إنطلاقة قوية، وخاتمة سيئة  / محمد ولد سيدي

في كل عهدة حكاية ، تذكر بفصل جديد من قصة ألف ليلة وليلة، ، سواء تباعدت الأزمنة السحيقة، أو تقاربت ،هدفها واحد ، ولا تعدو كونها مجرد حكاية تتكرر...

أكره الحديث في السياسة، في مجتمع، متسيس أصلاً ،و هو عن السياسة أبعد.!

الصين سيطرت على مليار، وغزت العالم، ،،ورواندا عرفت كيف تتغلب على المعوقات الإجتماعية، وسنغفورة المثال الحي في العقل البشري،،،

في بلد الثروات،في كل عهدة، إنطلاقة قوية، وخاتمة سيئة،،فمتى نخرج من هذه الجدلية ؟ 

ﺩﻳﻔﻴﺪ ﺇﻳﺴﺘﻮﻥ قال : إن السياسة ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺗﻘﺴﻴﻢ ﺍﻟﻤﻮﺍﺭﺩ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﻋﻦ ﻃﺮﻳﻖ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ .

ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻮﺍﻗﻌﻴّﻮﻥ ﻓﻌﺮﻓﻮﻫﺎ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﻓﻦٌّ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺩﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺗﻐﻴﻴﺮﻩ ﻣﻮﺿﻮﻋﻴﺎً .

قد يقول قائل، إن السياسة فن الممكن، بيد أن التعريف الأمثل لها، هو التعريف الأمريكي البرغماتي " السياسة سلم في الداخل وحرب مع الخارج " ،والحرب هنا تعني الحرب على المصالح، و هي الحرب التي يجب أن تكون.

تعريف ديفيد استون رغم بساطته و إختصاره، إلا أنه يفرض التوقف عند عبارات مهمة فيه هي: تقسيم- الموارد - السلطة " كلمة " تقسيم" من الناحية المادية والدلالية في الخطاب تفرض العدالة في كل شيء،في تعيين الأفراد/، والعدالة في توزيع الثروة، وفي هذا السياق تعود بنا الذاكرة الى جيل التأسيس، والميوعة في ميزان التقسيم المادي والمعنوي اللا متوازيين ،ففي مرحلة التأسيس نجد عدة وزراء من قرية واحدة، أو مدينة واحدة، وحكومة معظمها من جهة واحدة، وهذا خلل بنيوي ،ولد كثيرا من العقد النفسية والجهواتية أدت في النهاية الى تصادم مناطقي لفظيا ،وتصفية حسابات في هرم السلطة خاصة خلال العقود الثلاثة الأخيرة ، أما اليوم فنجد حزمة من التعيينات 90 - 95% من مكونة واحدة رغم التطور الفكري والثقافي داخل المجتمع ، وبالتالي لم يقع توازنا في الجهاز الإداري للدولة الحديثة ،صحيح للكم مكانته، وللكيف كذلك، ولكن ليس الى درجة لا تقبل معها المقارنة مع الآخرين. 

كلمة " الموارد " هي الأخرى تحمل شحنة من الثقل والأهمية، عندما نقول الموارد، نعني بها أماكن التحصيل، والإستفادة ، وعليه فالشعب الذي يضم قوميات متعددة مليء بالطاقات البشرية من كل الأجناس والأعراق و بإستطاعتها، القيام بالمسؤوليات المنوطة بها .

كلمة " السلطة " ترتبط ارتباطا وثيقا بالتقسيم، فالسلطة هي الجهاز التنفيذي المسؤول عن إدارة البلد، و أمنه واستقراره، و بنائه، ويتطلب ذلك جملة من العوامل والمعايير المتبعة في النظم السياسية المتحضرة ، أبرزها، العدالة الإجتماعية، والكفاءة والجدية والإخلاص. 

التعريف الثاني للسياسة، لا يقل شأنا عن التعريف الأول/ الواقعيون يقولون " إن السياسة فن يقوم على دراسة الواقع وتغييره موضوعيا " ، الواقع، والتغيير، والموضوعية، هذا الثالوث لايخلو من معاني عميقة في فن السياسة، فالواقع الإجتماعي، واقع مر، وخطير، ولا يخلو من تصدع، وحرمان ، لمكونات عريضة، تتقاطع في الغبن والإقصاء تاريخياًّ، و المكونات هذه هي وجهة المترشحين في كل إنتخابات رئاسية أو بلدية أو تشريعية ، بالفقراء إذن، يتقوى الأقوياء، و تنتفخ بطونهم. 

فهل من الموضوعاتية ، مواصلة مشوار الهيمنة في مجتمع متعدد الألسن والألوان ، ورثت بعض مكوناته، الملك، والسيطرة، أَمَا كان من الأجدى الحد من هيمنة الأقوياء حتى يتسنى التقارب بينهم و المسحوقين إجتماعيا ، من ناحية تقوية اللحمة الإجتماعية، و من ناحية أخرى، علاج للتراكمات المترسبة في العقلية الجمعواتية داخل المجتمع،ورغم نجاح تجربة " الإعاقة السلبية " لتلاميذ إحدى الولايات عقودا، فقد أتت تلك التجربة أكلها، فلماذا لا تستخلص الحكومات العبرة منها وتطبقها في التعيينات حتى يحدث تقاربا في النظام المؤسساتوي داخل المنظومة الإجتماعية؟

أعتقد أن السلطة الحاكمة لن تتناسى رسائل المغبونين إجتماعياًّ في الإنتخابات الرئاسية الماضية، ولن تتناسى الوعود التي تعهدت بها للمظلومين تاريخيا، و أعتقد أيضا أن السلطة تعي أهمية التراص ومايقود إليه، وتعي أهمية التغيير وفضله على كيان يطل على تماس من بؤر لم تعد صالحة للإستقرار والتعايش السلمي والتنمية والوحدة، فمتى نستخلص العبر، أم أن العبر لا تستخلص إلا بعد فوات الأوان؟

8. فبراير 2020 - 15:17

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا