تعتبر صناعة الحديد والصلب من أهم الصناعات الاستراتيجية وهي ثاني أكبر صناعة في العالم بعد النفط والغاز(حوالي 900 مليار دولار سنويا)، وهي تلعب دورا بارزا في التنمية لارتباطها الوثيق بالعديد من الصناعات الأخرى، مما أكسب سوق المادة الأولية (خام الحديد) أهمة استثنائية في الدراسة
و التحليل خاصة في ظل بروز نظام جديد في سوق الخام العالمي، وفي ضوء مؤشرات تشير إلى مستقبل للسوق أكثر ضبابية وتشهد تقلبا في الأسعار، وقفزات من حين لآخر يصعب التنبؤ بمداها والأسباب التي تقف ورائها ومدتها.
و سنحاول من خلال هذه المقالة تسليط الضوء على مستقبل الاستراتيجية التسويقية الجديدة لسنيم، وذلك بعد متابعتي في الفترة الأخيرة على أحد المواقع الوطنية خبر يتحدث عن تبني "اسنيم" لخارطة طريق جديدة للحفاظ على استمراريتها تعتمد على خمسة محاور رئيسية من بينها محور تجاري. وبالرغم من أنني لم أطلع عل تفاصيل الخارطة، إلا أنني أعقد أنه لنجاح الاستراتيجية التسويقية الجديدة لسنيم في الدخول إلى السوق الجديدة، و جذب عملاء جدد، وبالتالي الاستحواذ على أكبر قدر من المشترين،لابد أن تأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الثلاثة التالية :
أولا:- الحالة الراهنة للسوق الصيني:
لقد حافظت الصين خلال العقود الثلاثة الماضية على مستوى معدل نمو اقتصادي عالى نسبيا لكن سنة 2015 سجلت أقل نسبة نمو سنوية منذ 25عاما بنسبة 6.9% ومن المتوقع أن تبلغ هذه النسبة 6.7% خلال السنة الجارية، تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني هذا جاء في ظل توافر فائض في العرض يقدر بحوالي 200 مليون طن من الصلب الخام، وفي ظل إتباع الحكومة الصينية لسياسة إعادة هيكلة الاقتصادي الصيني والتي على رأسها صناعة الصلب.
وتشير المؤشرات الجديدة للسوق الصيني إلى سيطرة أسترالية تزداد يوما بعد يوم ونقص في عدد الدول المصدرة للمادة الخام، حيث انخفض عدد الدول المصدرة للصين إلى 31 دولة بدل 68 دولة سنة 2013 م، و بلغ حجم صادرات استراليا من خام الحديد إلى الصين خلال الخمسة أشهر الأولى من السنة الجارية 217.14 مليون طن أي نسبة 66.9% ، في حين بلغت نسبة صادرات البرازيل 20.9% عن نفس الفترة، وقد شكلت صادرات العملاقين ما مجموعه 87.8% من إجمالي واردات الصين، وهذا ما حدا بنائب رئيس الجمعية الصينية لصناعة الحديد والصلب بأن يصرح علنا أن اعتماد الصين على الحديد الأسترالي والبرازيلي قد بلغ حدا لا يطاق.
هذه الوضعية بدون شك لن تقف الصين أمامها مكتوفة الأيدي، وهذا ما يجعل من الحفاظ على حصة بلادنا وحصص دول أخرى في السوق الصيني بل وزيادتها مطلب صيني أولا، قد تهدف الصين من وراءه الحفاظ على تنوع مصادر المادة الخام وقطع الطريق أمام استراليا والبرازيل للتحكم في مصير سلعة إستراتيجية مثل خام الحديد .
لكن زيادة حصتنا في السوق الصيني و تنويع العملاء فيه يتطلب منا الأخذ في عين الاعتبار التنافس الشديد بين الشركات المملوكة للدولة التي تخضع للرقابة الحكومة، والشركات الخاصة و المصانع الصغيرة الكثيرة (حوالي 1200 شركة ومصنع) ، كما يجب علينا قراءة الاقتصاد الصيني بطريقة جيدة تأخذ في الحسبان التغير الهيكلي في سياستها خاصة سياسة نقص إنتاج الصلب، و سياسة تشجيع الشركات والمصانع الصينية للخروج إلى العالمية، كما يجب أيضا الأخذ في الاعتبار إعادة توزيع مراكز النفوذ والسيطرة وحتى الثروة بين الأقطاب المختلفة للحزب الشيوعي الصيني وانسحاب ذلك على الشركات والأفراد الذي يحدث مصاحبا لانتقال السلطة كل 10 سنوات .
ثانيا:- تحول مركز الاقتصادي العالمي نحو الشرق:
الأخذ في عين الاعتبار تحول مركز الاقتصادي العالمي نحو الشرق في اتجاه الصين و دول مجموعة الآسيان وما سيصاحب ذلك من تحول في زيادة الطلب على المادة الخام في هذه الدول، حيث تشير بعض الدراسات حول توقعات معدل الاستهلاك العالمي للصلب إلى أنه سيرتفع من 1.623 مليار طن سنة 2015م إلى 2.1 مليار طن سنة 2040، و ستحافظ آسيا على مكانتها كمركز للاستهلاك الصلب عالميا بنسبة 66% من الإنتاج العالمي، حيث ستشهد دول مجموعة آسيان زيادة مطردة في الاستهلاك للصلب بمعدل 4.1% في أفق 2040 م، و من المتوقع أن يزداد استهلاك الهند ب290 مليون طن ومجموعة آسيان ب150 مليون طن، بينما ستشهد جل مناطق العالم تناقصا في الاستهلاك بما فيها الصين و أوروبا وأمريكا.
ثالثا:- سرعة انتعاش السوق لأفريقي للصلب :
3-الأخذ في عين الاعتبار التضاعف المرتقب لاستهلاك القارة الأفريقية من الصلب 3 مرات خلال العشرين سنة القادمة وبالتوازي مع ذلك علينا أن نطور صناعة الحديد والصلب محليا، والبحث عن موطئ قدم في السوق لأفريقي القريب والواعد، خاصة أن هذه الصناعة ستخلق فرص عمل كثيرة ومتنوعة لن تقتصر على مجال صناعة الصلب في حد ذاتها بل قد تمتد لتشمل الصناعات الأخرى المرتبطة بتطوير صناعة الصلب ، حيث أن كل فرصة عمل في صناعة الحديد والصلب تخلق تسع فرص عمل في الصناعات الأخرى المصاحبة، بالإضافة إلى خلق عشرات الفرص الاستثمارية ذات القيمة المضافة للاقتصاد الوطني في القطاعات المغذية لهذه الصناعة.
لقد صاحب تحول مركز الصناعة العالمية من أوروبا إلى أمريكا، ومن ثم من أمريكا إلى آسيا، وكذلك التحول داخل آسيا نفسها من اليابان إلى كوريا الجنوبية إلى الصين، وإعادة التوزيع المرتقبة نحو دول مجموعة آسيان والهند؛ تحول في مركز الاستهلاك العالمي للصلب وخام الحديد .
وإذا كان اعتماد بلادنا على السوق الأوروبي قد تحول تدريجيا إلي الاعتماد على السوق الصيني، حيث قفزت صادراتنا من خام الحديد إلى الصين من (683003.99 طن) سنة 2004 إلى (10047365.95 طن) سنة 2014 م، فإن أهم عناصر نجاح الخطوة القادمة للخطة التسويقية الجديدة هو التركيز على تنويع الشركاء على مستوى السوق الصيني والانفتاح أكثر على السوق الآسيوية خاصة دول آسيان مع السعي إلى الاستفادة من التعاون العربي - العربي، والعربي - الصيني لجلب التكنولوجيا وإدخال رأس المال اللازمين لتطوير وتوطين صناعة الصلب والحديد في بلادنا.