وانتصرت غزة/ محمد الهادي ولد حمادي

محمد الهادي ولد حماديلئن كانت حرب الأيام الستة قد أجهزت على بقايا الأمل المعلق على تحرير القدس آنذاك،فإن حرب الأيام الثمانية تكتب اليوم تاريخا جديدا من الانتصار والعزة والكرامة،وتعيد للأمة أمل التحرر من قبضة الاحتلال.

لقد استطاع المجاهدون في غزة وعلى رأسهم كتائب عز الدين القسام أن يمرغوا انف العدو الصهيوني ،ويكسروا هيبته التي ادعاها طيلة عقود من الزمن،فالجيش الذي لا يقهر،عاد يجر ذيول الهزيمة و أرتال العار والخزي.

كان هدف الصهاينة من العدوان انتخابيا بحتا،وإن ادعوا منه إعادة "الردع"،لكن رياح المقاومة جاءت بما لا تشتهي سفن الاحتلال ،ودكت مواقع الصهاينة العسكرية والمدنية-وإن كان لا مدني في إسرائيل- دكا عظيما،ودفع الصهاينة ثمن حماقتهم المتأصلة .

كان مشهد الصواريخ وهي تنهال على جنوب مدينة الأشباح تل الربيع والقدس والمغتصبات المحيطة بها،مشهدا قويا في نفوس الصهاينة،وظل قاطنوا تلك المناطق يعيشون لحظات رعب تشابه الموت،في مشهد لم يعهدوه في صراعهم مع العرب،منذ حرب الخليج.

 كان لتلك الصواريخ المباركة وهي تدك معاقل ظلت عصية على الهجوم ردحا من الزمن،أثر بالغ في تغيير اللعبة ،وشكلت رسائل مهمة بعثت بها المقاومة إلى الكيان الصهيوني وكانت مفاجئة العدوان التي لم يتوقعها اليهود.

استراتيجيا حققت المقاومة نصرا كبيرا،بضربها الحصن المحصن من الأرض المحتلة،و زعزعت الأمن المزعوم الذي ظل قادة الكيان الصهيوني يتبجحون به، ويزعمون أن القبة الحديدية ستحميهم من الصواريخ،وهو ما تبين زيف ادعائه وبطلان حقيقته.

بعد سقوط الصواريخ بدا للاحتلال أن معلوماته عن المقاومة كانت خاطئة،وأن حساباته خاسرة،وأن الحرب  التي أرادها "نزهة" لجنوده ،وجلبا للأصوات في الانتخابات لن تكون كذلك.

حرص الاحتلال على التهدئة من أول يوم، وبادر إلى حل يحفظ للجيش الذي لا يقهر ماء وجهه،وهو ما يشكل حدثا مهما يجب التوقف عنده مرارا وتكرارا لقراءة ما بين سطور الحدث الذي يحدث لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي.

استطاعت حركة المقاومة الإسلامية حماس أن تدير المعركة بذكاء كبير وفطنة عالية،وظلت تمسك بعنصر المفاجئة حتى آخر لحظة،وهو ما دفع الجمهور الإسرائيلي إلى متابعة قناة الأقصى وتصديق ما  تقول كتائب عز الدين القسام.

النظام المصري الجديد كان له هو الآخر دور مهم في صناعة النصر،فدعم حماس وشد على أيديهم لضرب الاحتلال، وفتحت المعابر وأرسلت وزيرها الأول تأكيدا على الوقوف معها وتأييدها رغم القصف العنيف الذي كانت تعيشه غزة.

مصر الأمس ليست مصر اليوم كما قال الرئيس المصري،و ما كان مباحا بالأمس لم يعد  مباحا اليوم كما قال وزير الخارجية التونسي،فالربيع العربي الذي جاء بحكومات تمثل خيار الشعوب ،لن تترك الشعب الفلسطيني يواجه العربدة الإسرائيلية وحده.

النصر الذي يكتبه التاريخ اليوم بأحرف ذهبية،وسطًرته تضحيات المجاهدين و دماؤهم لم يكن ليأتي بالمفاوضات والحل السلمي،فما أخذ بالقوة لا يرد إلا بها:

لا عدل إلا إن تساوت القوى..وتصادم الإرهاب بالإرهاب

لا يفهم العدو الصهيوني إلا لغة الحراب كما قال الشهيد الرنتيسي،والندية العسكرية مع الاحتلال وحدها الضامن للأمن في المنطقة، وقد أدرك الشعب الفلسطيني اليوم أن خيار المقاومة هو ما سيحرر أرضهم ويعيد لهم الأمل بالعودة إلى الوطن.

نتائج كثيرة استطاعت المقاومة حصدها من خلال هذا العدوان،فالمعابر ستفتح، وإسرائيل لن تكون قادرة على فعل ما تريد وقت ما تريد،لأنها تعلم أن المقاومة لها بالمرصاد،وأن ملايين الإسرائيليين أضحوا تحت مرمى الصواريخ الفلسطينية.

لعل من بركات النصر الكبير الذي حققته المقاومة اليوم، وقد عجزت الجيوش العربية مجتمعة أن تفعله،هو انتفاضة الضفة التي تزامنت مع العدوان،ورغم القبضة الأمنية المشددة التي تتبرع بها حكومة عباس للاحتلال ،إلا أن الجميع خرج غاضبا،ومشهرا بغضه للعدو الاسرائيلي،وهو مؤشر ربما إلى انتفاضة ثالثة تطيح برؤوس العار وترفع فيها راية المقاومة .

يجمع المراقبون الصهاينة على أن الجيش الصهيوني انهزم في هذه المعركة سياسيا،وعسكريا واقتصاديا،ولن يكون بمقدرته خوض معركة جديدة لنفسية جيشه المنهارة وخوفه المتأصل.

بذلك تخطوا الأمة الإسلامية أولى خطواتها نحو التحرير،و تُدشن على أيدي كتائب القسام  المرحلة الأولى نحو الأقصى عنوانها الأبرز:اليوم نغزوكم ولا تغزوننا.

استطاعت المقاومة أن تنتصر على أقوى جيوش العالم من حيث التجهيز والخبرة العسكرية،ليس بالعتاد والعدة،بل بالإيمان والعزيمة والثبات والشجاعة.

سيكون على أدعياء المقاومة الذين يزعمون أنهم مقاومة،وهم غارقون في دماء إخوتنا السوريين أن يغيروا من خطابهم علهم يعيدون بعضا من شعبيتهم المتلاشية،فخطاب "تل آبيب ،وما بعد تل آبيب" انتزعه القسام فعلا لا قولا.

هو إذا وعد الله للمؤمنين من عباده يتحقق،وحلم التمكين وزوال إسرائيل قد بدأ،  وفجر التحرر قادم بعد ليل طويل من الذل والهوان..

والله اكبر ولله الحمد..

22. نوفمبر 2012 - 14:31

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا