سجال: مهلا أيها المُغرّدون خارج السرب / المهدي ولد أحمد طالب

يطمح الكثير من شبابنا هذه الأيام إلى تغيير صيغة نشيدنا الوطني بُغية مُسايرة واقع التغيير ورياح الربيع العربي التي هبت نسائمها على كل ما هو قديم .

نعم، التغيير سُنّة كونية ويطمح عقلاء كل أمة إلى التغيير من حالهم السيئ إلى ما هو أحسن منه في كل مجالات الحياة ، لكن حين تكون مطالب التغيير لكل من هبّ ودبّ يكون الأمر أقرب إلى الهستيريا الأخلاقية والفوضى الخلاقة من الحكمة والرزانة .

صحيح أن نشيدنا الوطني يدعو إلى التمسك بالإسلام ـــ بالمفهوم الحقيقي ـــ عقيدة ومنهجا ، سلوكا وأخلاقا ، ولعل بعض المطالبين بتغييره ينقمون على هذا المجتمع تمسكه الأزلي بهذا الدين ويرغبون في تحويله إلى قطعان بشرية لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا يسود فيها ويسيطر قانون الغابة وهيمنة الأسود والضباع البشرية .

قبل تغيير النشيد الوطني على المطالبين بذلك تغيير سلوكهم وأخلاقهم ، وتهذيب عاداتهم ومجتمعاتهم من درن الحقد والحسد والجشع المادي والسياسي بدل تغيير نشيد يجسد روح الفضيلة ويغرس ثوابت الدين والأخلاق .

قبل تغيير النشيد الوطني كذلك على المطالبين بذلك توحيد صفوفهم وتوحيد كلمتهم بدل زرع الفسيفساءات السياسية والتيارات الفكرية التي لا تنطلق من مبدأ ولا تتوقف عند قيم ولا توقر كبيرا ولا ترحم صغيرا .

زعم بعضهم أن هذا النشيد أقرب إلى الابتهالات والأدعية والأذكار من نشيد يزرع الوحدة والتنوع الثقافي والعرقي .

صحيح هذا وصحيح كذلك أن الدول العظمى كالولايات المتحدة وابريطانيا وفرنسا وغيرها من الدول التي قطعت شوطا في مجال الرقي الحضاري والإنساني لم تهتم شعوبهم يوما من الأيام بتغيير أناشيدهم الوطنية رغم بعد بعضها من أي طابع وطني .

فالنشيد البريطاني يدعو إلى التمسك بالملكة وأن يطيل الله عمرها لا غير وهذا مقتطف منه [فليحفظ الله ملكتنا المباركة ، فلتعش ملكتنا النبيلة حياة طويلة ، فليحفظ الله الملكة ] ولم يسمع عن أحد من البريطانيين أنه طالب يوما بتغيير صيغته ، تقديسا منهم للملكة وتمجيدا لملكها وعرشها ، بل يعتبرونه من الثوابت والمقدسات .

ثم لو افترضنا جدلا أن المتنبي أنشد قصيدة عصماء عجز البلغاء والفصحاء عن مجاراته فيها من أجل الجمهورية الإسلامية الموريتانية ماذا سنحقق ؟ هل ستتغير سلوكياتنا الخاطئة التي يشهد عليها القاصي والداني !

إننا للأسف شاعريتنا السياسية أصبحت تؤمن بالقافية الشعرية وبحرها أكثر من إيمانها بالمضمون الشعري ، وهذه المطالبة لا تعدو عن كونها زوبعة إعلامية وسياسية من أجل تحقيق مآرب ومكاسب سياسية لا غير !

صحيح أن أناشيد بعض الدول العربية تحمل حماسا شاعريا وعواطف جياشة كالجزائر وتونس ، وسبب حماسها هو صعوبة الفترة التي أنشدت فيها تلك الأناشيد ، كان الهدف منها هو إثارة الجماهير من أجل التضحية والفداء بغية التخلص من الاستعمار الفرنسي الغاشم .

لكن سرعان ما تحولت تلك العنتريات والعنجهيات إلى مخدّر خدّر تلك الشعوب إلى يومنا هذا ، ففرنسا أصبحت تتحكم في الجزائر وتونس أكثر من ذي قبل ، والقسَم بالدماء الزاكيات الطاهرات تحول إلى أيمان منكوثة كالتي نقضت غزلها .

ثم ما الذي يضمن لنا غدا عدم المطالبة بتغيير اسم الجمهورية الإسلامية الموريتانية ، وتغيير شعار الشرف والإخاء والعدالة ؟

على المغرّدين خارج السرب أن يعلموا أن الرياح تجري بما لا يشتهون ، وأن هناك الكثير من المسلكيات الخاطئة في السياسة والاقتصاد والتعليم والأخلاق تحتاج إلى تغيير قبل ترانيم بابا ولد الشيخ سيديا رحمه الله .

31. ديسمبر 2012 - 9:56

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا