مستقبل أسعار خامات الحديد فى ظل جائحة كورونا / د.يربان الخراشي

انفجرت أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد مطلع السنة الجارية تزامنا مع عطلة عيد الربيع  الصيني التي تستغلها مصانع الصلب لإجراء الصيانة اللازمة سنويا، حينها كانت أسعار خامات الحديد في حدود 95 دولارا للطن حسب مؤشر بلاتس، ومع بداية إنتهاء العطلة منتصف فبراير المنصرم كان الذعر العالمي خاصة داخل الصين قد أدى إلى انخفاض الأسعار إلى حدود 80 دولارا للطن.

 لكن اليوم وبعد أن تسبب الفيروس في جائحة عالمية باتت تؤثر سلبا على الأداء الاقتصادي لجميع دول العالم، بالإضافة إلى الهبوط الحاد في أسعار النفط الخام، والتوجه العالمي إلى مبدأ اللاعولمة وإغلاق الحدود، وانتهاج الاقتصاد الانعزالي القومي زادت المخاطر وزادت معها  تأثيرات حالة عدم اليقين، التي قد تؤثر في تأرجح  صناعة الصلب العالمية، والتي معها يتأرجح مستوى الطلب على المادة الخام حول العالم، ومع كل تأرجح في مستويات الطلب قد يكون هناك تأرجح وتذبذب في الأسعار بل إن التأثير قد يطال ما وراء الأسعار، فقد كثر الحديث خلال الفترة الأخيرة عن المفاوضات بين الصين والأربعة الكبار من أجل التوصل إلى آلية جديدة لتسعير خامات الحديد، كما زادت وتيرة التسوية بالعملة الصينية اليوان في عقود شراء خامات الحديد من البائعين الكبار عالميا،

هذه التطورات باتت تطرح بإلحاح البحث عن الجواب على السؤال أعلاه حول مستقبل أسعار خامات الحديد فى ظل جائحة كورونا ؟

 (1)

حجم الإنتاج والمعروض العالمي من المادة الخام

التقارير الصادرة عن الأربعة الكبار منتصف إبريل الجاري تؤكد أنه رغم تفشي الفيروس في جميع أنحاء العالم  إلا أن تأثيره على حجم  إنتاجها من خامات الحديد لا يزال  محدودا حتى الآن، حيث ذكر التقرير الصادر عن شركة بي اتش بي بيليتون (BHP Billiton) أن حجم إنتاجها للربع الأول من السنة الجارية بلغ 68.17 مليون طن، بزيادة 7 ٪  على أساس سنوي، كما ذكر التقرير أن هدف حجم الإنتاج السنوي للشركة بقي دون تغيير ما بين 273 - 286 مليون طن، وكذلك  ذكر تقرير شركة فورتيسك ميتالز (FMG) أن الشركة ستحافظ على هدف الإنتاج السنوي البالغ ما بين 170-175 مليون طن، أما التقرير الصادر عن شركة فالي (Vale) البرازيلية فقد أشار إلى أن حجم إنتاج الشركة خلال الربع الأول قد بلغ 59.6 مليون طن، بانخفاض قدره 18.2٪ على أساس سنوي، كما ذكر التقرير أن الشركة قامت بمراجعة حجم الإنتاج السنوي المستهدف بتخفيضه من مستوى ما بين 340– 355 مليون طن  إلى ما بين  310– 330 مليون طن، وقد سلكت شركة ريو تينتو (Rio Tinto) سلوكا مشابها بتخفيضها حجم إنتاجها السنوي المستهدف من ما بين 330– 343 مليون طن إلى 324– 334 مليون طن  في حين بلغ حجم إنتاجها للربع الأول 77.8 مليون طن بزيادة 2% على أساس سنوي.

أما بالنسبة للصين ووفقا للبيانات الصادرة عن المكتب الوطني الصيني للإحصاء فإن حجم إنتاجها من خام الحديد حتى نهاية مارس بلغ 187.9 مليون طن، بانخفاض قدره 0.1٪ على أساس سنوي، و إذا كان الوضع الوبائي ليس له تأثير كبير ملموس على عمليات الإنتاج خاصة لدى الأربعة الكبار، فالأمر يختلف مع عمليات التصدير،  إذ أن الوباء لا يؤثر فقط على إيقاع الشحن نظرا لعزل السفن لمدة 14 يوما بل يؤثر مباشرة على الموانئ، و قد تركز هذا  التأثير بشكل رئيسي في جنوب إفريقيا، وكندا، والهند، حيث تم إغلاق عدة موانئ مؤقتا، وهو ما سيؤثر على ما مجموعه حوالي 7.5 مليون طن وربما أكثر من إمدادات خام الحديد على المدى القصير، هذا بالإضافة إلى الإجراءات التي اتخذتها إيران نهاية مارس المنصرم، والتي قد تفضي إلى حظر تصدير خامات الحديد، وهو ما قد يؤثر على حوالي 10 مليون طن.

وعليه وفي ظل حجم الإنتاج العالمي المستهدف أعلاه  نتوقع أن ينخفض حجم الإنتاج العالمي السنوي، وبالتالي حجم المعروض بما بين  20 إلى 35 مليون طن، مما قد يساهم في تخفيف درجة تخمة العرض، وبالتالي دعم الأسعار خاصة في ظل استمرار انخفاض التصنيع، والطلب على المادة الخام.

(2)

حجم الطلب العالمي على المادة الخام

أدت العمليات والإجراءات المفروضة للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد إلى  إغلاق العديد من شركات الصلب في أوروبا، والولايات المتحدة، واليابان، وكورويا الجنوبية، حيث سجل إنتاج العالم من الصلب الخام خارج الصين أكبر انخفاض منذ ما يقرب عقد من الزمان، ووفقًا للبيانات الصادرة عن الرابطة العالمية للصلب بلغ الإنتاج العالمي من الصلب الخام في الربع الأول من العام الجاري  443 مليون طن، بانخفاض 1.4٪ على أساس سنوي موزعة على

315.2 مليون طن في آسيا بتراجع نسبته 0.3٪، و 38.3 مليون طن في الاتحاد الأوروبي بتراجع 10.0٪ ، و29.5 مليون طن في أمريكا الشمالية بتراجع قدره 4.0 ٪ مقارنة بالربع الأول من عام 2019.

أما إجمالي الإنتاج العالمي من الصلب لشهر مارس المنصرم فقد بلغ 147 مليون طن، بانخفاض 6.4٪ على أساس سنوي، وقد بلغ الإنتاج العالمي من الصلب خارج الصين 68.08 مليون طن، بانخفاض 11.89٪ على أساس سنوي ، وهو أكبر انخفاض منذ عام 2009، وقد تراجع الإنتاج لدى ثمانية  دول من أصل  العشرة الكبار المنتجين للصلب على رأسهم اليابان، والهند، وألمانيا، وإيطاليا بانخفاض على التوالي  13. 9 ٪ و 10.78 ٪ و 20.44 ٪   40.2 ٪على أساس سنوي.

إن استمرار الوضع الحالي لمدة شهرين أو أكثر سيفاقم من النقص الحاصل في إنتاج الصلب على المستوى العالمي،  وبشكل أساسي على مستوى أوروبا، واليابان، وكوريا الجنوبية، حيث أدى انتشار الوباء إلى توقف الإنتاج مؤقتا في بوهانج (Pohang) الكورية، ونيبون ستيل (Nippon Steel) اليابانية و جي إف إي (JFE Steel) اليابانية، وكذلك العملاق العالمي شركة آرسيلور ميتال  (ArcelorMittal) ، وإذا ما قارنا الوضع ﺑﺎﻷوﺿﺎع سنة 2009 بعد الأزمة المالية العالمية  يمكننا أن نتوقع حصول انخفاض في إنتاج الصلب الخام  بنسبة 15٪ في اليابان، وكوريا الجنوبية، وبنسبة 20٪ في الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني تقلص إجمالي إنتاجهم خلال العام الجاري بحوالي 35.79 مليون طن من الصلب، مما سيؤثر على 57.27 مليون طن من الطلب على المادة الخام.

 وإذا كان حال صناعة الصلب في أسواقها الكبرى الثلاث المزيد من الانهيار، وبالتالي المزيد من ضعف الطلب على المادة الخام، فإن الوضع قد يختلف مع من يتربع على عرش صناعة الصلب في العالم حيث تشير بيانات الرابطة العالمية للصلب إلى أن إنتاج الصين من الصلب الخام  خلال مارس المنصرم قد بلغ 79 مليون طن بتراجع طفيف بنسبة 1.7% على أساس سنوي، ومن المتوقع زيادة معدلات الإنتاج خلال المتبقي من السنة خاصة بعد إعلانها عن خطتها لإستثمار حوالي 1.2 تريليون يوان في البنية التحتية خلال العام الجاري، وهو ما يعني المزيد من الطلب على الصلب ومشتقاته، و ربما هذا ما حدا برابطة الحديد والصلب الصينية أن ترفع من توقعاتها حيال زيادة الطلب على المادة الخام في السوق الصيني خلال السنة الجارية  بحوالي ما بين 40 إلى 70 مليون طن، ويبدوا أن مصانع الصلب الصينية بدأت تستجيب لهذا الطلب، و تستعيد طاقتها، حيث بلغت نسبة تشغيل الأفران خلال إبريل الجاري 79% ، مقارنة بـ 73٪ في نفس الفترة من العام الماضي، وهذا ما يجعلنا نعتقد أن صناعة الصلب في الصين قد تشهد انتعاشا قويا خلال المتبقي من السنة إذا ما نجحت الصين في تجنب حدوث جولة ثانية من تفشي فيروس كورونا المستجد.

(3)

السيناريوهات المحتملة لمستقبل الأسعار

خلال مطلع مارس أعلنت الصين عن سيطرتها على الوباء في بؤرة تفشيه إقليم خوبي وعاصمته مدينة ووهان، وبادرت باتخاذ المزيد من الإجراءات لتسريع عودة المصانع  إلى العمل، وهذا ما عزز الطلب على المادة الخام، و رفع الأسعار من جديد إلى عتبة 90 دولارا للطن  خاصة أن هذا الطلب  تزامن مع نقص في الإمدادات من المصدرين الرئيسيين أستراليا، والبرازيل بفعل العوامل الجوية كالأمطار الغزيرة في جنوب شرق البرازيل، والأعاصير الإستوائية في أستراليا، حيث تشير بيانات Mysteel  إلى تراجع  إجمالي حجم شحنات البلدين للصين خلال الربع الأول من السنة الجارية  إلى حوالي 246.98 مليون طن، بانخفاض قدره 7.58 مليون طن، وهو أدنى مستوى موسمي منذ عام 2016.

استعادة الأسعار لمسارها التصاعدي في ظل هذه الأزمة يؤكد أن هذه السوق تعتمد على المتغيرات الاقتصادية،  وتحكمها قاعدة العرض والطلب إلى حد بعيد عكس سوق النفط الدولية التي تحكمها المتغيرات السياسية أكثر، كما   يطرح أكثر من سؤال حيال مستقبل هذه الأسعار التي بات تأثير عوامل عدم اليقين عليها يزداد يوما بعد يوم، ورغم ذلك لا يخفى علينا أن الوضع الوبائي ليس له تأثير كبير ملموس على عمليات الإنتاج خاصة في أستراليا أكبر المصدرين نظرا للدرجة العالية من تحقيق المكننة في مناجمها لكن الوضع يختلف مع صناعة الصلب المغذية للطلب على المادة الخام خاصة  في أسواقها الثلاثة الكبرى خارج الصين، وحسب الحالة الراهنة، والبيانات الاستقرائية للمستقبل المبينة أعلاه يبدوا أننا أمام أربعة سيناريوهات محتملة لمستقبل الأسعار سيلعب فيها مدى انتعاش صناعة الصلب في الصين، و مدى تقلصها في أوروبا، و اليابان، وكورويا الجنوبية  دورا محوريا مرجحا في ارتفاعها أو تقويضها، هذا بالإضافة إلى مدى انتشار الوباء مستقبلا في البرازيل،  وتأثير ذلك على حجم إنتاجها و صادراتها من المادة الخام، وكذلك مدى تطورات الحرب الكلامية المستعرة بين الصين وأستراليا حول من المتسبب في انتشار فيروس كورونا. فما هي هذه السيناريوهات الأربعة ؟

 

29. أبريل 2020 - 17:40

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا