لا أريد أن أكون وزيرا / محمد افو

من الجيد أن تجد اتصالا من مديرك وانت تتفحص هاتفك لحظة انتزاع نفسك من فراشك.
رؤية اتصال كهذا تمنحك بعض النشاط الفوري وتقطع الطريق على خمولك المعتاد و على تساؤلاتك العقلانية جدا عن جدوى خروجك للعمل في ذلك اليوم.
ربما تتصل بمديرك وانت قريب من مقر عملك لا لشيء غير ما منحك اتصاله " الفائت" من طاقة واندفاع.

ولا شك أن مديرك يعاني من ذات الإشكالية النفسية في علاقته مع مديره أو وزيره.

لكن الفئة الطيبة التي تعاني من هذه الظاهرة النفسية العنيفة، تمتلك كامل وقتها المسائي دون توقعات سيئة، كما أن المدير لا يتصل كل يوم وبالتالي يتمدد عمر الراحة في ثنايا أعمار الموظفين.

لا أتمنى أن أفيق من واقع نفسي كهذا على كابوس تعييني وزيرا.
فسيكون على أن أعمل من السابعة صباحا لأن اتصال الوزير الأول أو رئيس الجمهورية أو مدير الديوان لن يكون مجرد منشط صباحي لضربات القلب وكهربة الأعصاب.

فالعمل تحت الإمرة المباشرة لرئيس الدولة، يجعل استواء الضغط  مساوٍ في خطورته لارتفاعه وانخفاضه.
وبالطبع لن يهتم أقاربي وأصدقائي لمحنة كتلك، فبالنسبة لهم لا شيء أهم من التوزير حتى صحة وسواء الوزير.
بالطبع  سيكون راتبي من الآن مكشوفا أمام استراتيجيات الأطماع و " الطماع" بما في ذلك زوجتي التي عرفت مقدار راتبي من المواقع الإلكترونية.
وسأجد أن شهادتي العليا ومسيرتي العلمية والمهنية المضنيتين تحت مجهر ومتناول كل الفاشلين دراسيا وعمليا، فلا أحد يمكنه تقييم علمك أكثر من الجاهل ولا أدائك العملي أكثر من الفاشلين.

بالطبع سيكون علي أن أهجر الحي السكني الذي تتوفر فيه مدارس منخضة الأجور، و يعرفني فيه ذلك الرجل البائس الذي يحدثني كل نهاية شهر مظهرا اهتمامه  بصحتي وأحوال عائلتي  ، بينما هو في الواقع يذكرني بديون بقالته المدونة على عاتقي بدقة متناهية.

كما أن بيتي في ذلك الحي غير مصمم أصلا ليكون به بواب يقوم لفرز الزوار ويكذب في اليوم ألف كذبة عن مكان تواجدي.
كما أنه ( أي البيت) ليست لديه مداخل سرية ولا خلفية وبهذا لن يكون لائقا بعد الآن.
أنا بالطبع مدرك لكون هجرتي لذلك الحي وتلك الوجوه والشخوص البائسة، سيكون نهائيا لأنني في بلد يتمسك ساسته بمواقعهم وتدار أسماؤهم في المواقع السامية كما تدار الأحجار في ديار " كرور" ( يرحلون من دار إلى أخرى وحين يخرجون تتم إعادتهم في " لعبة جديدة").

وفي هذه الحال سيكون مصطلح " الدوام " في مخيلتي ليس سيئا كما هو في مخيلتكم، لأنه قد يعني الخروج للعمل في ساعة محددة وقد يعني "دوام الحال" ، والمقامات تحدد المآلات كما تعلمون.

بالطبع سأستقبل الكثير من " انحاير" قبل الخروج من الحي القديم.
وتلك شهادة بأن الوزير حين يرحل ترحل خلفه متاعبه.
فالبعرة أمام البيت القديم تدل على آكل البعير في البيت الجديد والناس لا تدفع أموالها ابتغاء وجه الله.

سيكون على توفير وظائف بعدد "انحاير" أمام الدار، وسيكون علي تقسيم راتبي بشكل عادل على الصحافة الذين أذاقوا سلفي ويلات السوء، وإذا لم يكفهم فستدور دائرة السوْء علي  وعلى مدير الديوان والوزير الأول والرئيس  .

أبناء عمومتي فرحون جدا بهذا التعيين ولديهم عدد كبير من حملة الشهادات والمرضى والتجار والساسة.

وبالطبع لا تكفيهم الوزارة التي يعتقدون أنني من يختار موظفيها وسماسرتها.
فهم لا يعلمون شيئا عن توصيات سلفي وتوضيحاته بخصوص الموظفين والسماسرة ومن أتى بهم ومن اتصل بشأنهم.

لا زلت  في مأزق الأسبوع الأول، فداري الجديدة أثثها " فورنسير" الوزارة، وراتبي بالكاد يكفي لحماية سمعتي من الصحافة المتنمرة، و لا يمكنني تغيير الموظفين أو السماسرة.

ومدير الديوان والوزير الأول على الهاتف دائما.
وأمامي أكوام من الملفات هربت جميعا من داهليز إداراتي ومصالحها الفاسدة وغير المؤهلة وعلي القيام بدور الوزير والمدير ورئيس المصلحة، حتى الفراش لابد أن أشرف جيدا على خلطته للشاي لتوافق ذوقي وتنعش مزاجي في هذه الظرفية الصعبة.

هل تعتقدون أني حين أنغمس في تلك الملفات المعقدة ومتابعة الصحف والمدونين واتصالات زوجتي وابنائي وإخوتي واساتذتي وأبناء عمومتي وأصدقائي والرد على رسائل الوجهاء ورجال الأعمال وقادة الحزب الحاكم والأمين العام ووزير المالية والناطق الرسمي باسم الحكومة والوزير الأول والنواب، وحين أرجع من الجوالات التفقدية وأرد الجواب لكافة المنظمات والحكومات الشريكة.
هل تعتقدون أني سأذهب للبيت لأخذ قسط من الراحة؟
أنتم لا تعرفون شيئا عن صديقي الذي يهتم هذه الأيام لممازحتي وتذكري بالصحبة التي بلا أسوار.
إنه ينتظرني في البيت ليقول لي " لصحاب انت شاك ان لهروب يسلك؟"
وبالطبع هناك إخوة زوجتي وأبناء خالتها واخوالها، وفي الغرفة المجاورة يوجد خلق يعرفني ولا أعرفه ويتذكرني ولا أتذكره، ولكل واحد منهم موقف سيذكرني به لتحفيز الذاكرة والتبسم في وجهه.
وفي كل يوم هناك خلق خفيف الظل ثقيل الكيان جاء وترك رسالة وملفا وطلبا ملحا.

في غرفة نومي دخلت وكالات الأنباء العائلية، فأختي صورت السرير وطاولة الزينة لبنت خالتي لتثبت لها نظريتها العتيقة في فساد ذوق زوجتي.
وأخت زوجتي صورت مقطعا لبنات خالتها لتثبت النظرية المعاكسة وتنقل كل الآراء المتحيزة عن غلاء وجمال ونوعية سرير نومي ودولاب ملابسي.

وفي ظروف قاسية كهذه يتولى رجال أعمال العائلة توفير الضيافة الفاخرة ظنا منهم بأن الخزينة العامة فتحت نافذة للعائلة يلج منها كل ذي رحم أبان ودا.

لن يكون بمقدوري أن أصرف كل هذه المصاريف من راتبي الذي يعلمه القاصي والداني.

فالأثاث كلف ما يعادل راتبي سنة كاملة  لأن " فورنسير" حاز السبق بشرائه دون مناقصة وحسب عادته.
والدار من طابقين كبيرين مليئة طوال الوقت من كل الناس وهناك جيش من العمال الجدد، ، ومدير الديوان والوزير الأول على الهاتف.

يحدث هذا وكل مدوني الخارج يحتفلون بكل فضائحي دون أبسط لفتة إنسانية عن ظروفي القاسية، وعن وجود رقمي في هاتف رئيس الجمهورية ومدير الديوان والوزير الأول.

وعلى كل حال فأنا أذهب لمكتبي قبل رؤية أطفالي وأعود بعد نومهم.

ووالدتي منشغلة في الدعاء أن يزيدني رفعة وشانا.

15. يونيو 2022 - 23:04

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا