"قلب خطاب رئيس الجمهورية، في وادان، الطاولة على رؤوس أصحاب الاحتكارية الثقافية ثم أرخ، في استثنائية سيحفظها التاريخ تكريس قاعدة "أن الأمة هوية، والهوية ثقافة، والثقافة دين، ولسان، ووجدان".
من المعلوم بداهة أن الثقافة المجتمعية شبه غائبة عن حسابات واهتمامات القائمين على شأنها في بلاد "التناقضات الكبرى"، على الرغم من أنها وحدها التي تعكس ظروف وبيئة الشعوب، و"مجتمعية " لأنها تضم الإطار السلوكي كذلك والقيمي للمجتمع، وتشكل جزء من الثقافة المتراكمة داخل البلد مكانها الوحيد هو سلوكيات وأفكار الأفراد المنتمين له أو لأمة أو لحضارة، وهي بذلك تحمل في ثناياها الكثير من التراكمات المعرفية والنضج الراسخ عن طريق الأجيال بما يورثه الآباء للأبناء ويشمل في طبيعته السلوكيات السلبية والايجابية. و تبين "الثقافة المجتمعية " الارتباط القوي بين الثقافة والمجتمع لأنها تعبر عن تاريخ وتطور هذا المجتمع وتعكس النشاطات الموجودة فيها لتعبر عن إدراك الفرد و المجتمع للعلوم و المعرفة في شتى مجالات الحياة .
إلا أن هناك طرقا تستطيع الدولة أن تبني على أساسها "ثقافة" رصينة ومتماسكة قادرة على مواجهة التدخلات الوافدة عليها أو الشاذة عنها. ومن المؤكد أن التعليم على رأس هذه الطرق متمثلا في المؤسسات التعليمية والمراكز الاجتماعية والحلقات السياسية والمعايشة داخل المؤسسات المختلطة من كل إثنيات ومكونات وشرائح المجتمع.
والثقافة من هذا المنطلق فعل، الخطاب من عناصر قيامه، وليست الثقافة خطابا غوغائيا لا يستغني عن "الفعل.
وعليه فإن الثقافة لا تدرك بـ:
ـ الارتجال المتهور،
ـ والمجاملات السوقية أو المبتذلة،
ـ والقوالب الرجعية،
ولا كذلك بـ:
ـ سرقة الأفكار دون حياء،
ـ وإعادة تدوير منتج الغير، على غير ما هدى التحيين ثم سوء تطبيقه دون الاكتراث لمخلفات ذلك السلبية، الضارة المفضية إلى التكريس المخل علميا وسلوكيا وثقافيا بالنتيجة على منظومة البلد التربوية التي تسعى لبناء النفوس السوية الواثقة المبدعة وتأمين استمرارية المسار القويم.
على الرغم من الإدراك العميق لدى رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، لأهمية العودة إلى رحاب المدرسة الجمهورية وما تمخض عنه من وعد بتحقيق ذلك ضمنه برنامجه الانتخابي، وعلى الرغم كذلك من التعليمات النيرة، التي أطلقها تجسيدا لهذا الوعد في مقاطعة "امبود" بولاية "كوكول"، للشروع العملي في وضع وتطبيق سياسة "إعادة الاعتبار" عمليا لهذه المدرسة، فإن استمرار هيمنة "المدارس الخصوصية"، لفائدة أهل الدخل المكين والمجتمع "المخملي" بالمال العام، مازال يحول دون تكريس هذا الهدف النبيل ويلقي بقوة ظلاله الحاجبة عن رؤية المستقبل "الموعود" لعدالة التعليم الموحد.
وأما عن "الثقافة" التي وضعها كذلك رئيس الجمهورية في أولوياته وتحدث عنها في عديدة المناسبات مشددا على ضرورة إحياء جميع قنواتها وتصحيح مساراتها التائهة بتنقيتها من كل مثالب الجمود التي تعيقها، فإن "قوى الاستفراد" على خلفيات ماضوية احتكارية، ما زالت مهيمنة على مشهدها الباهت ومبقية عمدا على نضوب حقلها من المنتج المشرق لحاجات لا تخفى على حداثي. وليس مهرجان "وادان" ببعيد ونسخته التي حضرها ذات القوم.
ولولا خطاب رئيس الجمهورية الذي قلب على احتكاريتهم الطاولة وأرخ، في استثنائية سيحفظها التاريخ له وقد أضل لقاعدة أن الأمة هوية، والهوية ثقافة، والثقافة دين، ولسان، ووجدان مؤكدا على:
ـ حتمية المراجعة الجذرية لكل مفاهيم الثقافة التي أصبحت ملحة،
ـ قراءة منصفة للإرث التاريخي،
ـ استحداث لمسار يغير النهج ويخدم الأمة بكل تشكلاتها،
لكانت النسخة "الودانية" استمرارا للجمود في رجعية التعاطي مع التاريخ لب العطاء الثقافي والأساس المتين الذي تقوم عليه الأمم وتبني الحاضر تشق بثبات طريق المستقبل.
ولا يمكن فصل معاناة ثلاثي التعليم والثقافة والإعلام، روافع ثلاثي التأسيس والبناء والاستمرارية، عن غياب "استراتيجيات" تعليمية وثقافية وإعلامية متكاملة، واضحة المعالم ومحددة الأهداف لمحاربة أسباب:
ـ خور المنهجية التعليمية،
ـ وغياب دور الإعلام اللا مهني،
ـ والضعف الصارخ لأركان الثقافة وغياب أدائها المحوري التي يستمد وقوده الحيوي و"التبليغي" من مخرجات التعليم الصحيح الذي هو عصب بناء الأمة الرافعة الأولى لصرح التشييد وضامن شيوع العدل وتحقيق الاستفادة الحمالة من ثراء التنوع الثقافي والموروث التاريخي والعلمي المؤديين به إلى غاية تحقيق ضمان السلم وبسط الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار.