في الوقت الذي يقود فيه حاكموا موريتانيا سفينة الوطن إلى درك الهاوية، وتسير فيه البلاد إلى قاع المجهول، و في الوقت الذي تشهد فيه البلاد العربية ثورات عارمة ، قطفت رؤوسا قد أينعت،و أسقطت حكومات بلغت من الفساد كل مبلغ،وتحركت الشعوب استنشاقا للحرية ،وطلبا لحياة أفضل.
تأتي إطلالة حزب الحراك الشبابي –وما أقلها- ببيان سعوا من خلاله للرد على مطالب الشباب التي رفعوها في مهرجان شبيبة تواصل الأسبوع الماضي. ومع أن البيان جاء متأخرا ،ورغم أن لجنة إعلامية بكاملها هي من صاغته وحررته وقدمته للعلن، إلا أن البيان افتقد لأبسط أبجديات العمل السياسي، ولم يستطع أن يقدم حلولا ولا أفكارا سياسية تدعم موقفه ،بل اكتفى بالهجوم –وهي عادة العاجز- على رموز حزب تواصل،والترويج لإنجازات وهمية وأكاذيب مضللة لا تعدوا كونها ذرا للرماد في العيون.
من هم شباب الحراك؟
في لحظة من الزمن أدركت الشعوب أن زمن الاضطهاد والفساد قد انتهى ، وأنه قد حان لتحرك يلغي دولة الرجل الأوحد، ويؤسس لمرحلة جديدة أساسها العدل والحرية . وانتفضت الشعوب كلها ،وأسقط البعض من تلك الشعوب حكامها مجسدين بذلك صورة حضارية راقية،وانتقالا نحو عهد جديد،وجاء الدور على موريتانيا التي حكمها العسكر منذ نشأتها واستشرى الفساد في كل أركانها،كلما جاء عسكري لعن من قبله وبشر بعهد جديد،فتشابهت مصائر تلك العهود ،و لم يجد الشعب فيهم إلا أوجها متعددة لعملة واحدة.
جاء الدور على موريتانيا وخرج بعض الشباب المطالبين بالتغيير نحو الأفضل، والقضاء على الفساد وإشراك الشباب في القرار،وتحسين الظروف المعيشية وغيرها من المطالب المشروعة التي هي حقوق طبيعية لكل مواطن،ولا زال النظام يرفض تلك المطالب ويقابل كل تحرك بقمع وحشي.
وفي مارس 2011 تم الإعلان عن لقاء بين الرئيس وبعض الشباب وطلب منهم تأسيس حزب سياسي، لنكتشف أن هؤلاء الشباب لا علاقة لهم بالثورة ولا يحملون مثقال ذرة من الهم الوطني،ولم تغبر يوما أقدامهم في سوح النضال،ولم يعرف الاعتقال ولا القنابل المسيلة للدموع إلى أجسادهم سبيلا، وإنما هم جزء من بضاعة رائجة تمتهن ركوب الأمواج،وتقتنص الفرص ولو كان ذلك على حساب الشعب والوطن.
يقدم "الحراك" نفسه على أنه حامي حمى الوطن،وأن حزبه هو ممثل الشباب الثائر القادم لتوه من معترك "النضال"،لكن نسي ذاك الحراك وهم يتقاسمون كعكعة الولاء للنظام ، أنهم مجرد قلة قليلة، جمعها الطمع وحب الذات،والسعي إلى الشهرة والرياسة.
تناقض صارخ!!
1- ذكر البيان أن شباب الحراك نشأ قبل الثورات العربية، ولم يكن نتيجة من نتائج الزحف العربي العارم نحو الحرية والكرامة، لكن الرئيس ولد عبد العزيز قال إبان الحراك الرافض لسياسته الفاسدة، أن الشباب الموريتاني قد تنازل عن فكرة الثورة على النظام وقَبل بإشراكه في العمل السياسي، وإنشاء حزب سياسي شبابي خالص ،يتبنى قضاياه ويدافع عن مكتسباته..فأيكما نصدق؟،إما أن سيادة الرئيس قد كذب علينا –حاشاه- وقال كلاما عاريا عن الصحة،وإما أنكم معاشر شباب حزب الحراك قد قلتم في بيانكم كذبا..وفي كلتا الحالتين فإن أحدكما قد افترى على الله كذبا والمؤمن لا يكذب.
2- قال البيان أن المطالب التي رفعها شباب الإصلاح والتنمية في مهرجانهم الأربعاء الماضي، قد تبناها شباب الحراك منذ زمن،وهذا يعني بالضرورة –مادامت المطالب لم تحقق- أنكم قد فشلتم في تبني تلك المطالب،وبالتالي لا تستحقون تمثيل الشباب في المعترك السياسي.
3- كثر الحديث في بيان الحراك عن ضرورة التمسك بالمبادئ والحفاظ على القناعات ،ومع أن هذا الأمر ايجابي،ومطلوب، إلا أن آخر من يتحدث عن المبادئ هو شباب الحراك، الذي تخلى عن كل شيء – مبدأ كان أو غير ذلك- وارتمى في حضن النظام،وطبل له ولأفعاله الفاسدة،وهو ما يفسر الخلافات الكثيرة التي تضرب بين حين وآخر ذلك الحزب الوليد.
الشباب يريد..
لقد رفع شباب تواصل في مهرجانه مطالب مشروعة وملحة،( إصلاح التعليم، تكافؤ الفرص، التشغيل، المشاركة في صنع القرار، العدالة الاجتماعية، يريد تعزيز المرجعية الإسلامية، حربا حقيقية على الفساد ، تطوير اللغات الوطنية..)وغيرها من المطالب الطبيعية التي يجب أن تتوفر في أي دولة تريد الاستقرار والتنمية،والذي يرفض هذه المطالب يثبت أنه لا ينتمي للشباب وإن تسمى باسمه وتبنى حراكه زورا وبهتانا..
على الحزب الوليد أن يفهم أنه ما كان للشباب الموريتاني أن يقف مستسلما وتاركا مصير موريتانيا لثلة من المفسدين الذين لا يرقبون في المواطن إلا ولا ذمة،همهم الوحيد مصالحهم الشخصية وإن كانت على حساب الوطن الذي تُسنزف خيراته ومقدراته دون حسيب أو رقيب، في وقت يسطر فيه أشقاؤه في البلدان المجاورة أنبل التضحيات ويسجلون أروع الانتصارات في سجل التاريخ المشرف لهذه الأمة،كما أن عليه أن يفهم أن رسالة الشباب بهذا الخصوص واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار، وهي أن الشعارات الجوفاء، وترخيص الأحزاب الشبابية ليس هو الحل المناسب لمشاكل الشباب.
إنه من الطبيعي حين تتشابه الحكومات في التسيير السيئ لثروات البلاد، والقمع الوحشي لكل التحركات المطالبة بالعدالة والعيش الكريم، و كل مظاهر الفساد،أن تتشابه كذلك في المصير،وتكون الإسقاطات أمرا لا فر منه.
ليس من العقلانية ولا من منطق السياسة أن نعلل الأخطاء، ونبحث لها عن مبررات،بل يجب أن نبحث عن حلول لتلك المشاكل تخرج الدولة من الأزمة التي تشهدها، وتعزز الديمقراطية والعيش الكريم لكل المواطنين. يجب أن نتعلم من درس الثورات التي قامت ، والعاقل من اتعظ بغيره،وحين تتجاهلون تلك المطالب يكون مصيركم كمصير من سبقكم، حملهم التكبر والغباء على تجاهل المطالب فكان مصيرهم ما بين قتيل وهارب ومحاكم.