اعادت بنا أجواء البكالوريا، الى نقطة البداية، إشكالية فن المسرح، في بلاد لاتفقه، من الفنون إلا فن الشعر ،حتى سميت بلاد المليون شاعر،وهذا الكم الكبير، من الشعراء، يعادل سكان دولة في العالم، مايعني أن فن المسرح، سيظل خارج الذوق العام وهذه معضلة كبرى.
وقد تجلى غياب المسرح في الذاكرة الجمعوية، في مجال النضال ضد المستعمر، وضد الأنظمة الشمولية، خلافا لواقع الحركة الأدبية في الشرق وفي إفريقيا جنوب الصحراء.
ولعل غياب المسرح، وقلة فعاليات الميادين الثقافية هو ما أخر نضج المجتمع فظلت التراتبية عائقا أمام أي تقدم في المجال السوسيو إجتماعتي.
لجأ الأدباء الى المسرح لإشباع رغباتهم في التعبير عن هموم المجتمع بصفة غير مباشرة،خوفا من جشع السلاطين عبر التاريخ، بعضهم استخدم حياة من قبلنا، وأسقطها على واقع بيئته،مثل توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ووالتر سكوث، وأضرابهم في مرحلة ما،وبعضهم لجأ الى الطبيعة متخذا من رموزها مأوى، وهذه صور فنية بالغة الجمال، وبالتالي فإن فن المسرح طغى على الحركة الأدبية مطلع القرن الثامن عشر، ، وقد عكس مشاكل المواطن، والحلول اللازمة، عن طريق الجدلية القائمة بين الحاكم والمحكوم ،وما يجب أن يكون، حيث كان للمدارس الفكرية مخاضات و أدوار مهمة، إما الإلتزام بالموروث القديم، أو التحرر من عقدة التراث،وقد كان للفلسفات حضورها، في هذا السياق...
يجب على وزارة التربية أن تدخل المسرح في المناهج الدراسية، فالدول يكتب الفن تاريخها و ينقل حضارتها وقيمها الى كل بقاع الأرض،خاصة إذا علمنا أن الشعر انهزم في حلبة الفنون الجميلة، بفعل الحضارة والذوق العام،و عليه فإن كل الثورات التي غيرت مجرى التاريخ، سجلت في مخيلات الأدباء ،ودونوها في قصص وروايات في الكتب قبل أن يحمل ساسة ألويتها، كما هو الحال مع رواية كوخ العم توم، للروائية،هاريت بيترسو، سنة 1852م التي تعالج العدالة الإجتماعية، والمساواة، ومحاربة الإسترقاق، والغبن،التي في الولايات المتحدة الأمريكية ،حيث لا قت، إنتشارا سريعا، في الأوساط الشعبية ،عندها قاد،المناضل الأمريكي، الأسود مارتن لوثر كينغ،شعار التحرر...
الحقيقة أن فن المسرح مازال في طور النشء، ولم يقدر بعد على المنافسة دوليا، وما يوجد من أعمال يمكن أن تدرج في خانة المسرح خاصة في شهر رمضان المبارك لايعدو كونه مجرد هواة تنقصهم الخبرة والتكوين والأدوات اللوجستية من صناعة للديكورات الى التسويق والإبداع والمنافسة طالما أن العالم أصبح أسرة واحدة ،لذا الجودة أداة قاهرة للآخر، مما جعل قنواتنا، تقتات على المنتج الأجنبي في المسلسلات التاريخية والمعاصرة، وهذا يعطي قوة للآخر لأنه استطاع أن ينقل حياته وماتعلق به من قيم الى أبعد الحدود.
رحم الله الوالد همام فال فقد زرع بذورا في هذا المضمار عن طريق فرقة كيكوطة بيد أن الموت المبكر حال دون تطوير قسم المسرح الذي أثر كثيرا في الحياة اليومية وتفاعل معه الناس فكانت كل حلقة بمثابة وصفة طبية لمرض خطير ودواء شافي سريعة الفاعلية،وكانت كل حلقة هي حديث الناس في مجالس الشاي،والأسواق وسيارات الأجرة والأماكن العامة و في مكاتب الإدارات...
فكما أنشأت مدرسة للسياحة حديثا بعد مرور ال60سنة على الإستقلال، وعقودا على رحيل الأب المؤسس للمسرح الشعبي والكشافة همام فال رحمه الله، يجب الإسراع في إنشاء أكاديمية للفنون الجميلة،فالحياة تفرض التغيير والتطور ومسايرة قوافل الصعود الى القمم.
إن جمع مالم يجتمع سابقا عن طريق وسائل التكنولوجيا ليس إلا تصورات خاضها أعلام واسعو الخيال فحولوا الصور الوهمياتية الى واقع ملموس ...