رئاسة غزواني للأتحاد الإفريقي.. نجاح وتحدي / محمد ولد سيدي

ليس من الغرابة بمكان فوز  _ حتى لا أقول _ تكليف _ موريتانيا بقيادة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني رئاسة الأتحاد الإفريقي وبإجماع دائرة شمال إفريقيا فضلاً عن بقية زعماء القارة. 

والحقيقة أن الخريطة السياسية لكل جهات إفريقيا تسوسها المشاكل الأمنية والإضطرابات السياسية والصراعات البينية والإنقلابات العسكرية وتفكك الأتحادات الإقليمية من الأكواس إلى دول الساحل والمغرب العربي والقرن الإفريقي ومنطقة البحيرات الكبرى. 

ولنفترض جدلاً أن تولي رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني لرئاسة الأتحاد الإفريقي لم يأت وليد صدفة، بل نتيجة لجهود دبلوماسية واسعة النطاق كللت بالنجاح خلف الكواليس قبل أن تترجم على أرض الواقع، جهود مدعومة بعوامل الإستقرار ومتانة العلاقات الدبلوماسية مع كافة بلدان القارة السمراء وبالتالي يأتي تولي موريتانيا لرئاسة الأتحاد الإفريقي للمرة الثانية    كشكل من التقدير وفرض الذات وهذا يعتبر استمرار لمسار إصلاحي بدأ مع عهدة الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز حيث أنهى حقبة اللاحضور بعد عقود من الجمود عاشته الدبلوماسية الموريتانية خلال  ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.

قد تكون الظرفية الحالية التي تولى فيها رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني رئاسة الأتحاد الإفريقي"  أحلك "من سابقتها وأشد منها ضبابية وتعقيداً وأكثر تحديات إلا أن التحديات الموسومة بالخطورة لم تمنع الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز أن يركب الجو الملتهب وينهي الخلاف القائم بين الحركات المسلحة المالية في الشمال والحكومة المركزية في باماكو. 

وفي عز الصراع بين الغامبيين تمكن ولد عبد العزيز من إيجاد حل توافقي بين الفرقاء الغامبيين أدى إلى تنحي ياي جامى ومغادرته البلاد والعيش في منفى اختياري، ولعب ولد عبد العزيز أيضا دورا مهما في حل الخلاف بين الإيفاريين. 

اليوم لم تبق جبهة قريبة أو بعيدة من موريتانيا إلا وبها توترات داخلية أو خارجية وبما أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني استطاع أن يمتص الغليان الشعبي فقرب المعارضة وحافظ على نهج أسلافه بحكمة وتبصر لا شك أن فلسفة اخماد النيران التي سلكها ولد عبد العزيز  قبله سيكون هو الآخر قادر عليها فمن نجح في استئصال غضب الجبهة الداخلية بمقدوره أن يركب  الجو والبحر لينهي صراعات منطقة البحيرات الكبرى وإعادة حكام التمرد على فرنسا إلى مجموعة G5الساحل التي حلت نفسها بفعل إنسحاب قادة مالي والنيجر وبوركينا فاسو منها وبما أن منطقة الساحل لم تكن أحسن حالاً من منطقة دول غرب إفريقيا الأكواس التي تسودها تصدعات وعدوى الإنقلابات فإن الأعين تتجه إلى السنغال اليوم أكثر من أي وقت مضى بوصفها دولة محورية في القارة وتعد من أفضل التجارب المدنية وقدوة للإستقرار والتعايش السلمي فهي اليوم تعاني من توترات سياسية واحتجاجات لم تخلو من العنف نتيجة أزمة دستورية بطلها الرئيس المنتهية ولايته ماكي صال وبما أن موريتانيا تربطها علاقات حسن الجوار وتشترك مع السنغال في منظمة إستثمار نهر صنهاجة وللبلدين جاليات كبرى فإن قائد الأتحاد الإفريقي محمد ولد الشيخ الغزواني سيضع في ألوياته المحافظة على البوابة الجنوبية لما لها من أهمية إقتصادية  وتداخل إثنياتي. 

أما على مستوى العلاقات مع دولة مالي والنيجر وبوركينا فاسو ف....ثلاثتهم نقيض للحكومة الموريتانية على مستوى العلاقات الخارجية فهم ضمن المحور البوتيني الروسي وقد تمردوا على التواجد الفرنسي وطردوا القواعد العسكرية الفرنسية من بلدانهم وموريتانيا أقرب هي إلى المحور الغربي ممثلا ً في الأتحاد الأوروبي  والولايات المتحدة فكيف يكمن التوفيق بين النقيضين  إذا أخذنا بعين الإعتبار تحديات الجريمة المنظمة والإرهاب والهجرة التي باتت تؤرق شركاء موريتانيا الأوروبيين وهم من يعول عليهم في تحريك عجلة الأقتصاد الوطني بالهبات والقروض والخبراء الفنيين،و ظاهرة الهجرة التي هي حديث الساعة مع الأوروبيين ويخشى الموريتانيون أن تكون الإتفاقيات معهم اليوم تحاكي الأتفاق مع الصين وتركيا في مجال الصيد خلال العشرية الماضية ولم تتكشف مخاطرها على الأقتصاد الوطني والساكنة إلا بعد نهاية حكم ولد عبد العزيز .. 

ومن التحديات أيضا حل الأزمة السودانية المعقدة شأنها في ذلك شأن الأزمة الليبية والعلاقات بين عملاقي المغرب العربي المملكة المغربية والجزائر.

كل النجاحات الدبلوماسية تحسب ل...موريتانيا سواء كانت  في عهد المختار ولد داداه أو في عهد ولد عبد العزيز أو في عهد الرئيس الحالي محمد ولد الشيخ الغزواني .

مرة أخرى إن من أذاب الجليد بين الموالاة والمعارضة واستطاع أن يكشف القناع عن فرسان أشداء طالما قارعوا كل الأنظمة وخلقوا لها عديد المشاكل الداخلية والخارجية حتى لكأنهم في بوتقة واحدة مع الموالاة لاشك أنه يمكن أن يقرب المسافات أكثر بين مختلف الخصوم في الدول الإفريقية التي لم تنعم بالاستقرار وتعاني من تدخلات أجنبية. 

 

19. فبراير 2024 - 20:20

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا