"إذا قبضت المال ثمنا لنضالي سوف أتحول من مناضل إلى مرتزق" (نيلسون مانديلا) ، إذا كان النضال، من أجل انتزاع الحقوق لأهلها من المستضعفين والمغبونين والمهمشين، غاية نبيلة وجهدا محمودا عظيما وشجاعة مضمخة بحب الحق ونبذ الظلم والوقوف في وجهه، فإن فجاجه لا تحتمل الكذب والتحايل والتحامل والارتزاق، لأن هذا النضال في حقيقته أفعال نبيلة وحالة نفسية عالية تنفي جميعها كل وجه لا يتحلى بالصدق في التوجه والمصداقية العمل والتواصل، ولا يصدم النفوس المطمئنة على مساره إلى مبلغ كماله.
وإن القول برواسب "بغيضة" من مخلفات عقلية النظم الاجتماعية التراتبية والطبقية والتفاضلية التي كانت سائدة في المجتمع الموريتاني فترة غياب "الدولة" المركزية، هو حجة بالغة وقوية ومدعاة صحيحة لمحاربة هذه الرواسب بلا هوادة حتى القضاء عليها مطلقا.
ولكن ضمان نجاح هذا النضال المشروع لا يتحقق بالدعوة إلى العنف اللفظي وتقديم البلاد في صور مجحفة وبعيدة في بعض جوانبها عن الحق كـ:
· الوصف بـ"الآبر تايد" الذي هو الفصل العنصري العملي،
· والخروج على السلطة ونظامها بالقول ومتعمد الفعل،
سيما وإن كانت هذه السلطة تقر بتلك الاختلالات المجتمعية وبانعكاساتها الغير مقبولة الاستمرار، وتعمل بقوة وجد وإخلاص على إزالتها من خلال سن القوانين المجرمة ووضع الوسائل الرادعة من ناحية، والمتابعة الصارمة لتنفيذها بشكل نافذ ودائم من ناحية أخرى.
من هنا تتبين وبوضوح ضرورة أن تتكاتف جهود الواعين على كل المستويات:
· الشعبية والحكومية،
· أوساط المثقفين والمتعلمين والفنانين،
لمصاحبة التحول الحتمي في العقليات ولدعم سبل ذلك بقوة في الوسط التعليمي عند الأساس بفضل مساعدة الترسانة التربوية، وفي الإدارة من خلال تقريب خدماتها لتشمل المواطنين بعيدا عن:
· المحسوبية،
· والوساطة،
· والإيثار الظالم المعتمد في الأساس على القبلية والطبقية،
· والرشوة،
وغير هذه الممارسات التمييزية المجحفة التي تسبب الحرمان والإقصاء بغير وجه حق للشرائح المستضعفة والطبقات الهشة.
أما أن يكون هذا النضال الذي يجب أن ينخرط فيه الجميع ضد من يتمسكون، لحساب الماضوية الاقطاعية والاثنية الطبقية، بكل أسباب إبقاء التفاضلية من خلال قوالبها المتجاوزة مدعاة لتسويقه لمآرب شخصية أو لأجندة خارجية لها مآرب هي الأخرى في البلاد لا يمكن أن تتحق في حالة السلم مستتبا فيها. من هنا يكون كل تسويق مسألة الحقوق هو أشبه بالمتاجرة في قضاياها في فضاءات التآمر على الدول الإسلامية والمستضعفة وهي تريد بمقدراتها التي بدأت تستكشف أن تقف على سوقها وتستغل هذه المقدرات للخروج من عنق زجاجة الفقر والتخلف. ولكن هيهات أن تفعل في ظل التآمر عليها من خلال المغامرين من أبنائها بأية قبعة تحقق لهم التعامل مع هؤلاء الطامعين الاستغلاليين، قبعات أوفرها ظلا تلك التي تحمل عنوان "الحقوق" التي تعمل على نكء الجراح المجتمعية وإذكاء الأحقاد بين فصائل المجتمع ومكوناته فتكون بمثابة "الحق الذي يراد به باطلا" كما قال الخليفة "علي" رضي الله عندما غطى أعداؤه رماحهم بالمصحف الشريف، أو يصدق في باعة الحقوق قول نيلسون مانديلا "إذا قبضت المال ثمنا لنضالي سوف أتحول من مناضل إلى مرتزق".
وما حالة ولد امخيطير، الذي سولت له خيبته النوال من الجانب النبوي المعصوم وفلت من العقاب بفضل تضافر جهود "جهات" مختلفة فيها الرسمي والحقوقي وقد قبضا، والعدائي للإسلام، إلا شكلا من أشكال المساس ببعض البلدان المستهدفة بسبب ما يزخر به أديمها وشواطئها من الخيرات العميمة، الثمينة المتنوعة معادن وأحياء وعازا.
ولكن الحكامة الجديدة أثبتت، بما أبانت عنه من حكمة التريث والقدرة على ضبط النفس والابتعاد عن غليان الإعلام المرجف ودفق فضاء التواصل الاجتماعي الموجه، أنها مدركة لأبعاد وأهداف كل هذه الأحداث التي تصنع بعض فصولها من حين لآخر، وأنها تعرف كيف تقرأ بين سطورها وتُقيمها للتعامل معا بما يليق ويحفظ للبلد أمنه ووحدته واستقراره ولمواطنيه لحمتهم وسكينتهم، وبما لا يوقف قطار الإصلاح الذي تضمنه برنامج رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني وركز فيه على تحقيق العدالة الاجتماعية وإحقاق وتأمين المواطنة في ظل دولة المؤسسات و القانون.