لا جدال أن منسقية المعارضة التي جمعت عددا من الطيف السياسي المعارض لنظام الجنرال محمد ولد عبد العزيز، قد أسست بنضالها السلمي لمعارضة مسؤولة ،تحمل هم الوطن الجريح والمختطف من قبل شرذمة من العسكر لا تقيم في المواطن الضعيف والوطن الحزين إلاُّ ولا ذمة.
وقد استطاعت المنسقية منذ تأسيسها أن تعيد الاعتبار للمعارضة الناصحة التي تسعى إلى بناء دولة العدل والقانون، و تكشف مساوئ النظام التي لم يعد المواطنون يحصونها لكثرتها وتشعبها، كلما جاءت فضيحة أنست في أختها حتى إذا اداركوا جميعا في قعر الفساد أبانت عن وجه النظام القبيح .
ولقد نجحت المنسقية في حشد الجماهير الغاضبة من سياسة الجنرال القائمة على الحيف و الظلم والفساد، غير أن سياستها "التقشفية" في التضحية أفقدتها بريق النضال و أضاعت بذلك فرصة ذهبية في انتشال الوطن من هاوية السحيق التي تقودنا إليها حكومة ونظام "زازو".
لقد كانت مسيرة 12 مارس وهي الأضخم في البلاد، بمثابة اعتراف من قبل الجماهير بشرعية المطالب التي تحملها المنسقية و التي من أهمها رحيل النظام، و تأكيدا على قدسية النضال الذي يعيد للمرء كرامته ووطنه المسلوب ، وتفويضا من الشعب لها بالحديث عنه و تبني مطالبها الإصلاحية، ورجاء صلاح الفعل مع القول من قادة المنسقية.
غير أن الأداء الباهت للمنسقية، والتذبذب الواضح في مواقفها، والعجز عن تبني خط نضالي قويم يقوم على ضرورة استرجاع الحقوق ولو بالقوة (وما أخذ بالقوة لا يرد إلا بها)، كان السبب الرئيس فيما تعيشه المنسقية من ركود ، و تبخر ثقة المناضلين التي منحوها لها أول مرة، وهي في طريقها للإضمحلال إن لم يتدارك قادة المنسقية ويغيروا من خطهم النضالي.
لقد سلكت المنسقية في حادثة 13 اكتوبر طريقا غير معبد،وشكلت – عن غير قصد- دعما للنظام القائم، ونفخ الروح فيه من جديد، فكانت قاصمة ظهرها ان اعتمدت في أخبارها على مصادر مضللة،وهو ما سمح للنظام بالتلاعب بخطاب المنسقية الذي بدا متناقضا مع الواقع، رغم الإشارة الايجابية التي بعثتها المنسقية في وقوفها مع ولد عبد العزيز في محنته وتمني الشفاء له.
لم تكتفي المنسقية بما تحمله في أحشائها من بعض المفسدين الذين عاثوا في الأرض فسادا وأجدبوا قحطا ، فحرصت على تأييد كل من يعارض النظام حتى ولو كان من من ساهم في وصول الجنرال إلى السلطة وحرك "أساطيله" الاعلامية – في وقت من الأوقات- ضد المنسقية و شعاراتها.
كان على المنسقية أن تكون واضحة في مواقفها،ولا تنجر إلى الوقوف مع المفسدين حتى ولو عارضوا النظام، وأن ترفض الفساد من أي كان، و تطالب بالتحقيق في أموال الدولة المنهوبة من قبل بعض رجال أعمال الذين لا يعرفون المعارضة إلا حين تهدد أموالهم التي نهبوها من جيب الفقير والضعيف واليتيم.
تمتلك المنسقية من وسائل الضغط على النظام الشيء الكثير، فالفساد ينخر ما تبقي من جسد الوطن الهزيل، وفضائحه الكثيرة تملأ الأفق مع اتساعه، وتزكم أنوف المواطنين، والوثائق تثبت تورط الجنرال وحكومته الفاشلة في غسيل أموال وأشياء أخرى..وهو ما يشكل أرضية خصبة لشرح خطورة النظام ، وضرورة اسقاطه.
لقد بت أخشى أن يكون في المنسقية من لا يريد لها أن تتقدم ، ولا شك أن ماراتون المنسقية الذي ينطلق من مسجد المغرب إلى ساحة ابن عباس دليل على عجز المنسقية عن بديل مقنع يفرض رحيل النظام،ففعل نفس الشيء مرتين بنفس الاسلوب ونفس الخطوات مع انتظار نتائج مختلفة هو عين الغباء كما يقول آنشتاين .
إن الذي يدعو إلى التداول السلمي على السلطة، وهو متربع على حزبه منذ سنين عديدة، ولا يعرف التناوب إلى حزبه سبيلا، إنما يقيم الحجة على نفسه،ويحرج مناضليه، وكان جديرا بدعاة التغيير أن يبدأوا بأنفسهم، ويغيروا من واقعهم، فإن كان عدلا مله الناس وإن كان جائراً كفاهم من جورهكما قال عمر ابن الخطاب.
وإذا كان بعض قادة المعارضة عاجزون عن قطع مسافة المارتون ، والصبر على لأواء الطريق فالجدير بهم أن يستريحوا هم أيضا ، وأن يتركوا المجال أمام الشباب الثائر ، المتقد حيوية ونضالا فهم عنوان المرحلة والأقدر على التضحية والمواجهة.
ثم إن على المنسقية أن تكون بديلا حقيقيا للشعب عن النظام الذي تخلى عنهم، فتحمل همومهم وتخفف عنهم ضنك العيش، و تنظم حملات إغاثة و قوافل طبية ، وتقترب من المواطنين البسطاء، وتستمع إلى معاناتهم..فهو أكثر فعالية من ألف مسيرة ومهرجان.
يعقد الموريتانيون والوطن أملا كبيرا على جهد وجهاد المنسقية، وينتظرون أن تبتسم لهم الأيام المقبلة بعد عقود من البؤس والأحزان، وهي مسؤولية تستحق التضحية من الجميع رؤساء ومرؤوسين ، حتى تصل سفينة الوطن إلى بر الأمان..ولعل المنسقية تكون فاتح خير للمواطنين والوطن.