القطاع بالأرقام
يلعب القطاع الريفي بشقية الحيواني والزراعي دورا هاما في الاقتصاد الوطني ،حيث يساهم بحدود 17 % من الناتج الداخلي الخامPIB ،إلا أن المساهمة الأكبر بحدود 80 % تعود لقطاع الإنتاج الحيواني المشغل الأكبر لليد العاملة في البلاد.
تملك موريتانيا ثروة حيوانية كبيرة تقدر 2.9 مليون من المجترات الكبيرة ،و13 مليون من المجترات الصغيرة وهو ما يساوي 3.5 مليون وحدة حيوان مدارية UBT وان كانت هذه التقديرات تحتاج إلي الدقة بشكل كبير.
يقدر إنتاجنا السنوي من الحليب ب422000 طنا من الحليب بينما يستهلك الموريتاني 0.46 كغ حليب لليوم في حين نستورد منتجات ألبان تقدر ب150 مليون دولار سنويا.
يقدر إنتاجنا السنوي من اللحوم ب67000 طنا، بينما يقدر استهلاك الموريتاني السنوي من اللحوم ب19 كغ ،يقدر الإنتاج من الجلود ب1.8 مليون من جلود المجترات الصغيرة و78000 من جلود الأبقار.
تعد البلاد بلدا رعويا بامتياز نظرا للظروف المناخية السائدة والتي تقلل من انتشار النواقل الحشرية ،أحد أهم العوامل المحددة لنمو وازدهار قطعان الماشية،كما أن منمينا يملكون خبرة في إدارة المراعي الطبيعية ترقي لأن تكون إرثا إنسانيا تجب صيانته وحفظه.
إشكالية القطاع
لقد كانت نسبة امتلاك الفرد الموريتاني للماشية الأعلى عالميا، قبل عقد السبعينات ،حيث كان القطاع هو العمود الفقري للاقتصاد الوطني، فمنتجاته كانت تثمن بشكل كبير ،لكن الهجرة إلي المدينة أخلت بالتوازن الديموغرافين، بحيث ظلت أنظمة الإنتاج تقليدية ،بينما أصبح معظم الموريتانيين في المدن ليعجز القطاع عن توفير حاجات المجتمع خصوصا من الألبان.
إن أنظمة الإنتاج التقليدية السائدة والمعتمدة علي إنتاجية المراعي الطبيعية،لم تعد قادرة علي تلبية احتياجات القطاع نظرا للخلل الناتج عن الضغط علي المراعي الطبيعية ،سواء كان بسبب الجفاف أو كثرة قطعان الماشية ،حيث أن تحسن الصحة الحيوانية أخل بالتوازنات الطبيعية القديمة ،مما أدي إلي عجز الإنتاجية الأولية عن توفير احتياجات قطعاننا والمقدرة ب 8.7 مليار وحدة علفية UF الأمر الذي أجبر المنمين علي إدخال مكملات غذائية وهي في الغالب أعلاف مركزة في الفترات الصعبة أي أشهر الصيف حيث تتدني قيمة المراعي الغذائية أو تنعدم أساسا.
شكل هذا الخلل مشكلة كبيرة للقطاع بحيث تحول من قطاع إنتاجي يسهم بدور كبير في الاقتصاد الوطني إلي قطاع أعرج يعيش بفضل أموال دافعي الضرائب الفقراء ،فقد أدمن علي الأعلاف المركزة المدعومة والتي تكلف الخزينة أموالا طائلة ،وبالتالي لم يكتف بان يكون وسيلة للتهرب الضريبي بل أصبح مصدرا للحصول علي الدعم المجاني.
إن أعداد القطعان الكبيرة والضعيفة الإنتاج ،لم توفر الحليب للبلد ، فالمنمي يعيش حلقة مفرغة فحيواناته تسمن في ثلاثة أشهر وتعيش في حالة كفاف لمدة أربعة أشهر وتصاب بالهزال هذا إن لم تنفق خلال خمسة أشهر، وهكذا تستمر الدورة العبثية.
المقاربة الاستعمارية
ظل قطاع التنمية الحيوانية حبيس مقاربة استعمارية اختزلت جهود التنمية في القطاع في تقديم طعوم جاذبة ،كبعض العلاجات واللقحات، الأمر الذي مكن المستعمر من التأثير علي المجتمع قاطبة ،باعتبار أن التنمية الحيوانية هي السائدة ،والمنمي لا يعتقد انه قد يحتاج سوي للرعاية الطبية لقطيعه ،مما أتاح ورقة رابحة للمستعمر الفرنسي فانشأ مصالح للتنمية الحيوانية ،لكنها لا تقدم سوي خدمات بيطرية.
بقيت السياسات الوطنية ذات الصلة تتبع نفس المقاربة ،حيث اقتصر دور الدولة علي توفير ما تيسر من الخدمات الصحية دون أن تكون هنالك رؤية شمولية لتطوير القطاع كسائر القطاعات الأخرى وتجسد ذلك في:
غياب منظومة قرض مما شل قدرة المنمين علي الاستثمار فلا يمكن تصور تطور قطاع دون نظام قرض؛
إهمال مستثمري القطاع وغياب محفزات الاستثمار؛
إهمال القطاع لصالح قطاع الزراعة المروية فمعظم المشاريع والتمويلات تتجه إلي الأخير دون وجود مسوغات منطقية يمكن الركون إليها؛
الاعتماد علي أنظمة الإنتاج التقليدية مما يمنع أي إمكانية للتكثيف أو تثمين منتجات القطاع؛
عدم الاهتمام بتحسين السلالات الوطنية مما شل القدرة التنافسية للقطاع.
قطاع التنمية الحيوانية بعد محاولة الإنصاف
أخيرا قررت السلطات العمومية إنصاف القطاع ،وتجسد ذلك في:
1- إنشاء صندوق الإيداع والتنمية ،والذي يضع فلي أولوياته تمويل المنمين ،كما أن منظومات قرض أخري قد تري النور قريبا؛
2- إن إنشاء وزارة خاصة بالتنمية الحيوانية وان كانت هيكلتها تعكس تقاسم النفوذ أكثر من كونها استجابة لاحتياجات القطاع؛
3- الاستعداد لإجراء إحصاء لماشيتنا فلا احد يعرف الآن عدد قطعاننا ،مما قد يسمح من ضمن أمور أخري بوضع نظام جباية للضرائب لتطهير القطاع؛
4- إنشاء مزارع للتحسين الوراثي:
يعد التحسين الوراثي خطوة هامة علي طريق تنمية القطاع ،فإيجاد سلالات وطنية متخصصة وعالية الإنتاج سيسمح بظهور أنماط إنتاج تكثيفية ضرورية لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الحليب ،لكن ذلك المسار يجب أن يكون داخل مراكز البحوث ويحترم بروتكولات صارمة ،فالعبث بالمخزون الوراثي الوطني قد يسبب كوارث لا تحمد عقباها لذلك علي الوزارة الوصية أن تعيد تقيم ذلك المسار في ضوء الأسئلة التالية:
- هل تم اختيار السلالات الأجنبية بعناية وهل كان ذلك حسب المسطرة الفنية المتعارف عليها وما هي الجهة المخولة بالمصادقة علي ذلك؟؛
- هل تم انتخاب سلالتنا المحلية بحيث نستخدم الحيوانات ذات الإنتاج ألأعظمي؟
- كيف يمكن اعتبار ماشية المريبين كحيوانات تجارب في ظل التسرع بتلقيحها قبل دراسة النواتج؛
- هل تمكن السيطرة علي المخزون الوراثي المدخل وهل هنالك حدود لذلك ؛
- ما هي النسبة المثالية للحيوانات المهجنة وهل تم التفكير في كيفية توفير الأعلاف المالئة لها خصوصا أن كفاءتها في استغلال المراعي الطبيعية ستكون ضعيفة؟؛
- ما هي آلية الحماية المتبعة لمنع اختفاء المخزون الوراثي الوطني؟.
هنالك بلدان تعض أصابعها اليوم ندما، لأنها وببساطة فرطت في مخزونها الوراثي ،وهو عطب لا يمكن إصلاحه ، ونرجو أن لا نكون مثلها خصوصا أننا نعتمد علي هذا القطاع بشكل كبير.
سيكون علي صناع القرار مراجعة برنامج التحسين الوراثي في أسرع الآجال لأنه يشهد اختلالات خطيرة جدا.
5- إنشاء مصنعين لإنتاج الألبان في النعمة وبوغي:
من المقرر إنشاء مصنع لإنتاج اللبن المبستر والمعقم بطاقة إنتاج يومية تقدر ب30000 لترا في مدينة النعمة، ترفده ثلاث وحدات للاستقبال والتجميع في مناطق متفرقة ،تم تمويل المركب بقرض من المصرف الهندي EXIM Bank يبلغ 15,2 مليون دولار.
انصح القائمين علي المشروع بالاستفادة من التجارب المستقاة من منتجي الحليب الخصوصيين والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
- صعوبة توفير الحليب خارج فصل الخريف فالمصانع الخصوصية لم تستطيع العمل بنصف طاقتها بالرغم من أنها تملك مراكز استقبال في لبراكنة والترازة وفي ظل انتشار أنماط إنتاج شبه تكثيفية تعتمد علي نواتج الزراعة مما يعني أن مصنع النعمة لن يستطيع توفير احتياجاته من الحليب خارج فصل الخريف.
- ارتفاع مستوي مكروفلورا الحليب نظرا لعدم احترام المنمين لشروط النظافة والوقاية أثناء الحلابة ونقل وتداول الحليب مما يزيد من صعوبة تصنيعه.
- ضرورة قيام المركب بعملية التسويق بنفسه لتقليل التكاليف والمحافظة علي نوعية المنتج خصوصا للحليب المبستر،درس تركته شركة سلام أول مصنعي الحليب في بلادنا.
- فشل أول لبن معقم وطني (دنيا) والمصنع شراكة بين ألبان تفسكي وشركة كانديا
- فشل تجارب إنتاج حليب الإبل المعقم وضعف منافسة المبستر، فالمستهلك مستعد لدفع ألف أوقية ثمنا للتر لبن الإبل الطازج، لكن عندما يصنع يفقد تلك الميزة لديه؛
- ضرورة قيام المصنع بتنظيم وتكوين موردي الحليب؛
- سيحتاج مصنع بوقي لمعجزة للحصول علي الحليب في ظل توفر مركزي استقبال لشركتين خصوصيتين تتنافسان الآن بشدة.
6- ظهور استثمارات خاصة علي صورة مركبات كبيرة لإنتاج الدواجن:
يشهد قطاع الدواجن قفزة نوعية فانتشار المداجن شبه التكثيفية ،يعم كامل التراب الوطني ،مما دفع المستثمرين الخصوصيين إلي إنشاء ثلاث مفاقس توفر 110000 صوص أسبوعيا ،بعد أن كانت تستورد من الخارج ،كما أن الإنتاج من اللحوم البيضاء ارتفع بشكل قياسي مع بناء وحدات لإنتاج الأعلاف.
تتسم شعبة الدواجن اليوم في بلادنا بالقوة والمتانة ،حيث أصبحت منصة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من منتجات الدواجن، والاهم من ذلك أنها في المجمل استثمارات خاصة ،الأمر الذي يجب أن يقتدي به في ميادين الإنتاج الحيواني الأخرى.
. سبل تطوير
لتطوير القطاع لا بد أولا من زيادة إنتاجيته ،وتثمين منتجاته ،وخصوصا الألبان وهنا تكمن المشكلة ،فإن حافظنا علي أنظمة الإنتاج التقليدية فلن نستطيع الاستفادة من الألبان نظرا للحركية المستمرة للقطعان بعيدا عن مصانع الألبان ،كما أن معدلات التحويل الضعيفة للسلالات تقلل من أهمية إنتاج اللحم لأغراض التصدير ،دون أن ننسي أن الإنتاجية الضعيفة للمراعي الطبيعية تقف حجر عثرة أمام التكثيف ،أما إذا طورنا أنظمة الإنتاج بحيث تصبح تكثيفية فلا بد أولا من تطوير السلالات المحلية وإدخال أخري عالية الإنتاج مما يعني زيادة وزنها وبالتالي كثرة استهلاكها ، وعدم إمكانية استفادتها من المراعي الطبيعية ، وعندها يلزم إدخال زراعة الأعلاف بشكل واسع حتي تصبح أسعارها اقتصادية وهذا يتطلب إنشاء قطب اقتصادي لزراعة الأعلاف علي مستوي الضفة.
ولتحقيق كل ذلك لا بد من توفير حوافز للمستثمرين، وإيجاد منظومة قرض فعالة،وإنشاء مركز بحث وطني بالمعايير المتعارف عليها لتطوير السلالات الوطنية، مع ترك أنظمة الإنتاج التقليدية حكرا علي صغار ومتوسطي الملاك، ليتحقق التوازن ،مما يحفظ استدامة الموارد، ويقلل من الانجراف والتصحر، ونكون بذلك حافظنا علي أنظمتنا الإنتاجية التقليدية واستفدنا من إنتاجيتنا من المراعي، دون أن نسبب ضغطا علي مواردنا الطبيعية ولن يتحقق ذلك قبل القيام بتقدير علمي دقيق للحمولة الرعوية ،وضبط أعداد القطعان بما يحفظ التوازن علي أن يوجه كبار الملاك إلي أنظمة الإنتاج التكثيفية ،وإعطائهم الحوافز للاعتماد علي زراعة الأعلاف بما يضمن أمكانية تطوير حقيقية للقطاع.
يجب أن يقتصر دور الدولة ،علي تحفيز المستثمرين ،وتطوير البحث والتكوين وتنظيم المنتجين ،خصوصا أن هنالك فاعلين خصوصيين في مجال الألبان والدواجن.
إن إنشاء مجمعات كبري لصناعة الألبان في منطقة الساحل سباحة عكس التيار ،حسب ألأبجديات الاقتصادية السائدة ،لكن عندما تكون استثمرا عاما فهي ترقي لدرجة الانتحار.