شكـّل حديث الرئيس محمد ولد عبد العزيز في لقائه بأغلبيته يوم الاثنين 18/04/2011 في القصر الرئاسي نقطة تحول في خطاب الرئيس و رؤيته لبعض مكونات الطيف السياسي في البلد , حيث بيّن رفضه لكل مخالفيه و ازدراءه لهم و اتـّهامه لهم بكل ما يكرهه المرء لنفسه و يأباه لها,
و قد تحدث الرئيس عن "قادة المعارضة" و "شباب التغيير" و "القاعدة" و "الإسلاميين" و باستثناء حديثه عن الرئيس مسعود فإن بقية كلامه كان مما لا يليق ب"من تعلو به الرتب" , حيث سبّ و بالغ في الذم, فاتـّهم قادة المعارضة بالأنانية و بعدم الوطنية و بأنهم يسعون إلى مصالحهم الذااتية فقط . كما اتهم الشباب المتظاهرين و قال بأن أكثريتهم " عناصر أرسلها الأمن الوطني" , و ذكـّر بأن "القاعدة هي من بدأت الحرب على موريتانيا " و أن " استيراتيجية موريتانيا ضد القاعدة هي استيراتجية وطنية ومتواصلة ولن تتوقف موريتانيا عن التصدي للقاعدة والإرهابيين ولو كلـّف ذلك صرف كل الأموال في تلك الحرب" , مبينا أن " الإسلاميين جميعا طبعة واحدة،وهم متطرفون جميعا يصبح أحدهم تبليغيا ويفجر نفسه بعد ذلك" .( كما نقلت ذلك بعض وسائل الإعلام عن بعض الحاضرين). و من خلال التأمل في هذا الكلام الذي خصّ به الرئيس خاصته و أغلبيته فإننا نجد أن الرئيس "عزيز" أراد أن يبين لأغلبيته أنه الشخص الوحيد القادر على قيادة البلاد و أن كل حركات موريتانيا و أحزابها و قياداتها السياسية و الفكرية و الدينية ليست بشئ و لا تصلح لقيادة الشأن العام , مما يعني -ضرروةً- الوقوف في وجهِها و وجهِ كل المطالبين بالتغيير و بذل كل الوسائل في سبيل تحقيق ذلك. لكن الأخطر في الأمر –بالنسبة لي- هو كلامه عن "محاربة القاعدة" و "تطرّف كل الإسلاميين", ذلك أن حديثه ينطوي على جملة من المسائل الخطيرة في هذا الأمر حيث يمكن أن يقوم عزيز بتحويل كل الميزانية العامة للدولة إلى "الجيش" و "الأمن" من أجل "محاربة القاعدة" و لو أدى ذلك إلى توقيف كل المشاريع و البرامج التنموية و الخدمية –على قلّتها و ضعفها- و هو ما يعني الاستثمار العسكري و الأمني على حساب كل المجالات الأخرى مما سيحوّل الدولة إلى دولة بوليسية و سيؤدي إلى شلّ كل المجالات الحكومية في سبيل "مطاردة الأشباح" و حرب العصابات و الحرب "بالنيابة" عن أطراف و جِهات أخرى تعب بعضها من محاربة تلك الجماعة الإرهابية و يريد البعض الآخر الحرب و الإنتصار عليها بدون خسارة دماء غالية , و بدلا من ذلك سيسيل الدم الموريتاني فيها رخيصا مقابل إشباع رغبة "القائد الملهم" و بقائه في السلطة. كما أن "تعميم" السيد الرئيس عن الإسلاميين و جـَمْعـِهم جميعا في سلّة واحدة شعارها التعصب و التطرّف أمر خطير , و مخالف للواقع , و يترتب عليه الكثير من المخاطر و الأضرار , ذلك أن التيارات الإسلامية متعددة و منها من يستخدم العنف -وهم قلّة و مرفوضون من الإسلاميين قبل غيرهم-و غالبهم يستخدمون الوسائل السلمية و المدنية –و هم الأكثر- و منهم من "لا يتحدث عن أمراض الأمة" فكيف يحمل السلاح على غيره؟!! , و هو خطأ فادح وقع فيه رئيس الجمهورية –عن جهل أو تجاهـَلَه عن سوء نية! حيث أن من يسبّ "الدعوة و التبليغ" يجهل أو يتجاهل أن "الأحباب" يسعون إلى إصلاح النفس و التعبّد بعيدا عن السياسة , و هو ما فتح لهم كل القلوب و الدول حتى وصلوا سوريا و تونس –ما قبل الثورة- بل تعدى نشاطهم ليشمل الصين و إسرائيل!! و لا عيب فيهم غير أن "الصلاح لا يُنجى من عذاب الله في الدنيا " و "ما كان ربك مُهلك القرى بظلم و أهلها مصلحون"! أما جمهور الإسلاميين فهم ممن يتعاطون العمل السياسي السلمي و يسعون إلى الإصلاح –دون أن يحتكروا النسبة أو الصفة- و هم غير معصومين , لكنهم ليسوا ممن يحملون السلاح و لا يقومون بالإنقلابات و لا سرقة خزائن الدولة و الاستيلاء على مواردها , بل يسعون إلى إحياء فريضة الأمر بالمعروف –بالمعروف- و النهي عن المنكر –بغير منكر- , و اتهامُهم بأنهم متطرفون و "مفجّرون" بهتان عظيم يستلزم أنهم مجرمون تُستحـَلّ دماؤهم و أعراضهم و تـُصادَر ممتلكاتهم و تُحظَر مؤسساتهم و هيآتهم , و تلك فتنه كبرى –و الفتنة أشد من القتل- و ظلم شنيع لا تقبله العقول و لا يمكن أن يكون هو ما يعنيه رئيس الجمهورية الذي يبدو أنه يريد أن يثبت "تفوّقه" في كل شئ حتى و إن خانته العبارة أو أساء عن قصد -أو غير قصد -و تدخّل فيما ليس من اختصاصه. و لو أتيحت الفرصة للمعارضة و للشباب و الإسلاميين في تبيين مآخذهم على الرئيس عزيز لقال الكثير منهم بأن عزيز خطب ودّهم حينما قام بانقلابين و تقرّب منهم في سبيل الحصول على شرعية كان فاقدا لها و لا تزال ناقصة في نظر البعض , كما أنه استأثر بالقرار و الإعلام و التعيينات و الصفقات و لم يبتعد عن الخطابات الديماغوجية و الإفتخار بما لم يفعل و قام بتضخيم منجزاته و اعتقال بعض معارضيه و اتهامهم بالفساد مقابل تكريم بعض المقربين منه ممن لا يسلم من تهم فساد و ثراء غير مشروع و استئثار بالصفقات و المعاملات الحكومية و التهرّب الضريبي. و يمكن أن يضيفوا بأن موريتانيا كانت موجودة قبل عزيز و ليس وجوده و بقاؤه في السلطة شرطا لبقائها و استمرارها و تنميتها , كما أن البلاد مليئة بالأطر –المدنيين و العسكريين- القادرين على حكم البلاد و إدارتها بشكل أفضل من إدارة عزيز و بشكل يضمن ولاءهم للشعب و الدولة و يحقق التنمية و الاستقرار و يمكـّن من إشراك كثير من مكونات البلد السياسية و الإجتماعية عكس ما هو واقع. و غني عن القول أن معارضة موريتانيا و شبابها الثائر و إسلامييها –بمختلف توجهاتهم- بـَشرٌ غير معصومين و أناس يخطئون و يصيبون , و ليسوا ملائكة , لكنهم –ليسوا –كما يصوّرهم السيد الرئيس – شياطين تستحق اللعن و العقاب , و على رئيس الجمهورية أن يُفـرّق بين حدود النقد السياسي المقبول وبين الإتهامات المرفوضة التي تستلزم أدلة و براهين قطعية, و التي هي من اختصاص القضاء وحده , و ليست من طبيعة عمل رئيس الجمهورية الذي ينبغي أن ينأى بنفسه عن الخلافات السياسية الضيقة و فرضِ الوصاية على الناس و استخدامِ وسائل الدولة و الإعلام و توجيهها لتحقيق رغبات شخصية تشوّه صورة المناوئين و المعارضين و لا تخدم الوطن و المواطنين, و بدلا من ذلك ينبغي له أن يكون رمزا للوطن بكل مكوناته و يسعى في تنميته و استقراره و إشراك كافة أبنائه في أموره و خيراته.