كان الناس من ترشحه فسطاطان ، أحدهما يراه استمرارا لحكم سلفه ، و أمانا لامتيازات أنصاره ، و تأمين لبقاء نمط ممارسة السلطة السائد في فترته، و مرحلة انتقالة لعودته .
و فسطاط آخر يرى فيه تغييرا من داخل النظام ، يحتفظ بما هو إيجابي و يقوم الاختلالات و يحسن من الأداء .
كان على الغزواني أن يأخذ السلطة بصورة فعلية و مقنعة ، و أن يعمل بحكمة على التفكيك المضطرد لأدوات سلفه بطريقة تضمن عدم المواجهة ، و تبرهن من جهة ثانية على القطيعة مع الماضي دون إحداث مواجهة ، و البرهان على إحداث تحول في طريقة ممارسة السلطة يلمس شغاف قلوب الطامحين للتغيير ..
خرج الغزواني من معركة المرجعية منتصرا ، كما أن فتح ملف الفساد و رفع المظالم و عدم تنكره للرؤساء السابقين و تعاطيه الإيحابي مع الأحزاب المعارضة و الحركات الحقوقية ، و ممارسته سياسة هادئة ذات مسحة أخلاقية ، كلها أعطته دفعا و قبولا عند الرأي العام
بدا لأول وهلة أن الجناح السياسي المتمثل في الحزب الحاكم قد وجد نفسه في حالة ارتباك ، فقد غابت النمطية المعروفة في التثمين و التطبيل و مواجهة المعارضة بالتصريحات النارية ، و لم تعد الحشود و الجموع في استقبال الرئيس و وزراء الحكومة بذات الألق و الأهمية ، و غابت الرؤية السياسية المتبصرة و المواكبة الإعلامية المقنعة لما تقوم به الحكومة ، في ظل سيطرة الأوجه القديمة الممجوجة في الحركات الإيدولوجية و تهميش دور الشباب و الكوادر ذات الانتماء الوطني الصرف .
و في ظل الضعف الكبير للحزب و ماكنته الإعلامية ، نجحت الأيادي الخفية التي تستهدف النظام في الكثير من هجماتها الإعلامية و شائعاتها ، فقد روجت لانعدام الأمان مستغلة بعض المظاهر التي وقعت فنشرت الرعب بين المواطنين ، و استغلت ارتفاع بعض المواد الغذائية على المستوى العالمي لإقناع الرأي العام بغلاء المعيشة و ضعف الأدائي الحكومي في هذا المجال ، رغم الجهود الكبيرة و العلنية في برامج "تآزر" و قطاعات أخرى .
كما أن الوهن في أداء الحزب و عدم مواكبته لمحاربة الفساد ، جعلته يظهر و كأنه ضد العملية ، لقلة التصريحات و ضعفها حول الموضوع ، و احتفاظه بالأوجه المشمولة داخل قيادته ، مما شكك المواطنين في جدية متابعة ملف الفساد .
و قد استطاعت المكانة الإعلامية المستهدفة للنظام أن ترفع في كل مرة سقف التوقعات في كل الأحداث المتنظرة ، كتغيير الحكومة و تغييرات الحزب و البرامج المنجزة ، كي تكون النتائج مخيبة الآمال .
تركت العشرية لغزواني تركة سياسية ثقيلة ، و لم يتوفر على الوقت اللازم لتغييرها أو مسح الطاولة بها ، فالجناح السياسي المتمثل في الحزب، بنوابه و جهازه التنفيذي كله من نتاج العشرية ، و القادة و الأشخاص الفاعلون هم قادة العشرية و فاعلوها ، فاتخذ النظام منهم موقفا متوازنا ، فليس من المصلحة رميهم في القمامة، لأن ذلك يفسر بالقطيعة المطلقة وتصفية الحسابات، و حيازتهم مستحيلة لأنها تعني الاستمرار على النهج، ولذلك، فهو يعالج الموضوع بهذا بلعب ورقة "لا حيازة له و لا ترك " ، و هو ما يراه الرأي العام ضعفا أو تماهيا.
تراوح الأداء الحكومي بين المتوسط و الضعيف ، ففي حين ظهرت معالجات جدية لمشكل التفاوت الاقتصادي ذي التأثير الاجتماعي في برامج "تآزر" ، و ظهر أداء مقبول في مجال الإسكان و التجهيز و الصحة والتعليم ، و أما المجال الثقافي و التعدين و الصيد و الزراعة و البيطرة فلم تشهد أي تحسن يذكر ..
يقال إن الرئيس الغزواني يستمع أكثر مما يتكلم مع محاوريه ، كما أنه عادة يترك للمسؤول الحرية التامة لتنفيذ المهام الموكلة إليه ، و أنه يحاول دائما أن يحافظ على المكلفين بهام لديه ما دام ذلك ممكنا ، لكنه متابع جيد و دقيق ، و يعطي ملاحظة شديدة الدقة في بعض الأحيان ، و قد أظهر مرات عدم رضاه من الأداء الحكومي ، لكن ذلك لم يصل لحد إقالة الحكومة ، و أظهر عدم رضاه عن رئيس الحزب عدة مرة ، منها ما نقل عن استغرابه من رئيس الحزب أن يطلب تعيينه في مفوضية استثمار نهر السينغال ، بحثا عن مصالح خاصة ، و هو المكلف بالملف السياسي للسلطة الحاكمة مما اعتبره عدم انشغال بالمسؤولية الموكلة له . و منها أن رئيس الحزب يعتبر أن الحوار مع المعارضة ستقوي الحزب ، في حين أنه لم يسع حلحة الصراعات المحلية التي ستصب في صالح المعارضة ، في ظل عدم تدخل النظام لصالح الحزب ، و رغم ذلك كله ففد احتفظ به.
في اعتقادي أن على الرئيس غزواني أن ينتبه لأمرين أساسيين :
- أولهما : حاجة البلد لعمل سريع يوفر المواد الاستهلاكية الأساسية بأسعار مقبولة ، و حاجته للتوجه للانتاج الزراعي و تصنيع الانتاج الحيواني ، و مراجعة برامج التعليم و لغة التدريس و المستوى المعيشي للموظفين .
- و ثانيهما : إحداث قطيعة مع النظام السابق بمسح الطاولة بكل تجلياته السياسية و الانتخابية و التنفيذية، و إحداث ثورة اجتماعية تقضي على الشروخ بين فئات المجتمع ، و الابتعاد عن سياسة المحاصصة السياسية و الاعتراف بالتفرقة ، بل بالقيام بتمييز إيجابي في مجال التعليم و توزيع خدمات التنمية و البرامج الاقتصادية و التنموية .
لا زالت الآمال كبيرة في النظام ، و لا زال أغلب الموريتانيين يعتقدون أن الرئيس غزواني رائد تغيير ، لكن بطء العجلة أصاب بعضهم بخيبة أمل جعلتم يصفون نظامه باسمرارية النهج و ضعف الأداء ..