يذكر أهل الأدب أن أعرابيا يدعى أبا عمر كان يحب ارتجال الشعر، وكان مرة مع صحبه في البادية فرأى إبلا ترعى نبتين يسميان العرار ،والجثجاث، فقال مرتجلا:
ترعى العرار الغض والجثجاثا ..
وارتجَ عليه ولم يستطع أن يتم البيت فحاول أن يتفادى الإحراج أمام صحبه فقال بسرعة: وأم عمرو طالق ثلاثا وأم عمرو هي زوجته فصار البيت:
ترعى العرار الغض والجثجاثا :: وأم عمرو طالق ثلاثا.
ولما سئل ماذنب ام عمرو؟ قال تعرضت للقافية .
يبدو أن الإسلاميين اليوم يتعرضون لقوافي أقوام متعددين، ارتجّ ببعضهم "الشعر"، وارتجت بأغلبهم السياسة، تجمعهم خصومة الاسلاميين و ارتجاج الشعر، وتفرق بينهم مقاصد كثيرة تصب في نهايتها في مستنقع الحقد و الإقصاء، ولئن سألتهم ما ذنب الإسلاميين قالوا تعرضوا للقافية.
لقد شكلت ظواهر الإلحاد المتتالية التي بدأت في الظهور ، بدء من إحراق الكتب الفقهية، ومرورا بالإساءة للحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، ثم الاعتداء على العلماء و تدنيس المصحف، ضربة لنظام الجنرال محمد ولد عبد العزيز الذي وصفه مصفقته برجل القرآن وأمير المؤمنين.
شكلت تلك الأحداث ضربة في الصميم، ليس لكونها وقعت في ظل هذا النظام "الإسلامي" فحسب ، بل لكون النظام وقف في أغلب هذه الأحداث مع مرتكبيها، عدا حرق الكتب فقد ركب موجتها لتنقذه من سهام المعارضة، حتى إذا أمن من سهامها،نسي النظام تطبيق الشريعة وأطلق سراح المتهمين، وطفق صاحبها يجول الأرض طولا وعرضا ، ويحصد الجوائز.
ولئن كان مستغربا وقوف النظام الموريتاني متفرجا على موجة الإلحاد هذه ، فإن وقوف بعض الفقهاء مع النظام و جلب المبررات له ، بتجاهل هذه الأحداث أولا ، ثم استسهال قتل المنتفضين ثانيا نصرة للمصحف الشريف أشد غرابة و أكثر وقعا على القلوب، ممن ينتظر منهم قيادة لمثل هكذا حراك.،ينتصر للمقدسات الإسلامية.
تبدو تجربة الضرب بالمليان التي أسسها علي جمعة مفتي الديار المصرية سابقا،وأفتى فيها بقتل المعتصمين بميدان رابعة العدوية و النهضة في مصر قبل عدة أشهر، تبدو تلك التجربة مغرية جدا لبعض فقهائنا الأجلاء، مع اختلاف بسيط في الزمان و المكان و المناسبة، فقد نسب إلى أحد الفقهاء في الأسبوع الماضي قوله إن من يُسير المسيرات ليلا دون إذن من النظام فدمه هدر، وينسب إلى آخر أن القصر الرئاسي مكان حساس، لا يقصده إلا طالب للرئاسة أو للموت!.
كان على الفقهاء حفظهم الله ورعاهم أن ينتبهوا لما يريد النظام جرهم إليه، وهو قذفهم إلى الواجهة دون سند من الحقيقة أو غطاء من الصواب، و كان عليهم أن يصونوا العلم الذي في صدورهم من أن ينتصر لظالم أو فاسد.
ولو أن أهل العلم صانوه لصانهم..ولو عظموه في النفوس لعظما.
إن ما أقدم عليه النظام من إغلاق لجمعية المستقبل للدعوة والثقافة و التعليم و مستشفى النور و المعهد الإسلامي لتعليم البنات هي محاولة بائسة لوأد الحق، و تجفيف منابع الدعوة الإسلامية بالدرجة الأولى، قبل أن تكون استهدافا لتيار إسلامي موريتاني عريق عرف على مدى تاريخه بالوسطية و الاعتدال.
يذكر تبرير وزارة الداخلية الذي نشرته بعد إغلاق جمعية المستقبل، بتبرير الذئب الفائت:
وكان كذئب السوء إذ قال مرة ... لعمروسة والذئب غرثان مرمل
أأنت التي من غير ذنب شتمتني ... فقالت: متى ذا؟ قال: ذا عام أول
فقالت: ولدت الآن بل رمت غدرة ... فدونك كلني لا هنا لك مأكل
إنه من المستغرب أن تغلق المؤسسات الإسلامية التي تنشر الإسلام الوسطي، و تدعو الناس إلى دين الله عز وجل، في الوقت الذي يترك فيه الحبل على الغارب للمنظمات التنصيرية تنشر فكر الإلحاد بكل حرية ، دون أن يشكل ذلك "تأثيرا مفزعا" للدولة.
إن جمعية المستقبل هي جمعية موريتانية تنشط في المجال العلمي والدعوي و الثقافي بموريتانيا ، و تهدف لجملة من الأهداف من بينها ، القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،و نشر العلوم االشرعية والنهوض بالتعليم المحظري،و الإسهام في إصلاح التعليم النظامي وفق رؤية ملتزمة، بالإضافة إلى إحياء التراث الإسلامي لهذا البلد والتعريف به وبأعلامه.
وكذلك الإسهام في إصلاح المجتمع وتربية الشباب تربية إسلامية متوازنة، و المشاركة في تقديم البديل الإسلامي في مختلف المجالات الفكرية والثقافية،و تعزيز الوحدة الوطنية وإصلاح ذات البين.
إن الذين يحملون مشاعل الإيمان في قلوبهم هم صفوة الصفوة من المؤمنين، وهم أحق بأن تفتح لهم المنابر و القنوات لنشر العلوم الشرعية و الفكر الإسلامي الوسطي الذي يؤمن بالله ولا يكفر بالإنسان.
كان على السلطات الموريتانية أن تكرم جمعية المستقبل على جهودها الدعوية الرائدة ، و تكرم مستشفى النور على جهوده الصحية ذات التأثير الكبير، وتكرم المعهد الإسلامي للبنات على جهوده التربوية التي تخطؤها العين، بدل إغلاق كل هذه المؤسسات وحرمان الناس من خدماتهم.
إن الدخول في مواجهة مع الإسلاميين لا يخدم غير أعداء هذا الوطن، الذين يسعون إلى تدميره ، وهو كذلك لا يخدم النظام القائم وله في سلفه السابق عبرة لمن أراد أن يعتبر، و العاقل من اتعظ بغيره.