أجمل ما في خطاب مدريد، هو أن أصبح للفقر أنصار، من نخبة، النخبة ، ومن المفارقات أن هؤلاء الصفوة، من المتأدلجين، من الشرق، والغرب، وأولئك الذين جاهدوا، ،وتغنوا، بثراء موريتانيا، خلال العشرية، بيد أن سوء التسيير، والفساد الإداري الذي عشش في دهاليز الإدارة، هو سبب فقر، وتعاسة شعب الله، المغلوب على أمره ،خطاب مدريد فيه آيات لملايين الحفاة، العراة، الذين غر بهم بعد سنوات من الجدب، وطول الإنتظار كانت الحصيلة، مخيبة في مدريد، وفي قصر المؤتمرات:
موريتانيا بلد فقير، ينهكه المرض، حقيقة لا تخفى على زائر، عابر سبيل، أو مقيم، ولد وترعرع في بلد تتفجر أرضه، بكنوز الثراء، النادرة، الذهب والحديد والنحاس والفوسفات ولكوارتز، والسمك والأنعام، والأراضي الصالحة للزراعة، إلا أن المرض الذي أنهك البلد، هو مرض النخبة التي لم تشبع من أكل المال العام، وبالتالي فإن الرفاه لن يتحقق، بوجود نخبة إبداعاتها، وفلسفاتها لذاتها، ولمحيطها الضيق، أكثر من إعطاء الأولوية لمايمكث في الأرض، وينفع ملايين التعساء، والمرضى، المفقرون، لذا، نجم عن ذلك كله، تكريس سبل التعثر والبقاء خلف الركب...
بعد خطاب مدريد، جاء خطاب القصر،إنه خطاب الكشف عن الحقائق، وكواليس إدارة ينخرها الفساد، ويكبلها العجز، وهذه سابقة من نوعها، ولكن، لن يكون لها طعم، إلا إذا تم التخلص منها ،والتخلص منها هو السبيل الأوحد، لتطبيق برنامج أعلن صاحبه أمام الله، وأمام الشعب، وأمام العالم، أنه خبير بمفاصل الدولة، والمدرسة الأخلاقية التي تربى فيها، ونشأ، علمته- معنى- العهد.
المواد التي ذكر العزيز، الفقر والجهل والمرض والعطش والظلام والمعاناة في خطاب مدريد، ثم عززها، بعجز إدارته،في خطاب قصر المؤتمرات، إضافة الى ماورد في تقرير محكمة الحسابات عن فساد منقطع النظير خلال جائحةكورونا،من صفات الدولة الفاشلة حسب بعض التفاسير، لنظرية، نعومين تشوميسكي. انطلاقا من سرد سلسلة الأمراض، والإختلالات بصفة استاتيكية، وبكم هائل من المعوقات القديمة ، في المجالات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، وقد جاء خطابي الإستقلال وودان عن الإنصاف،قبل هذا، والحقيقة أن الغالبية العظمى من الشعب ،وخاصة أولئك الذين ظلمهم التاريخ، وهمشتهم الأنظمة السابقة، ازدادت معاناتهم، وغبنهم أكثر، و لم يلاحظوا ،مايقرب الهوة بين الأعراق حيث الشيجرة الإجتماعية القائمة على السلم التقليدي هي سيدة الموقف، وقد جاء حديث وادان في ظل خصومة شديدة بين لمعلمين والشرفه، عادت بناء الى عشرات السنوات الضوئية خلف الركب ،وهذا سببه ،الدور المحوري للمشيخة في الحضور السياسي .
الفرص لا تعوض خاصة نعمة الإستقرار، فكثرة المعاناة، تخلق أشكال متنوعة من السلوكيات، و الأنماط المدنية ذات المطالب العامة والخصوصية ذات البعد الطائفي والجهوي أحيانا أخرى ، كما وقع في جنوب السودان، فهذه الأخيرة لم يكن الإستقلال هدفها عن الوطن الأم، لكن، النظام المركزي، تفنن في قمع سكان الجنوب ونهب ثرواتهم وتغريب الآلاف منهم،وأدت هذه التراكمات التي تسميها، نخبة لخيام" التركة الثقيلة " الى رفع المحرومين سقف مطالبهم الى الإستقلال، عن الدولة الأم، السودان، وعليه فالنار تبدأ ب...عقاب، ثم تكبر شيئًا فشيئا حتى يتولد الحريق، في موريتانيا كان أهل الجنوب وحدهم من يطالبون بإستقلال ذاتي، ومنذ بعض الوقت أصبحت أصوات من أهل الشمال ،تطالب بإستقلالية أهل الشمال، وهذا سببه الغبن والإقصاء والضعف والتهميش والغبن والمحسوبية والقبلية المستشرية والجهوية مما ولد إمبراطورية من الأثرياء قليلة العدد، فخربت الوطن، ولم تأخذ الدروس، والعبر من الأنظمة الشمولية التي عصفت بها، ثورات لم تبق على أي دكتاتور .
وفي ظل مناخ دولي صعب، من ناحية الركود الإقتصادي،ومن ناحية الأمن، ترقص النخبة المتمكنة على ألحان العجز والفساد والشرائحية والغبن والمحسوبية والديون التي بلغت عنان السماء، متناسية ،أن هذه الألحان الحزينة، لم يعقبها إلا الإفلاس، لأن العطايا التي نهضت بها دول لا تملك ثروات، عبث بها آخرين، الى جانب عبثهم بعائدات المعادن والصيد والمحاصيل الضريبية،ولكم في فضائح جائحة كورونا، و960سيارة، مفقودة، و فضيحة البنك المركزي، وسوماكاز، و العقارات، عبرة...
لن نقبل بأننا فقراء، ولكن، نقبل، بأننا مفقرون، مغبونين، ومهمشين، وسيضحك أخيرا، من يبكي كثيرا...
أرفع قبعتي لتلك الوزيرة السابقة التي قدمت استقالتها، فقد نصفتها الأيام السود...من لم يستطع، أن يقوم بعمله، فليقدم استقالته، لكن، المشكلة من سيخلفه، وماهي قيمة الإستقالة إذا كان الخلف أكثر اسودادا من السلف .