يحمل شهر نوفمبر من كل سنة، رمزية خاصة، أنه شهر الإستقلال، ولكن كيف نعظم هذا الشهر العظيم، الذي نلنا فيه حريتنا عن الإستعمار، بالأشعار وحدها، أم بالعمل، أم بالكرنفالات ،خطب، مسيرات، ألعاب ومسابقات، ويدور الزمن، دورته...
كلما كان الشعب في غنى عن الآخر، كلما كان أكثر إستقلالا، وكلما ارتبط بالآخر في الغذاء والدواء والدفاع كلما كان أقل إستقلالية، خاصة في أوقات الأزمات والحروب والكوارث، فقد بلغت القلوب الحناجر ، لما عمت البلوى بسبب جائحة كورونا، ذلك أن الشعب الذي استقل عن فرنسا منذ ستون عاما، لم يستطع أن يستغني لا عن فرنسا الإمبريالية، ولا عن حتى عن دول الجوار في الغذاء والدواء ولا في أبسط مادة كمالية، ومن هنا يجب أن نفرق بين الإستقلال والإستغلال، ف إستغلال منتوج الآخر، والإعتماد عليه في كل شيء، ينم عجز وفشل و إختلالات بنيوية، تراكمية، كان من اللازم تجاوزها، والتغلب عليها في العشرية الأولى من عمر الدولة الوليدة، أما وأن تستمر تلك الإختلالات، وتتشعب في جو سياسي مشحون تارة بالأزمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية ، وتارة في ظل مناخ إقليمي مضطرب ، فإن الإستقلال يتحقق أكثر، عن الآخر، عن طريق القوة المادية، الى جانب قوة التماسك و الإنسجام الإجتماعي، فأين نحن- اليوم- من مشكلة المثاقفة، و أين نحن- اليوم- من مشكلة توفير الخضروات والفواكه والحبوب، وأين نحن- اليوم- من تموقعنا في محيطنا الإقليمي والدولي خاصة أننا على خط التماس في أكثر من منطقة ملتهبة منطقة الصحراء، والساحل اللتين تربطنا بهما مجموعة من العلائق الإجتماعية والثقافية؟
كان علينا، أن نعظم شهر الإستقلال، بالإستغناء عن الآخر في الأساسيات على الأقل، من المسؤول عن عجزنا، عن فشلنا، عن التباعد الإجتماعي، عن تفشي الفساد، المسؤول الأول هو الحكومات المتعاقبة، رؤساء البلد، نخبته، المنظومة المتحكمة في رسم خارطة المسار السياسي والإجتماعي والإقتصادي للبلد، وعليه، فلكل جواد كبوة، عاجلاً أو آجلاً،لابد من تصحيح المسار، ولابد للأكثرية من هذا الشعب، الكادح، المغلوب على أمره، أن يخرج من صلبه رجال رشداء، يعرفوا معنى التسيير المعقلن، والشفافية، ومحاربة الفساد، وتوزيع الثروة، والبرامج التنموية،ماكانت هناك معادن وثروات بحرية وأراضي زراعية،وعقول بشرية، وأطر أكفاء...
في الحكمامة الرشيدة، لا فرق بين دول صغيرة الحجم،مثل سنغفورة ورواندا وقطر ودول كبرى، سواء من ناحية المساحة أو من ناحية السكان، كالولايات المتحدة الأمريكية، و نيجيريا، و الصين و الكونغو و وليبيا والبرازيل، وحتى موريتانيا ...
أبرز المشاكل المعيقة للتنمية في بلاد الحديد والذهب والنحاس والزراعة والسمك والشعر، والمحاظر، هي مسألة الحكم، ففي الستون سنة هذه ، من 1960 حكم البلاد عشر رؤساء تقريبا،عسكريون بإستثناء اثنين وبالتالي فإن الإستقرار هو العامل الأول للتنمية، ولم تزدهر حضارة، ولم يقو شعب، إلا بالإستقرار،ومحاسبة المفسدين، لا شك أنكم تدركون أهمية الإستقرار، وأهمية الحكامة الرشيدة في صناعة النجاح والتقدم .
النجاح والتقدم لايمكن أن يتحققا في ظل وجود أيادي تهدم، في ظل وجود عقول لاتؤمن إلا بفلسفة التحصيل، في ظل تدوير المفسدين، من حين لآخر.
ليس بالأشعار وحدها تبنى الدول، لابد من التغلب على الأخطاء، وما أكثرها، ولا بد من تطهير الإدارة من كل المعوقات، عندها لا تحدث أزمة في الخضروات والفواكه والحبوب، لأنها ستنتج بالقدر الزائد على حاجة البلاد، ولن تحدث أزمة في السكر إذا تأخرت سفينة السكر عن موعدها، لأنه سيزرع هنا، وينتج هنا، وعندها لن تحدث أزمة في الزيوت إذا تأخرت سفينة الزيوت، لأن الزيوت ستصنع هنا، أما مشاكل البنى التحتية، في التعليم، والصحة والمواصلات والصرف الصحي والمياه والطاقة، فحدث ولا حرج،اللحظة هذه، إنقطعت الكهرباء- ديمست- وإنقطعت المياه قبل ذلك بليالي وأياما،في وقت تصدر فيه الكهرباء الى الدول المجاورة، وفي وقت تنقل فيه المياه للعاصمة عن طريق بحرين، نهر دائم الجريان، وبحيرة اترارزة الجوفية؟؟؟
نوفمبر..نرجو لك إطلالة أفضل من الإطلالات الأخرى، تكون فيها العاصمة نواكشوط، دبي إفريقيا، وروصو كاليفورنيا ، وازويرات فيلادلفيا، ونواذيبو سيدني، وأكجوجت ميونخ ،وكيفة اسطنبول...الإطلالة رقم 61سنة 2021 أملنا لا توجد حينها مدينة ،أو تجمع بلا ماء أو كهرباء، وأن تشيد شبكات الميترو، والطرق السيارة، تمرتن كل الضروريات،وتبنى الملاعب الكبيرة الحجم في العيون وكيهيدي وتجكجة وأطار عندها سيكون نوفمبر 2021 أكثر تخليدا من الذكريات الأخرى،وعندها سنكون قد ميزنا بين الإستقلال والإستغلال...