تستعد بلادنا للدخول في مرحلة إنتاج الغاز، حيث سيصبح ريعه أهم مورد للخزينة العمومية، ولا شك أننا أمام تحديات جسام، تفرض علينا إدارة تلك المرحلة بشكل يُحقق النمو والرفاه ويُجنبنا المخاطر التي غالبا ما تنجم عن سوء إدارة الموارد الطبيعية، وبالأخص النفط والغاز.
لا يبدو ان الحكومة الموريتانية تتعامل بالشكل المطلوب مع تحديات استغلال ثروة الغاز، فمن المفترض في مثل هذه الحالات ان تلجأ الحكومات لإطلاق حوار وطني شامل لوضع الخطوط العريضة لتدبير الثروة، تشارك فيه كل القوي الحية في المجتمع، سعيا للاستفادة القصوى من الفرص المتاحة وتقليل المخاطر المترتبة على الثروة.
ان هذه الثروات الغير مستدامة وذات الريوع شديدة التذبذب تعد بيئة خصبة لانتشار الفساد، كما انها قد تحمل تحديات جسام فيما يتعلق بالتوزيع العادل لها بين فئات المجتمع واجياله، ولا تعد الحكومات عادة مؤتمنة بشكل كامل على تدبيرها، لذلك من مصلحة الجميع ان تدار في إطار عقد مجتمعي شامل.
تشير اهم الدروس والعبر المكتسبة من تجارب العالم بان تدبير هذه الثروات يعني ببساطة الفرق بين النعمة والنقمة، وهذا ما يدفع الحكومات الرشيدة الي طلب مشورة المجتمع لصياغة خطة التدبير المبنية على المكاشفة والشفافية وخصوصية الثروة كالنضوب والتذبذب والتحديات البيئية والعدالة في التوزيع.
ان من اهم المؤشرات على غياب استراتيجية تضمن حسن تدبير تلك الريوع المتوقعة:
• عدم وجود استراتيجية وطنية لتعزيز المحتوي المحلي، وهو حجر الزاوية في استغلال هذا النوع من الموارد؛
• قلة الشفافية وندرة المعلومات وتضاربها حول الريوع المتوقعة، فالمجتمع صاحب تلك الموارد مغيب، وهذا قد يزيد من المطالبات الاجتماعية الغير مبررة ،كما انه قد يفتح الباب امام الاسراف وسوء التسيير ؛
• لا توجد ضمانات حقيقية تكفل حق الأجيال القادمة في تلك الريوع او في حفظ بيئة سليمة لها كفيلة بان تضمن الحق في النمو والازدهار؛
• لا توجد ضوابط تكبح وتنظم وتحدد نسب إنفاق تلك الريوع وهذا من اهم الأخطاء الواجب تجنبها؛
• لا توجد ضمانات حقيقية لتجنب البلد للمخاطر المعروفة في مثل هذه الحالات (لعنة الموارد ،المرض الهولندي. الخ) او خطط للاستفادة من الدروس والعبر المكتسبة من تجارب العالم في مجال استخراج الغاز.
يعد الحوار المرتقب فرصة حقيقية لتدارك الأخطاء بشرط توسيع قاعدته، لوضع استراتيجية شاملة لتدبير موارد الصناعات الاستخراجية عامة والغاز بشكل خاص، بما يضمن المشاركة الحقيقية للمجتمع، الأمر الذي سيقلل من المطالبات الاجتماعية ويوسع قاعدة تحمل المسؤولية، ويحرر الحكومة وينير طريقها.