الدولة والشعب بتفعيل القضاء تحت ظل دولة القانون التي أظل زمانها؟