إلى رئيس الجمهورية / المهدي بن أحمد طالب

في كل سنة تُعدُّ رئاسة الجمهورية لقاء شعبيا بُغية الكلام عن قرب مع المواطنين البسطاء وأصحاب الفاقة من أجل تحقيق حاجياتهم ومتطلباتهم التي يرغبون في تحقيقها وهذا ـ إن تحقق ـ يسفر عن حسن نية تجاه الوطن والأمة الموريتانية.

فخامة الرئيس في الأيام التصحيحية التي أطلقتموها أيام إطاحتكم بنظام الرئيس ـ السابق ـ سيد ولد الشيخ عبد الله كان مقصدكم طيلة تلك الفترة وحتى انتخابكم هو الانحياز للفقراء ومتوسطي الدخل ومحاربة الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وقد حققتم شيئا من هذا بردّ الاعتبار لفقراء انواكشوط الذين كانت تعج بهم الأزقة والشوارع في مساكن شعبية غير صالحة للاستعمال البشري وذلك في حملة القضاء على أحياء الصفيح .

فخامة الرئيس فقراء انواكشوط بالنسبة للاجئي الداخل الموريتاني أغنياء وأكثر رحمة ، ذلك أن فقراء انواكشوط بحكم قربهم من المستشفيات والمدارس والثانويات ـ العامة والخاصة ـ وقربهم كذلك من حملات السياسيين الاقتصادية التي تعتبرهم مصدرا يعتمد عليه في النوائب الانتخابية ، أمّا لاجئي الداخل الموريتاني سواء في مثلث الفقر أو موريتانيا الأعماق أو المنكب البرزخي في الجنوب الشرقي فإنهم لا يجدون من يلتفت إليهم إلا في أيام الحملات الانتخابية البلدية والرئاسية والتي تشترى ذممهم فيها بثمن بخس غير مُدركين ـ أصلا ـ لماهية السياسية ولا لماهية الانتخابات .

فخامة الرئيس لقد تحملتم أمانة ستسألون عنها أمام الله والشعب يوم القيامة ولن ينجيكم من عذابها إلا عدلكم في الرعية ورفع الظلم السياسي والاقتصادي والاجتماعي عن هذا الشعب المسكين .

فخامة الرئيس إن مقولة شعب فقير وبلد غني تنطبق على هذا البلد ، ذلك أن الله حباه بالخيرات الاقتصادية ذات القيمة العالية (الحديد ، السمك ، الذهب ، النحاس ... ) فكيف لشعب يملك إحدى هذه الخيرات أن يظل فقيرا فضلا عن جميعها ؟ ثم أليس من العيب أن يظل المواطنون يتسكعون ويستجدون أمام منظمات الأمم المتحدة التنصيرية في مخيمات اللاجئين الآزواديين ونحن نملك مصدرا من مصادر النفوذ الاقتصادي الدولي ؟

فخامة الرئيس ليس العجز عن استخراج هذه الثروات واستغلالها عذرا ذلك أننا شاهدنا من لا يملك شيئا من هذا وحالة مواطنيه الاقتصادية أحسن بكثير من مواطنينا (غزة أنموذجا ) لكنها الإرادة وحسن التدبير في المال العام .

فخامة الرئيس إن دخل الفرد الموريتاني سنويا حسب بيانات البنك الدولي لعام 2012م بلغت 2520$ فهل حقا هذه القيمة وصلت إلى كل الموريتانيين أم أن سياسة التجويع من جانب والبذخ من جانب آخر هي المؤشر الفعلي لقياس الدخل القومي ؟

فخامة الرئيس وراء كل أزمة سياسية أزمة اقتصادية وسياسة إنقاذ الغريق الاقتصادية المتبعة في (خطة أمل ) لا تسمن ولا تغني من جوع ، المواطن البسيط يحتاج إلى سياسة اقتصادية حقيقية والقول بأنّ الدولة تتحمل جزءً من القيمة الشرائية للمواد الغذائية نوع من ذر الرماد في العيون ، ذلك أنّ الدولة إن كانت ـ حقا ـ جادة في مساعدة المواطن فلماذا لا تقوم بتخفيض الضرائب أو نزعها من المواد الضرورية ( أرز ، قمح ، سكر ، زيت ) وجعل السهم الضريبي الموجه لها على المواد الكمالية والشركات الاستنزافية (الاتصالات ) ؟

فخامة الرئيس إنكم في لقائكم هذا مع لاجئي الوطن في الشرق الموريتاني تتوجهون إلى قوم عاشوا الظلم والتهميش والتجهيل طيلة عهود الحكومات السابقة التي كانت تنظر إليهم كمخزون بشري يرجح بأصواتهم إحدى كفتي موازين الانتخابات ليس إلا أو على رأي أحد زعماء الأحزاب (لكباش ) .

لقد عانوا الفقر والتجهيل بحكم عدم وجود أي مشروع اقتصادي ذا نفع عام ومستقر مما سبب لشبابهم الهجرة إلى إفريقيا دون أن يحصل أحدهم على شهادة جامعية بحكم أمر الواقع الذي فرض عليهم قسرا البحث عن ما يؤمّن حياة آبائهم وأمهاتهم .

إنّ مناطق ازويرات وانواذيبو وانواكشوط وروصو كلها مناطق ذات حركة اقتصادية ـ شبه ثابتة ـ أما مناطق الحوضين ولعصابة وكيديماغه وتكانت فهي مناطق تعتمد على ثروات اقتصادية غير ـ ثابتة ـ (الثروة الحيوانية والزراعية ) بحكم الجفاف والتصحر ولا بدَّ من بديل اقتصادي حي يغطي هذه الكثافة السكانية الهائلة ويوقف باب هجرة شبابهم التي ترجع سلبا على الدولة .

فخامة الرئيس غالبية القوم لا يعرفون للدولة مفهوما ولا للوطن معنى قد احتلت رقابهم جماعة من المتنفذين القبليين الذين أصبحوا يمثلون حلقة الوصل بينهم وبين الدولة والذين يظهرون ـ دوما ـ في مسلسلات ومسرحيات بأنّ المواطنين بخير وعافية والحق أنّ الفقر والمرض والجهل قد اعشوشب في أجسادهم وعقولهم .

فخامة الرئيس غالبية من تتوجهون إليهم ريفيون منهم من يعيش في الأعرشة و الأكواخ ومنهم من يعيش تحت الخيام ينتجع صيفا وشتاء خلف ما تُدّربه أضرع الأبقار والأغنام قد جهلهم الواقع وظلمهم التاريخ ولابد من محاربة جادة لظاهرة التقري الفوضوي والعشوائي وفق خطة شاملة توفر لهم شبكات مياه وطرق وكهرباء ومدارس وإلا فإننا لن نتقدّم إلا الوراء .

فخامة الرئيس إن الذين سيستقبلونكم وعلى آثارهم الراحة ليسوا إلا جماعة من مصاصي الدماء السياسيين لا يمثلون الساكنة ولا يعرفونهم إلا في شاشات التلفزيون وعلى أثير الإذاعة ، الذين يمثلونهم على آثارهم النصب والتعب لما يعانونه ـ نفسيا ـ من تهميش سياسي وإقصاء اجتماعي وظلم اقتصادي منظم ومبرمج طيلة العقود الخمس الماضية وإن لم تقوموا بحملة ضدّ هذا التهميش فإنّ عهدكم لن يكون إلا حلقة في سلسلة السجانين السابقين .

فخامة الرئيس لقد كان الرئيس ـ السابق ـ معاوية ولد سيد احمد الطايع أكثر جمعا من جمعكم وأكثر حشدا من حشدكم قد استغلّ الصحافة والمغنين والشعراء والوجهاء في زياراته التي يكثر فيها العهر السياسي وشراء الذمم فلا يغرنّكم ذلك الجمع والحشد ولا يستهوينكم ذلك المدح والإطراء المقدّم على أطباق المسحوقين والمنبوذين من قبل محترفي الجشع السياسي والطمع القبائلي ، واعلموا أنّ السبب الرئيسي الذي أطاح بنظام ولد الطايع هو غشاء الصحافة الصفراء وسرب الشعراء وقطيع المغنين الذين أوهموه بأنّ الشعب أصبح ـ بفضله ـ يعيش في مدينة الفارابي الفاضلة وإن لم تباشروا هذا الواقع دون هذه الوسائط فإنّ الطريق الذي أوصل معاوية إلى ما أوصله إليه سيؤدي بكم إلى شيء مجهول علما بأنّ أول من سيتبرؤون منكم هو الصحافة الصفراء وشعراء البلاط وماسحي الأحذية من السياسيين .

فخامة الرئيس الشعب باق وأنتم ذاهبون ولن تسجل ذاكرة التاريخ والأيام غير مواقف الأبطال والشجعان فعاملوا جميع الموريتانيين على حدّ السواء كما تعاملون أبناءكم وأقرباءكم دون إقصاء سياسي ولا تهميش قبلي أو جهوي .

فخامة الرئيس الناس عيال الله وهو أرحم بهم من آبائهم وأمهاتهم ولن يكل أمرهم إلى من يستحوذ على أموالهم ويستنزف خيرات بلدانهم فأصلحوا علاقتكم مع الله والشعب واعدلوا في إقامة المشاريع التنموية والبنى التحتية واعلموا أن وراء كل صمت صرخة ووراء كل ليل بهيم فجر يبتسم وصباح يتنفس .

فخامة الرئيس على مستوى الشؤون الإسلامية الناس هناك منهم من ورث هذا الدين عن آبائه وأجداده وما يتشدّق به ـ المتفيقهون ـ أنّ الشناقطة هم مصدر هذا الدين لا وجود له هناك البتة ، الناس هناك حولوا دينهم إلى أوهام وخرافات وعادات وشعوذة ، فكما تشرفون على إقامة المشاريع التنموية يجب أن تشرفوا بشكل مباشر على ما يصلح آخرتهم كما هو معلوم عند فقهاء السياسة الشرعية كالماوردي وابن تيمية بأن دور الخليفة هو سياسة الدين والدنيا معا .

فخامة الرئيس البعثات الرمضانية ـ على ما فيها من دخن ـ لا تذهب ـ إن ذهبت ـ إلا إلى مباني الحكام والولاة لقضاء عطل استجمامية بدل تعليم هذا الدين ، فخصّصوا بعثات رسمية لها إقامة دائمة هناك بدل اصطفاف وتجمهر من ينسبون إلى العلم في مباني معهد ابن عباس ومباني الإذاعة المنقطع بثها عن غير عواصم الولايات .

فخامة الرئيس على المستوى الصحي الناس هناك يدفنون في قبورهم أحياء قد اتخذوا من أوراق الشجر مصدرا لعلاجهم وما وجدوه فيها من استشفاء لم يجدوه في مراكز الاستطباب المزدحمة بالمتدربين في أرواح البشر من خريجي مدرسة الصحة .

فخامة الرئيس هل يعقل ـ طبيا ـ أن يستوي جميع المرضى ’’ الصغار والكبار ، النساء والرجال الحوامل وغيرهن في علاج واحد دون تمييز بين الفوارق العمرية والحالات المرضية في نوعية العلاج ؟ كل هذا وغيره يقع في موريتانيا الأعماق فهل سياستكم ـ الرشيدة ـ الصحية تعلم بهذا أم أن سياسة الفوضى والاستهتار بأرواح المواطنين كتب لها أن تكون هكذا ؟

فخامة الرئيس على المستوى التعليمي الخطط التربوية والأيام التشاورية التعليمية أربكت عقول من كُتب له الذهاب إلى المدرسة من المشرّدين هناك ، ذلك أن التلاميذ في كل فترة يدخلون في خطط تربوية ـ غير مدروسة العواقب ـ انزلقت إلى مستوى أصبح التلميذ لا يعرف هل هو فرنسي الثقافة والعقيدة أم عربي الدين والهوية أم هو هجين بين هذا وذاك ؟

فخامة الرئيس لا بدّ من إنشاء هيئات تفتيشية صارمة في مجال الصحة والتعليم تشرف وبشكل دوري على المرافق التابعة لها لتقدّم نتائج تفتيشها لجهة عليا ذات سلطة قضائية مستقلة لها الحق في معاقبة من ثبت تورطه أو تقصيره في حق المواطنين .

فخامة الرئيس آن لنا أن ننتقل من دولة شيوخ القبائل وماسحي الأحذية من زعماء الأحزاب السياسية إلى دولة المؤسسات الدستورية والقانونية من أجل تحقيق رفاهية المجتمع ونقله من ثقافة الواسطات إلى ثقافة الكفاءات .

فخامة الرئيس إن بلدنا وبشكل جدي يحتاج إلى سياسة توحد كيانه الطبقي والاجتماعي وتزرع فيه الأمل بدل إذكاء جراح الماضي عبر وسائل عمومية تسعى إلى تمزيق هذا الوطن وتفتيته إلى شرائح عنصرية تنظر إلى غيرها نظرة دونية أو استعلائية .

فخامة الرئيس إن المواطن البسيط لا يرغب في أن يكون رئيس حزب سياسي أو دائرة بلدية أو نيابية .... المواطن البسيط يرغب في علاج أبنائه علاجا لائقا وتعليمهم تعليما ذا مردودية ( دنيويا وأخرويا ) والعيش بكرامة في وطن ضحى آباؤه من أجله ...

فخامة الرئيس المواطن البسيط يحتاج إلى أفعال لا أقوال ’’ يحتاج إلى أن يشعر بالمواطنة الحقيقية بدل الشعارات ...

فخامة الرئيس إن اعتماد الدولة على المتقاعدين السياسيين التقليديين وإهمالها للشباب الأكفاء ينمُّ عن شيخوخة الدولة وإفلاسها السياسي فعليكم أن تسعوا إلى مشاركة الشباب في الحقل الإعلامي والاقتصادي والسياسي بدل الاعتماد على عقول تفكر بعقلية خمسينات القرن الماضي .

وحتى لا يفهم كلامي ـ فخامة الرئيس ـ ويحسب على جهة سياسية معينة أو فكرية أقول / مخاطبكم ينتمي إلى هذه القطعة الجغرافية وما تحمله من موروث ثقافي وتاريخي لا ينتمي إلى أي قطيع سياسي أو فصيل فكري يسعى إلى أن يشاهد وطنه ينعم بأمن وسلام مُوحد الهوية ـ دائما وأبدا ـ دون وصاية أو تبعية أجنبية ولكم مني أجمل تحية وأتمنى لكم زيارة ميمونة وعودة حميدة وموفور الصحة والعافية في وطنكم ـ الغالي ـ موريتانيا أرض المنارة والرباط .

10. أغسطس 2013 - 9:27

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا