في اليابان مصحات قائمة بأطقم من الأطباء النفسيين يزاولون اختصاصات مختلفة. وتستقبل هذه العيادات المرضى المصابين بتداعيات النشاط الزائد في أدائهم المهني. ولسيت حالات المرض التي يتم تشخيصها من فرد لآخر بدنية مطلقا حيث الكل أصحاء الكبد والطحال والقلب وأجهزة النفس والهضم ويتمتع بسلامة كل أعضاء الهيكل العظمي المشمول بالحيوية وكامل الأداء. ولكن الخلل يتجلى في أن بعض طالبي العلاج لا يستطيعون الكف عن العمل والخلود إلى الراحة أكثر من بضعة أيام لا تتجاوز الأسبوعين، وإن كثرة الراحة والغياب عن الأداء البدني والعقلي هما سبب هذه الاضطرابات التي تصل حد الانتحار، وحالة الانتحار بـ"الهاراكيري" هي أيضا مما يتم العلاج عنه بسبب وقوع المرء في خطئ أخلاقي من غير المقبولة في السلوك الياباني ومساس بالكرامة، وأيضا بسبب رفض الفشل من أي نوع.
وتوجد عبر العالم مصحات "نفسية" أخرى متعددة الاختصاصات تمخضت عنها التطورات التي أحدثتها التحولات المستجدة التي حصلت على إثر التطور الهائل الذي سببه انتشار تطور العلم على نحو لم تشهده الإنسانية مثيلا من قبل. وتعالج هذه المصحات كثير أنواع الاختلالات النفسية التي تؤثر بسلبيتها على العلاقات البشرية وتولد انعكاسات ضارة على مسار السلوك العام المشترك لسكان البلدان حتى كادت تقيض بآثامها المسارات التنموية وتهز أركان الانضباط فيها و الانسجام.
وأما عند أهل بلاد "المليونيات"، فإن الحاجة ما زالت ماسة إلى معالجة اختلالات نفسية من الدرجة الأولى في سفر "الظلامية"؛ اختلالات لم تعد تعاني منها شعوب العالم المتنورة من حولنا وهي التي سجلت بلدانها نفسها في سجل مسار الدول الواعية بنهج المدنية الحديثة السامية والمنضبطة.
وإذ تعتبر في كل هذه المصحات أمراض القلوب من تلك الفصيلة التي قضي عليها بـ:
ـ التعليم،
- والحس الوطني الراقي،
ـ واعتبار العمل والإنتاج بوصلة السلوك إلى التوازن النفسي،
- والمشاركة العملية في الأداء ضمن الدور العام المشترك،
فإنها عندنا ما زالت تلك "المطية" الذلول المشتهاة للوصول إلى كل مأرب مدمرة للآخر ومفضية إلى تكريس "الأنا" المتضخمة و"الأنا" الضيقة، اللتان تبيحان لنفسيهما النهب و السرقة وتجاوز كل الممنوعات الشرعية والعرفية بلا وازع من دين أو ضمير أو أخلاق أو وطنية.
ولكن يبقى أشد مظاهر هذه الأعراض النفسية المزمنة و غياب العيادات الصارخ ـ من دون منازع ـ هو هذا الإصرار المرضي المفضوح، ولا ديك صارخ، وتلك القدرة الفائقة بكل وقاحة، في أرض "التناقضات الكبرى"، على التدثر زيفا بثوب التدين "المراوغ" بالإسلام الحنيف وبالتستر عبثا بمسطرة أخلاقية يحملها اثنان: شعر كاذب ونثر فاحش... إلا من رحم ربك.
وليس غياب المصحات بالأمر والأدهى من غياب "الأطباء"، فالبلاء يكاد يكون عاما والرضا بأحواله "جبلة" وقد أصلت له عقلية "السيبة" منذ زمن بعيد و شكلت له قوالب تديمه بكل صلف وفي كل الأحوال.