لماذا لا يُعلن في مجلس روصو إطلاق "رؤية الامن الغذائي 2040" / الهيبة سيد الخير

يستعد مجلس الوزراء الأربعاء المقبل لعقد دورة استثنائية حول الزراعة في مدينة روصو، ولا شك ان هذه الخطوة تحمل دلالات عدة بالرغم من رمزيتها، حيث قد تعني حسب اعتقادي:

إظهار الأهمية الخاصة التي توليها الحكومة لقطاع الزراعة وللأمن الغذائي بشكل عام؛

إعادة النظر في السياسات الزراعية المتبعة، بحيث يتم الاعتماد على المعطيات الحقيقية التي يُسندها الواقع الميداني؛

اشراك أصحاب الشأن في صنع السياسات الزراعية.

لقد تناولت إشكالات تنمية القطاعات المتعلقة بالأمن الغذائي (الزراعة، التنمية الحيوانية والصيد) في مقالات عديدة خلال السنوات الماضية، حيث نبهت الجهات المعنية في الوقت المناسب، لما اعتقدت انه أخطاء جسيمة قد تضر الصالح العام، واقترحت حلولا بديلة (مشروع زراعة السكر، مصنع البان النعمة، الاستصلاحات الرديئة مشروع التحسين الوراثي، استنزاف المصائد وتدمير الموائل البحرية ..الخ)، لكن للأسف لم تجد تلك التحذيرات آذانا صاغية ،فقد وقعنا للأسف في ذات الحفر التي حذرت  منها ،مما اصابني بالإحباط حقا .

لماذا نحتاج لرؤية شاملة لتحقيق الامن الغذائي؟

ظلت السياسات الوطنية في مجال الأمن الغذائي تُبني على ردات فعل نتيجة الصدمات والأزمات المختلفة، من قبيل جفاف السبعينات، واحداث 1989، والازمة الاقتصادية العالمية 2007، وازمة الصيادين السنغاليين، وازمة كورونا، اغلاق معبر الكركرات وأخيرا حرب أوكرانيا.

 أظهرت كل تلك الازمات أنه لم يعد بالإمكان اليوم الاعتماد على الاستيراد كوسيلة للحصول على الغذاء او المدخلات، كما لا يمكن الاعتماد على الموارد البشرية الأجنبية في هذا المجال الحيوي. 

ساهم غياب رؤية شاملة للأمن الغذائي في اضعاف الاقتصاد الريفي باعتباره المسؤول الأول عن الامن الغذائي ، مما اثر سلبا علي الأوضاع الاقتصادية لسكان الريف وزاد احساسهم  بالغبن والتهميش ، وقد انعكس ذلك على المشاركة السياسية، نتيجة ضعف الوعي، وارتفاع الأمية، وتردي الخدمات العمومية، وهجرة الشباب، وكلها عوامل تُقصي الريف من المشاركة السياسية الفاعلة، وتجعله فريسة لقوي الاقصاء فيفقد قدرته على التأثير والاختيار الواعي، مما يُربك النظام السياسي ويًكبل صناع القرار نتيجة المطالبات الاجتماعية الغير مبررة ،الامر الذي ينعكس بشكل سلبي علي الجهد التنموي.

لن يتحقق الأمن الغذائي في ظل حالة التشرذم الحالية، فالقطاعات المعنية متنازعة الصلاحيات وتفتقد للتنسيق، مما يسيب هدر الموارد وتضاد الجهود، الأمر الذي يفقدها ميزات هامة، كالتضافر والتكامل والاهداف الواحدة والسرعة المتزامنة والإدارة المندمجة.

خلال السنوات الماضية زارنا وزير واستقبله نظراؤه الثلاثة: الزراعة والبيطرة والصيد، طبعا ليست المشكلة هنا، بل تكمن في غياب التنسيق في الرؤية والاهداف والاولويات لدي القطاعات، بينما بدا الضيف منسجما وأهدافه واضحة.

تنبع أهمية هذه الرؤية من الاستفادة من الدروس والعبر، واشراك الجميع لوضع غايات واهداف محددة، على ان تكون طموحة وواقعية، وتوحيد الجهود والموارد في نسق واحد بحيث تكون قاطرة دفع حقيقية، وهذا يقتضي التنسيق الفعال بين كل القطاعات المعنية او دمجها في بنية واحدة الامر الذي سيسمح بالتحول من سياسات تخفيف وقع الازمات الي سياسات مستشرفة للمستقبل وتتجنب الوقوع في الازمات.

ما هو الأمن الغذائي؟

هناك مفاهيم أساسية متعلقة بالأمن الغذائي حسب الإطار الاستراتيجي العالمي للأمن الغذائي والتغذية، حيث يتحقق الأمن الغذائي عندما تتوافر لجميع الناس، في كل الأوقات، الإمكانات المادية والاجتماعية والاقتصـادية، للحصـول على أغذية كافية وســـــــليمة ومغذية تلبي احتياجاتهم التغذوية وتناســـــــب أذواقهم الغذائية للتمتع بحياة موفورة بالنشـــــــاط والصــــحة.

أدوار اللاعبين الرئيسين في مجال الامن الغذائي

يتضح من خلال التعريف ان هنالك قطعات معنية يحب ان تنسق جهودها، بحيث تحقق الهدف المنشود، فالزراعة والتنمية الحيوانية والصيد تتحمل العبء الأكبر، لأنها مطالبة بتوفير الغذاء، في حين يقع على عاتق مفوضية الامن الغذائي وشركة توزيع الأسماك توفير الخدمات اللوجستية الضرورية لتوصيل الغذاء في الوقت والمكان المناسبين، بينما ستكون هيئة مراقبة جودة الغذاء المتدخل الضامن لصحة الغذاء.

إشكالية حشد التمويلات الضرورية لتوفير الامن الغذائي

تستند الجهود الحالية في مجال الامن الغذائي للتمويلات الأجنبية المرصودة في إطار المشاريع التنموية الممولة من شركاء الماليين في القطاعات المذكورة أعلاه، ولا تستجيب تلك التمويلات للاحتياجات الحقيقية او الأولويات، كما تعتمد مقاربات خاصة بالمانحين او مبادرات إقليميه لا تنسجم او تتواءم في الغالب مع السياق الوطني.

ينتج عن كل ذلك تصميم مشاريع غير قادرة على تحقيق الامن الغذائي ولا تلبي الآمال والتطلعات المعقودة، والأخطر هو فقدان القدرة على التأثير والمناورة لدي صناع القرار بسبب تكبيلهم باتفاقيات التمويل مع الشركاء.

في الوقت الراهن لا تبدو دفة قيادة الجهد الوطني في مجال الامن الغذائي مرنة وطيعة بما يكفي لصناع القرار لتحقيق الأهداف المنشودة.

مرتكزات يمكن ان تستند اليها الرؤية

حكامة مندمجة وذكية في مجال الامن الغذائي، تضمن الشفافية واشراك أصحاب الشأن؛ 

أراضي زراعية وموارد رعوية بحرية مستغلة بشكل مستدام، بما يضمن الامداد الكافي والمستمر من الغذاء؛

أنماط انتاج تقليدية مقدرة؛

شراكة منصفة وناجحة بين القطاعات الاهلية والخصوصية والعمومية في مجال الامن الغذائي؛

ضمن خلق فرص استثمارية واعدة في مجال الامن الغذائي؛

يد عاملة وطنية مدربة؛

مجتمع ريفي منتج؛

وسائل انتاج وتقانات ملائمة.

موارد قابلة لتحقيق الامن الغذائي

تملك البلاد موارد كبيرة إذا ما اخذنا في الاعتبار عدد سكان البلد وتكفي تلك الموارد لتحقيق الامن الغذائي وذلك بشرط تدبيرها بشكل منسجم ومندمج وعقلاني ومستدام وهنا يمكن التركيز على ما يلي:

اعلان الزراعات التقليدية والواحاتية وزراعات المساحات الصغرى كأنشطة ذات أهمية بيئية واجتماعية وثقافية تحظي بعناية خاصة؛

اعلان الصيد التقليدي كنشاط ذو بعد بيئي واجتماعي ويحظى بعناية خاصة؛

اعلان صغار مربي الماشية كأصحاب موروث ثقافي ومعرفة بيئية واعطاؤهم عناية خاصة؛

اجراء اصلاح عقاري شامل بما يضمن تعبئة الأراضي الخصبة الغير مزروعة؛

تفعيل وتطوير مؤسسات الارشاد والبحث في مجال الامن الغذائي؛

إعادة تنظيم وغربلة المؤسسات المهنية والتعاونية في مجال الامن الغذائي؛

ادخال المكننة الزراعية في العملية الإنتاجية؛

زيادة المساحة المزروعة بواقع 40 هكتار مروية بالطرق الحديثة في منطقة الواجهة البحرية لزراعة القمح والخضروات؛

انشاء مصنع للأسمدة الفوسفاتية؛

انشاء شركة لتسويق منتجات الخضار وتحويلها؛

الاستفادة من ميزة الحملة الشتوية لتصدير الخضروات للخارج؛

خلق قطب للزراعة العلفية في ولايتي كوركل ولبراكنة على مساحة 60 ألف هكتار لرفد مزارع انتاج الالبان وتوفير الاعلاف لفترة الصيف لقطعان الانتجاع؛

وإدخال سلالات لإنتاج الالبان عالية الانتاج؛

تشجيع إقامة مصانع الالبان حول قطب الزراعة العلفية وذلك بدعم كل لتر حليب مصنع؛

فرض ضريبة الانتجاع على كبار ملاك قطعان الماشية؛

تشجيع ادخال دقيق السمك في صناعة المركزات العلفية؛

تعزيز سلسلة الامداد والحفظ والتوزيع للأسماك على مستوي التراب الوطني؛

إعطاء العناية لمنشآت التخزين وسلاسل الامداد لكافة السلع المتعلقة بالآمن الغذائي.

لم يعد هنالك مجال للنقاش حول أهمية تحقيق الامن الغذائي والسيادة الغذائية اليوم، كما لا يخفي على أحد ان ذلك لن يكون الا بمبادرة من البلد المعني، وذلك باتباع مقاربة شاملة تتناسب مع حجم الطموحات ،فقد صار من اللازم اليوم تبني رؤية لأفق 2040 في مجال الامن الغذائي ،تسمح بخلقة قوة دافعة ومتناغمة تساهم فيها كل القطاعات، وتتناول الإشكالية بكل تعقيداتها من المنبع الي المصب، بحيث يتم توفير التمويلات من خلال عوائد قطاعات الصناعات الاستخراجية وصندوق الأجيال القادمة ،وذلك بغية اخذ زمام المبادرة، ثم حشد التمويلات الإضافية من الشركاء.

في انتظار تبني تلك الرؤية سيظل حلم تحقيق الامن الغذائي بعيدا وستبقي السياسات المتبعة مجرد حلول ترقيعية لتخفيف الانعكاسات السلبية للازمات بدل تجنبها.

29. يناير 2023 - 12:21

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا