من الواضح أن جميع التشكيلات السياسية المحلية ذاهبة إلى الانتخابات القادمة (إذا قرر الرئيس إجراءها).. أفهم ذلك من بعض المعطيات الحالية، فالأغلبية والمنسقية والمعاهدة و"الزوائد البينية"، والقوى "البرزخية"، كلها (مستعدة).. بعضها سيذهب لأن "المشاركة"هي مبرر وجوده في الساحة المحلية،
وبغض النظر عن نزاهة الانتخابات من عدمها، وحتى لو انهزم شر هزيمة..!!.. والبعض سيذهب لأنه لا يريد لعب دور الحاضر "المغيب"، والبعض قد يذهب لأنه لا يريد ترك المساحة فارغة ليحتلها خصومه، والبعض تكفيه طريقة "الكلب الأطرش"، فهناك صراخ كثير وجلبة وازدحام في الطريق الموصل للانتخابات، وعليه أن يكون جزء من المشهد، أيا كان شكله، وأيا كان الموقع الذي سيشغله..!!
لا يعنى ذهاب الموالاة والمعارضة - وما بينهما – إلى الانتخابات، أننا مقبلون على انتخابات توافقية، ولا حتى على إجماع سياسي وطني ولو مؤقت..يعنى الأمر ببساطة أن كل فريق يرى أن مصلحته هي في "المشاركة" مهما كانت طبيعة الانتخابات، وأن عليه "إفراغ" ملاحظاته ورفضه "اللفظي" للمشاركة في الفترة التي تسبق الاستحقاقات القادمة، على طريقة حكاية المرأة (المعروفة لدى الموريتانيين) التي كان أهلها يأمرونها بجلب الحطب من غابة بعيدة في يوم شديد الحر، فتصب عليهم اللعنات، وتبدى رفضها بأقسى العبارات، ولكن كل ذلك تفعله وهي في الطريق من وإلى الغابة، وقد أدمت أشواك الطريق قدميها،واستدر القيظ عرقها،وناءت بحزمة الحطب التي تحملها على رأسها المليء بالهموم والمعاناة و"الرفض اللفظي"..!!
إن السياسيين عندنا يدركون أن الاعتراض على الانتخابات محليا أمر متاح، ولكن عندما تكون أطراف خارجية تريد الانتخابات (و تمولها) فذلك أمر آخر، ولكل مقام مقال.!!
دعونا نكون عمليين، ولنقرأ المشهد السياسي الحالي بتمعن لنكتشف أن الجميع حزم أمره، وبدأ يتمتم ب"دعاء السفر" نحو الانتخابات..!!
اتركونا من الأغلبية و"زوائدها" من مؤسسات للدولة، وشيوخ قبائل، ومشايخ تقليديين، ونافذين، وعسكريين، ورجال أعمال، فهذا "الكشكول" أعد العدة للانتخابات منذ تعيين "اللجنة المستقلة للانتخابات" وهو محكوم بأوامر الرئيس ونواهيه، والرئيس يريد الانتخابات(والأمور بالنسبة للرئيس تحت السيطرة فالمؤسسات الإعلامية الحكومية (مثلا) تم إعدادها للمرحلة القادمة و "تحصينها" بشكل جيد ولم يعد عليها "رأس" يمكن هزه رفضا أو قبولا)..و"الحملة" بالنسبة للرئيس وفريقه بدأت عمليا - وإن باهتة - من نواذيبو و أترارزة..!!
لننظر إلى "المنسقية" ولكن لكل حزب على حدة، وليس إليها ك"كتلة"، فموقف "الكتلة" الضبابي حتى الآن، لا يعبر- بالضرورة - عن رأي كل حزب من أحزابها منفردا..!!
حزب "التكتل" (حصان عربة المنسقية) من الأكيد أنه سيشارك، ودعوكم من التصريحات و"العنتريات" التي تسمعونها من بعض أنصاره حول رفض المشاركة، فالجناح المطالب "خفية" بالمشاركة في الانتخابات القادمة أكثر عدة و"عتادا" من الطرف الداعي "علنا" للمقاطعة، وتجربة الحزب مع المقاطعة مريرة تاريخيا. "التكتل" يتحرك بدون ضجيج، وعكسا لبقية الأحزاب فإنه قادر على المجاهرة بموقفه - أيا كان - قدرته على الذهاب وحيدا، أو البقاء وحيدا.
"اتحاد قوى التقدم" سيشارك يقينا، ولكنه بحاجة لرؤية أحزاب معارضة أخرى، أو على الأقل أحدها يعلن المشاركة صراحة، فليس من سياسة الحزب أن يستبق الأحداث، وإن علمتنا التجارب أن له رأيا قد يعبر عنه في أية لحظة، ومهما كانت تبعاته على وضعيته كحزب معارض، وعلى موقعه في الأحزاب التي يتحالف معها.
بالنسبة لحزب "تواصل" فمن يقرأ مقالات كبار منظريه يجد فيها ملمحا واضحا بأن الانتخابات القادمة قد لا يتخلف عنها إلا "منافق معلوم النفاق"..!!
إن بعض كتابات منظري الأحزاب السياسية عندنا هي مقدمة المواقف اللاحقة لتلك الأحزاب، وبمعنى مبسط فإنها تشبه إلى حد كبير "سيارة الشرطة" الصارخة الأضواء والأصوات التي تتقدم عادة "الموكب الرئاسي"، إنها دليل على مقدم ذلك "الموكب" بما يتطلبه مروره من "قطع للطرق"، وحبس للأنفاس، وتجميع لفرقة (بالروح بالدم نفديك) الشهيرة في الوطن العربي..!!
أحد منظري "تواصل" قال صراحة إن عدم المشاركة في الانتخابات القادمة يعنى منعها بالقوة، وذلك ما يترتب عنه حدوث مواجهة مع النظام، تقود إلى فوضى لا تخدم استقرار البلاد ولحمتها.
إن فكرة "المنظر" هنا تقوم على إعطاء مبرر واضح للمشاركة، فبمقدور الحزب أن يبرر المشاركة في الانتخابات القادمة بعبارات واضحة و(مقنعة) من قبيل (... وتجنبا للفوضى وحتى لا نجد أنفسنا في مواجهة الآلة القمعية للنظام، وإنقاذا للسكينة العامة، ورفضا للانزلاق بالبلاد نحو دروب المجهول، وهو ما تدفع إليه أطراف عديدة داخلية وخارجية، بعضها على صلة بالنظام القائم، وتريد تلك الأطراف لمناضلي "تواصل" أن يكونوا وحدهم في المواجهة، ليتحملوا لاحقا المسؤولية عن المآلات القادمة للأمور محليا، تجنبا لكل تلك المخاطر فقد اخترنا في الحزب أخف الضررين، لما نرى فيه من جلب لمصلحة، ودرء لمفسدة، وهو المشاركة بقوة وفعالية وانضباط في الانتخابات القادمة...).
عمليا لا يمكن ل"تواصل" ترك الآخرين يذهبون إلى الانتخابات ليراقب صراعاتهم بصمت، فهو حزب سياسي طموح، ولديه بيئة محلية و"خارجية" مناسبة لخوض الانتخابات وتخطى حاجز ال4 بالمائة، وهو ثاني أحزاب "المنسقية" جماهيريا، وأولها تنظيميا و إعلاميا ودعائيا، ومن الإنصاف لمناضليه النزول بهم إلى صناديق الاقتراع للحصول على أية مكاسب انتخابية يبدو الحزب - كغيره من الأحزاب المحلية - في أمس الحاجة إليها.
أما "اللقاء" و"التناوب" و"الزوائد" الصغيرة الأخرى للمنسقية فهي محكومة بما سيجرى على مستوى "المنسقية" ككتلة، فإذا اتفقت على الذهاب سوية إلى الانتخابات فسيكفى الله المؤمنين القتال، وإن ترك لكل حزب الحرية في اتخاذ الموقف الذي يراه مناسبا (وذلك هو الأرجح) ف"الزائدة" التي ستشارك في الانتخابات، ستشارك طبعا على طريقة (لعلندة) إلى جانب أحزاب "المنسقية" وقد يكون على "الزائدة" التي لديها تصور آخر الالتحاق (ربما) بالأغلبية بحثا عن مكاسب "مادية"على الأقل..!!
بالنسبة ل"التحالف" و"الوئام" و"الصواب" و"الثلاثة الذين خلفوا"، والتحقوا مؤخرا ب"المعاهدة" فهذا "كشكول" واضح الأهداف و الخطا، وأمره محسوم (سلفا) فقد أعلن بعضه صراحة أنه سيشارك في الانتخابات القادمة،بل إن بعض أحزاب "المعاهدة (أسست) خصيصا للمشاركة في الانتخابات القادمة.
وفى حالة الترخيص لحزب "إيرا" فإنه لن يتأخر عن المشاركة في الانتخابات القادمة، ولو لمجرد وضع قدراته ومستواه "الجماهيري" على المحك عبر "مباراة ودية" كما يفعل أي مدرب جديد لفريق كرة قدم يتولى تدريبه أول مرة..!!
ليس من المهم الذهاب إلى الانتخابات على شكل كتل سياسية معارضة أو موالية، بل المهم لكل حزب أن يقرر ما يراه مناسبا لأولوياته وطموحاته، ودعونا من شعارات الأحزاب الداعية لتغليب المصلحة العليا للوطن ومواطنيه، وجعلها فوق كل اعتبار، فهي شعارات "رومانسية" لا جذور لها على الأرض، وإن بسطت أغصانها في الخيالات المجنحة لبعض المفكرين و"السياسيين" والشعراء وأضرابهم..!!
لن يطول المسير باتجاه الانتخابات القادمة... لقد مهد جزء كبير من طريقها عندما غابت شعارات الرحيل،والتقليل من شأن الإحصاء الحالي، والمطالبة بمراجعة اللوائح، والتشكيك في نزاهة لجنة الانتخابات، وفى قدرة الرئيس عزيز ووزيره الأول وحكومتهما على إدارة الانتخابات، والمطالبة بفتح وسائل الإعلام العمومية أمام كافة الفرقاء المحليين، وكثر الشقاق في أحزاب المعارضة، وألقى مسعود حجر "المبادرة" في المستنقع الآسن، وتقوقعت الأغلبية على نفسها، وكثرت "الزوائد" الانتهازية هنا وهناك، وانشغل الناس ب"التسجيلات" و"المخدرات" و"مامير" و"رصاصة الرئيس" و"بوعماتو" و"شمال مالي"، واحتقن الوضع المحلي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا درجة "اللون البرتقالي"..!!
إن الانتخابات القادمة ستوفر(هروبا) سحريا للجميع (إلى الأمام طبعا)، فجمهور المعارضة ضاق ذرعا بالسير من وإلى "جامع ابن عباس" دون نتيجة، وجمهور الأغلبية ضاق ذرعا بالكذب والتهميش الممارسان عليه من طرف "العسكر" و الحكومة ، تارة ب"التضامن" و دكاكينه، أو خطبه العنترية، وطورا بتدشين طريق ينهار بمجرد ذهاب المدشن و"المدشن له"..!!..وبين "المعارضة" و"الأغلبية" ضاق عامة الناس ذرعا بصراخ سياسي، يسمعهم جعجعة ولا يريهم طحينا..!!
إن "المنسقية" تواجه أزمة إجرائية، تتمثل في أن كل حزب منها يريد من الأحزاب الأخرى إعلان المشاركة حتى يكون جزء من قرار وليس نشازا فيه، والحزب الذي سيقرر أولا ذهابه إلى الانتخابات خارج عباءة موقف موحد سيكون له أجر ذلك أو وزره، تماما كما أن أول حزب يعلن مقاطعته من داخل المنسقية سيبوء بإثمه وإثم من سيتبعه نحو المقاطعة..!!
هذه الأحزاب مجتمعة - معارضة وموالاة- تحسب حسابات خاصة بها، منها ما هو انتخابي، ومنها ما هو مادي، ولكنها - لكي تستقطب الناس- بحاجة لأن ترفع شعاراتها التقليدية التي تتباكى على حال الوطن والمواطن، وتحلم (مع الناس) بالسعادة..!!
لم يعد الطريق طويلا، ومعظم جوانبه أصبحت سالكة باتجاه الانتخابات القادمة، التي يمكنني القول - وعلى مسؤوليتى - إن الجميع سيلتقي عندها ولو "لقاء الغرباء"..!!