أحترم الجميع .. وأحترم آراءهم .. ولكني أطلب منهم من باب الإنصاف إحترام الرأي الآخر .. فالذي يُخالفك في الرأي ليس بالضرورة عدوا لك .. بل هو إنسان له رأيه مثلك .. وله خياراته مثلك، وعليك أن تفتح ذهنك للتعامل مع هذه المسلمة .
مؤخرا كتبت مقالة طالبت فيها السياسيين بأن يتركوا العبث بمصالح وطننا .. وألا يرهنوها برغباتهم الخاصة في بقاء وضع البلاد راكدا جامدا على حالة شاذة : جمعية وطنية وعمد أنتهت صلاحياتهم منذ زمن، وآن لهم أن يُغادروا مواقعهم أو يُجددوا ثقة الشعب فيهم .
وقلت إن أي تأجيل للإنتخابات سيكون على حساب استقرار البلد وتنميته وتطلعات المواطنين إلى منتخبين يهتمون بمشاكلهم وقادرين على نقاشها والوصول إلى حلول لها، بوعي ومسؤولية، بعيدا عن الملاسنات العقيمة والتنابز بالألقاب، التي تمس من هبة مواقعهم كناطقين باسم الشعب وممثلين له .
لفت انتباهي في بعض التعليقات على الموضوع قول البعض إنني "لست حياديا" .. وتساءلت بيني وبين نفسي : حيادي في ماذا ؟ .. هم لم يُبينوا ذلك .. وأنا لا أعرف ماذا يعنون .. لكنني أؤكد لهم أن الحيادية إذا كانت تعني التخلي عن الإهتمام بالقضايا الوطنية والتعامل معها بلامبالاة فإنني لست حياديا ولن أكون .. فالحيادية بهذا المعنى تعني السلبية وأنا لا أريد أن أكون سلبيا بل أهتم بالشأن الوطني بكل مجالاته .
صحيح أنني لا أمارس السياسة ولاأرغب فى ممارستها فى غياب الصدق وطغيان الميكيافيلية فى التعامل السياسي حيث كل شيء مباح في سبيل تحقيق مآرب خاصة .. هذا صحيح .. ولكنني لا أتخلى عن موقعي على بساط المواطنة ولا عن موقفي على درب الوطنية..و أي قضية تتعلق بمصير بلدي أراني مسؤولا عن الإهتمام بها – كغيري من المواطنين – مسؤولية مباشرة .. ومن أخطر تلك القضايا قضية الإنتخابات التي بدونها ستظل شؤون البلد متلفعة بالغموض المهلك، في ظل لعبة المواقع الشاغرة .
إن الإنتخابات قضية مصيرية لا يجب أن تظل محل تجاذب بين الفرقاء السياسيين، وأخشى ما أخشاه أن يحاول البعض جعل تأجيلها المدة بعد المدة وسيلة مكافلية تبرر غايتها التي تختزل كل شيء في الوصول إلى هدف واحد، هو استمراره هو في احتلال موقع لم يعد له الحق في أن يبقى فيه لحظة لأن الفرصة التي منحه الشعب قد انتهت مدتها .
اللجنة المستقلة حددت موعدا للإنتخابات .. ووضعت الآليات الكفيلة بنجاح العملية الإنتخابية، جاعلة الكرة في مرمى السياسيين الذين دعتهم بكل أطيافهم إلى التشاور - حسب قولها – لإجراء إنتخابات شفافة تحت إشراف مراقبين وطنيين ودوليين.
بدوره الإعلام أصبح في حالة تمكن الجميع من الإستفادة منه بفرص متكافئة .. فهناك القنوات الفضائية والتلفزيونية المستقلة مفتوحة على مصراعيها أمام الجميع، والإذاعة الوطنية و التلفزة تحولتا إلى وسيلتي خدمة عمومية تتساوى فيهما فرص الجميع .. فماذا بقي من مبرر لتأجيل الانتخابات النيابية والبلدية إن كانت النيات صادقة ؟؟
نحن المواطنون، الذين لا ناقة لنا ولا جمل في صراع السياسيين، نطالب بإجراء الإنتخابات لاختيار ممثلينا في الجمعية الوطنية والمجالس البلدية، منتخبين قادرين على التعاطي مع العصر، وتجاوز اللغة السياسية الخشبية، وعقلية الصراع التي يحاول البعض أن يُدجن بها العقل الوطني ويشله عن التطلع إلى مستقبل يتسع لتعدد الآراء، و خال من الصراعات المفتعلة، التي تهدد السلم الإجتماعي في الصميم، والتي للأسف حلت محل البرامج الحضارية والتنموية التي يُفترض أن تكون ميزة التشكيلات السياسية التي تحترم نفسها .
عقلية "وهم الصراع " لم تعد صالحة للإستهلاك وليست قادرة على مسايرة مقتضيات الإهتمام الشعبي، ومتطلبات الطموح إلى التعاطي مع العصر، برؤى واضحة ومستنيرة، تعبر عن الرغبة في النمو المتكامل والمنسجم مع خصوصيات التكنولوجيا وتنامي وعي الشعوب، التي لم تعد قابلة لمواصلة السير على الرمال المتحركة.