حتمية زوال إسرائيل...المسلَّمَات والمدَعِّمات / الشيخ أحمد بن البان

يرى المفكر المصري الراحل عبد الوهاب المسيري أن هجرة اليهود إلى أرض فلسطين في بداية القرن التاسع عشر في جوهرها تصدير من الدول الأوروبية لإحدى مشاكلها الاجتماعية المزمنة (المسألة اليهودية) إلى الشرق، قد تبدو الفكرة صادمة لأول وهلة،

 وذلك حين يفهم منها تحييد البعد الديني عن الصراع، أي أنه وُظِّف لاحقا ولم يكن الدافع الأول. ـ مع أن فكر المسيري قائم على عكس ذلك ـ.
يستدعي منا قبول تعليل وجود الكيان الإسرائيلي بسبب كهذا الشطب على ذاكرة مفعمة بـ"بروتوكولات حكماء صهيون" ومؤتمر بال في سويسرا ونصوص التلمود المتعلقة بدولة إسرائيل الكبرى، وكذا بالنسبة لنا كمسلمين على تأويل متواتر لنصوص قرآنية ونبوية تتحدث عن صراع إسلامي يهودي في أكناف بيت المقدس، في الحقيقة لا يمكننا فكريا ولا عاطفيا ولا تاريخيا شطب تلك الذاكرة من الحساب، ولكننا يمكن أن نؤسس على هذا مسلمة اجتماعية هي أن إسرائيل كيان مستنبت.
هي مسلمة تبدو في صياغتها سطحية ومبتذلة إلى درجة الإسفاف، لكنها عند مناقشة لازم معناها تنهض كخلاصة فكرية، الاستنبات يعني استجلاب بذرة وزرعها قسرا في رحم أرض ليست لها، مثل زراعة الموز في الصحراء، يحتاج النوع المستنبَتُ إلى ظروف اصطناعية تناسب ظروفه الأصلية كي ينمو، يكلف إيجاد هذه الظروف عادة استمرار الإنفاق ليستمر وجود المستنبَت، لذلك يعتبر الاستنبات زراعة ترَفيَةً، كما يعني الاستنبات الضعف الذاتي والاستقواء بعوامل خارجية، ا أظن المفهوم أصبح الآن أرقى من مستواه المتداول.
يستعيد الحديث العاطفي عن زوال دولة إسرائيل حماسَه هذه الأيام، بناء على القدرة العالية والمنظمة التي كشفت عنها فصائل المقاومة في الوسيلة والتكتيك، والتي كبدت الجيش الإسرائيلي خسائر بشرية أكثر من خسائره في كل الحروب التي خاضها بدءً بحربه مع الجيوش العربية سنة 48 وانتهاء بحربه مع حزب الله 2008، ولا يشك أحد في أهمية هذه المعادلة العسكرية المفاجئة ولا في الأثر الذي ستتركه على بعض تفاصيل طبيعة الصراع ومستقبل العلاقة بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة، بين المستوطنين والسكان الأصليين، هو إحدى المتغيرات المهمة ولكنه سُنَنِيا (استراتيجيا) ليس علامةً دالةً على قرب زوال إسرائيل، إذ لا يعدو كونه كسب جولة من المعارك وليس حسما عسكريا نهائيا.
إن حتمية زوال الكيان الإسرائيلي تبشر بها نصوص شرعية وتدعمها معطيات واقعية، يمكن هنا أن نطبق النظرية الماركسية التي تقول إن كل ظاهرة تولد وهي تحمل معها بذرة موتها، هذا ما ينطبق تماما على إسرائيل، إنها تحمل في كيانها فيروس النهاية، وهو الضعف الأصلي الناجم عن (الاستنبات)، يمكن أن نوضح هذه الفكرة عبر مسارات عدة.
اليهود وانقطاع الحبلين
تواترت النصوص القرآنية على أن بني إسرائيل أمة ذليلة لا تمتلك مقومات ذاتية للنهوض، لابد لها من عماد وسند،(ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ)، قال الرازي في تفسيره:(...الثالث: أن المراد من هذه الذلة أنك لا ترى فيهم ملكا قاهرا ولا رئيسا معتبرا ، بل هم مستخفون في جميع البلاد ذليلون مهينون).
ثم إن تعايشهم الطويل مع الذل ـ كما يقول سيد قطب ـ ولّد فيهم نزعة من القسوة والحقد:(...لقد عاش بنو إسرائيل في هذا العذاب طويلاً؛ عاشوا في ظل الإرهاب؛ وفي ظل الوثنية الفرعونية كذلك، عاشوا يقتل فرعون أبناءهم ويستحيي نسائهم، فإذا فتر هذا النوع البشع من الإرهاب الوحشي، عاشوا حياة الذل والسخرة والمطاردة على كل حال، وفسدت نفوسهم؛ وفسدت طبيعتهم؛ والتوت فطرتهم؛ وانحرفت تصوراتهم؛ وامتلأت نفوسهم بالجبن والذل من جانب، وبالحقد والقسوة من الجانب الآخر.. وهما جانبان متلازمان في النفس البشرية حيثما تعرضت طويلاً للإرهاب والطغيان)، ولعل هذا يفسر في جانبه الآخر بعضا من سلوك الجيش الإسرائيلي اليوم وهو يتبجح بقصفه الأطفال والنساء العزل.
انقطع عنهم حبل الله منذ آماد طويلة وظل اليهود خلال تاريخهم الطويل كتلة اجتماعية مُلحَقةً بمختلف الحضارات بما فيها المسلمون، حديثا اعتمدت إسرائيل في وجودها واستمرارها على حبل الناس، أمريكا والدول الأوروبية، بل وتمكن اللوبي الصهيوني من بناء أجهزة خفية لإدارة ذلك الحبل/الحلف، الذي رأى لاحقا أن يجعل من إسرائيل أيضا قاعدة عسكرية أطلسية غربية استراتيجية في عمق العالم العربي والإسلامي.
لقد ظلت إسرائيل وما تزال توسع استيطانها وتبني ترسانتها العسكرية وتتمدد دبلوماسيا قسريا في دول العالم بواسطة الأدوات السياسية والعسكرية والاقتصادية واللوجستية لدول الغرب وخصوصا الولايات المتحدة التي أنفقت رسميا على إسرائيل منذ العام 1973 وحتى 2003 حوالي 1,6 تريليون دولار أي ضعف ما أنفقته طيلة حربها في فيتنام، هذا دون القروض المدعومة وكذا ما تجمعه المنظمات اليهودية في أمريكا وأوروبا وغير ذلك.
منذ سنوات عديدة؛ ارتفعت في الولايات المتحدة أصوات تطالب الساسة الأمريكيين بإعادة النظر في العلاقة مع إسرائيل وبالفصل بين سياسة أمريكا الخارجية ومصالح الكيان الصهيوني، وزاد ذلك بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث اطلع الرأي العام الأمريكي على أن سياسة أمريكا في فلسطين إحدى أهم الغدد التي تفرز كُرْهَها في نفوس العرب والمسلمين عليها.
صحيح أن هذه الأصوات يتم قمعها إعلاميا بالتشويه والتشهير، وقصة الصحفية الأمريكية الراحلة هيلين توماس شاهد صدق، لقد ألغت إحدى المدارس في ضواحي واشنطن دعوتها وتخلت عنها الوكالة التي كانت تعمل معها بعد تصريحات مناهضة لإسرائيل، لقد قاد اللوبي الصهيوني ضدها حملة تشويه قادتها إلى البيت بعد 60 من العمل في مقدمة الصحافة الأمريكية.
لا جَرَم أن تلك الأصوات ليست مؤثرة عمليا لحد الساعة، ولكن الحقيقة أن أجيالا جديدة من الأمريكيين والأوروبيين لا تملك نفس العاطفة التقليدية تجاه إسرائيل، وهو ما يجعل تلك الأصوات ستجد ترجمتها العملية في قابل السنوات القليلة القادمة، لتبقى إسرائيل بلا حبل من الناس.
الملاحظة الثانية التي تؤشر على رثاثة الحبل/الحلف الغربي الذي تتمسك به إسرائيل الآن هو أن الغرب أصبح يدعمها لأهداف أخرى ليست السعي لاستمرارها دولةً دينية، القضية الفلسطينية الآن آخذة في التحول، لم تعد فلسطين بالنسبة للساسة الغربيين هدفاً للصراع بل أصبحت ساحتَه فقط، وبين الاثنين فروق كبيرة، منها الفرق بين الغاية والوسيلة، في المؤدَّى لا يمكنك أن تتخلى عن الغاية، ستوظف كل الوسائل من أجل تحقيقها، كما لا يمكنك أن تتمسك بوسيلة لم تعد تقربك من الغاية.
الصراع الآن على تثبيت القاعدة العسكرية الإسرائيلية الغربية الأمريكية في الشرق من أجل استمرار الهيمنة الغربية على دول مركزية كمصر ونفطية كالسعودية مثلا، المعركة اليوم التي يخوضها الغرب في فلسطين هي معركة لوأد كل حركات التحرر والنهوض أي ثورات الربيع العربي، وليس تثبيت دولة لليهود في أرض الميعاد، غزة وإسرائيل مجرد رمزين لصراع حضاري ـ استراتيجي.

من امبراطورية إلى جدار
كان بناء دولة إسرائيل الكبرى بأرض الميعاد هو الحلم والدعاية الدينية اليهودية التي واكبت هجرات اليهود الأولى إلى فلسطين، وهي دولة تمتد من الفرات إلى النيل حسب ما تقول الأدبيات الصهيونية المستمدة من العهد القديم.
رغم أن هذه الفكرة ما تزال لازمة ثابتة في خطاب اليمين المتدين في إسرائيل، ورغم أنها ما تزال مسطورة في الكتب المدرسية الإسرائيلية ويكررها التلاميذ الإسرائيليون في طابور الصباح ضمن أناشيدهم الوطنية، إلا أنها واقعيا أصبحت مجمَّدة بفعل عوامل عديدة أبرزها الخطر التصاعدي للمقاومة الفلسطينية منذ الانتفاضة، والذي توج 2004 بانسحاب إسرائيل من قطاع غزة وتفكيك بعض المستوطنات في الضفة وبناء الجدار العازل.
لا ريب أن الجدار لا يمنع من التوسع إذا استمرت إرادته ولكن بالمقابل لا أحد يجادل في أن بناءه يمثل تراجعا في مستويات استراتيجية وايديولوجية لدولة إسرائيل الكبرى، وذلك ما فطن له اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي عارض وزراؤه حينها قرار بناء الجدار معتبرين أنه قرار انهزامي وأنه يضع حدا لدولة تأسست على أنها بغير حدود معروفة، وهو ما يزال يمنعها من وضع دستور نظرا لأن الدساتير تفرض ترسيم حدود للدولة، هذا يحيل في أدني دلالاته إلى فكرة الاستنبات السابقة، أي أن إسرائيل ـ وهي كذلك ـ شعب بلا أرض.
فكرة بناء الجدار يمكن تصويرها كاركاتيريا بلص دخل مجمعا سكنيا وبينما هو يجمع أغراض سكانه تم اكتشافه، ولما بدأ أهل الحي في مطاردته احتمى بإحدى الشقق وبدأ يرشقهم بمسدسه، نفسيته التي يعيش بها لحظات الدفاع عن نفسه لا تحمل أي شيء من ملامحه نفسيته الطامحة لسرقة نفائس الممتلكات قبل دخول المجمع، هكذا إسرائيل الآن، هي في وضعية السارق بعد اكتشافه، يرى أن الإياب بسلام أكبر غنائمه.
يمثل مشروع الشرق الأوسط الكبير محاولة غربية يهودية لإطالة عمر إسرائيل التي أصبحت مهددة بمُخرَجَات المخاض السياسي الثوري الذي يتخلَّق بعنف في دول الطوق، يهدف مشروع الشرق الأوسط الكبير لتفكيك دول المنطقة وإعادة تشكيلها من جديد على أساس طائفي قائم على العداء الديني المتبادل، يسمح لإسرائيل بعقد تحالف استراتيجي مع بعض أطرافه ـ معروفة تلك الأطراف ـ، تتحالف إسرائيل الآن مرحليا مع قوى الثورة المضادة، لكنها تعول في النهاية على الشرخ الطائفي الذي تسعى لتجسيده في مشروع إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط.
إن هذا المشروع يمثل اعترافا عمليا بنهاية حلم دول إسرائيل الكبرى بل يمثل إعلانا عن الخطر الحقيقي الذي تواجهه دولة إسرائيل الصغرى، التي أصبحت بين فكي كمَّاشَة وشيكة العَضِّ؛ تتمثل في خسارة تحالفها الاستراتيجي مع دول المنطقة التي تنذر السنوات القادمة بسقوطها في يد حكومات عندها استقلال في القرار وشخصية حضارية ملتزمة، كما تتمثل في استمرار تطور القدرات العسكرية للمقاومة التي غدت كل الأرض المحتلة هدفا لصواريخها وأنفاقها الخطرة، كما أصبحت قادرة على فرض حصار جوي على مطارات إسرائيل.
كل هذه المؤشرات تبشر بالنهاية الوشيكة لدولة إسرائيل الصغرى، أما حلم الدولة الكبرى فقد انتهى عمليا، لقد تحول إلى نشيد حزين يبكيه ولا يبشر به.


الرحيل أو البقاء الـمُشْتَرَى باهظاً
قال عبد الوهاب المسيري رحمه الله في أكثر من مناسبة أن نهاية إسرائيل ستكون من داخلها، وان الهجرة ستكون أحد العوامل الرئيسة لانهيار الكيان الإسرائيلي، تزداد عملية الهروب الكبير ـ كما سماها أحد المحللين ـ  تناسبا مع نكاية المقاومة وقدرتها على قض مضاجع المستوطنين، لذلك ظلت في نسبها في ارتفاع منذ انتفاضة الأقصى، مما يمكن معه الحديث عن "نزوح اختياري" داخل المستوطنات إسرائيل.
الجيل الجديد من اليهود لديه دوافع للهجرة إلى إسرائيل وعوامل جذب يأتي في مؤخرها المشاركة في استمرار دولة إسرائيل، وفي أولها الحصول على امتيازات وعقد عمل ومستوى من الرفاهية والسياحة، إنه جيل لا يريد الموت من أجل إسرائيل، بل يريد العيش بترف في إسرائيل، لذلك حينما أصبحت المقاومة تهدد حياته سارع في حزم أمتعته وقرر الرحيل.
تشير أرقام الهجرة في آخر تقرير أعلنته دائرة الإحصاء المركزية في الكيان الصهيوني هذا العام 2014 إلى زيادة نسبة المهاجرين من إسرائيل على نسبة الوافدين إليها وإلى اطراد تلك الزيادة منذ 2003، وتعرض لأسباب هذه الظاهرة المقلقة لساسة الكيان الصهيوني والملخصة في سببين، الأوضاع الأمنية والأوضاع الاقتصادية، وقد توقعت دائرة الإحصاء أن لا يزيد عدد اليهود المهاجرين إلى غسرائيل هذا العام 14 ألفا في الوقت الذي يزيد فيه عد المهاجرين عنها على 20 ألف يهودي.
هذه الأرقام المقلقة دفعت إسرائيل لوضع سياسات تثبيت واستجلاب، لكن ما ستكلفه تلك الإجراءات الاحترازية من الهزيمة الديمغرافية يبدو غير قابل للتنفيذ ماديا من ناحية، وغير كاف لإقناع المستوطنين بالبقاء ما دامت أرواحهم مهددة كل وقت بالخطر، (الحياة لا تشرى بثمن) شعار يعرف اليهود معناه جيدا، وهم أحرص الناس على "حياة".
إن على إسرائيل اليوم أن ترافق كل مواطن إسرائيلي بـ"فريق تثبيت" يتألف من جندي مدجج بالسلاح وإعلامي يشرح له ما يجري وفق رؤية محددة، ورجل دين يستنهضه بنصوص العهد القديم، إضافة إلى حساب مفتوح يضمن له رفاهية عالية تنسيه الشعور بـ"فوبيا المقاومة"، إنها تكلفة باهظة وغير ممكنة ولكنها هي الخيار الوحيد، مع أنه لا يضمن بقاء المستوطنين في إسرائيل.
انتبهت إسرائيل إلى إشكال الديموغرافيا مبكرا ولكنها لا تمتلك وسائل ضامنة للتحكم فيه، وهي التي وضعت هدفا لبقاء نسبة اليهود في فلسطين 48 أكثر من نسبة 90% من السكان، أحسن وسائلها في هذا المجال هو ما يسمى بـ(الترانسفير)، أي تهجير العرب من أراضيهم، وهي سياسة شبيهة في شكلها بالسياسات التي ينتهجها المستبدون في آخر أيامهم، لأنها من نتاج الذهن المكدود حين تضيق أمامه خيارات الإنقاذ، انتهجها فرعون ومن جاء بعده، هي سياسة تؤكد نظرية الزوال الوشيك.
جيل النصر وجيل الهزيمة
أطر الشهيد الشيخ أحمد ياسين نظريته في زوال إسرائيل بأفكار أصيلة في فقه التدافع الحضاري؛ منها فكرة "جيل النصر وجيل الهزيمة"، يرى الشيخ الشهيد أن الجيل اليهودي الذي أشرف على زرع الكيان الصهيوني في قلب فلسطين كان جيلا متدينا أكثر من الجيل العربي الذي حاول منعه من ذلك، لذلك لم تستطع الجيوش العربية مجتمعة مواجهة عصابات الهاجانا اليهودية، هزمت شر هزيمة أكثر من مرة.
حينها كان الجندي الإسرائيلي يريد استعادة أرض إسرائيل الموهومة من خلال التوارة، ويخبئ نسخا منها في جيبه، وفي جيوب دبابته، بينما كان الجندي العربي يريد أن يقيم نهضة عربية بدون القرآن الذي يعتبره عائقا في طريق التقدم، بحسب أحمد ياسين فإن إسرائيل ستزول بعد عمر جيلين كاملين، أي بعد 80 سنة من قيامها، حسب الشيخ فإن الجيل الثاني هو جيل الانتفاضة بالنسبة للمسلمين وجيل التراجع بالنسبة لإسرائيل، الجيل الثاني هو من سيغير المعادلة.
جيل الهزيمة العربي هو من تمثله الآن الثورة المضادة والمتصهينين العرب، هو جيل تربى على الخنوع، وعاش فترات عرامة سطوة الغرب على العالم الإسلامي فكريا وسياسيا وحضاريا، يمكن هنا أن نستعير نظرية توينبي في فلسفة التاريخ لدراسة واقع الجيلين، بالنسبة لجيل الهزيمة/النكبة كان تحدي الحضارة الغربية والعصابات اليهودية ميدانيا أقوى منه، كان تحديا مميتا فانهار أمامه، أما جيل الانتفاضة فكان بالنسبة له تحديا خلاقا، أي محفزا على المغالبة، لذلك واصل المقاومة، في فلسطين قاوم المحتل بحنكة واستبسال، وفي العالم العربي الآخر قاوم الاستبداد ومشاريع الهيمنة الثقافية الغربية.
المتغير المهم في مستقبل الصراع هو أسلمة القضية الفلسطينية، وليس أَخْوَنَتَهَا، أخونة القضية الفلسطينية هو المفهوم الذي تسعى قوى الثورة المضادة اليوم لترسيخه، صحيح أن الإخوان المسلمون بعناوينهم السياسية والعسكرية اليوم هم أبرز الأذرع الذابَّة عن القضية الفلسطينية والمثخنة جراحا في الكيان الصهيوني، ولكن نجاحهم في أسلمة القضية الفلسطينية؛ وفي جعلها قضية أمة بل قضية عالم كان أكبر مكسب حققوه لفلسطين.
إن مسجدا مقدسا لا يمكن أن يكون الصراع حوله إلا قضية دينية، إنه لمن السخف السياسي والغفلة التاريخية أن يظن البعض أن الأقصى كمقدس ديني يمكن أن يحرر بأيادي وأدوات علمانية، لذلك ظلت القضية الفلسطينية تراوح مكانها حتى تم إدخال البعد الديني إليها، أي حتى بدأت المقاومة تأخذ معنى الجهاد وأدبيات المجاهدين، حينها بدأ العد التنازلي لإسرائيل.
في المنتهى. تلك العناوين الكبيرة في مستقبل كيان لا يمتلك مقومات البقاء، إنه مثل إنسان يعيش بالأقراص والحقن العلاجية، في اليوم الذي ترتفع فاتورة علاجه على قدراته الشرائية سيأتيه الموت، وإن فاتورة تمديد عمر إسرائيل أصبحت باهظة بدرجة لا تطاق، لا أعتقد أن الغرب وأمريكا خصوصا ستظل تنفق على هذا الكيان الذي تزيد تكاليف استمرار حياته يوما بعد يوم، كما لا يستطيع ذلك المستوطن أن يضع حياته المهددة في كفة واستمرار كيان إسرائيل في كفة، ثم يختار غير حياته ولتذهب إسرائيل بعد ذلك إلى الجحيم.

3. أغسطس 2014 - 16:41

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا