آليات"اسنات"..عندما يدس السم في الدسم / المهندس:الهيبة ولد سيد الخير

سبب جفاف عقد السبعينات من القرن الماضي تغيرات جذرية علي واقع الزراعة في بلادنا ،حيث قامت السلطات العمومية  بجملة خطوات هامة تمثلت في قانون الإصلاح الزراعي وإنشاء منظومة قرض وتبني  مقاربة شبه إقليمية ، تمخض عنها إنشاء سدي جاما ومننتالي ، سعيا لتطوير الزراعة وذلك 

بتحويلها  تحويلها من صورتها التقليدية إلي الشكل الحديث ،أي التمرد علي وقع التذبذب في الهطول المطري وتتويج الزراعة المروية وإدخال حزم تقنية حديثة  وتوفير المكننة الزراعية ،بهدف زيادة الإنتاج وثباته ليكون  ذلك ملاذا في السنوات العجاف.
أهمية المكننة الزراعية
يقاس تطور الزراعة في بلدان العالم بمدي انتشار المكننة الزراعية ـفالقدرة الحصانية المتاحة للهكتار هي من المؤشرات الأساسية لقياس مدي التقدم والتطور، لذلك فلا يمكن الحديث عن تطور الزراعة في ظل عدم الولوج إلي الماكنات الزراعية ،خصوصا الجرارات والحاصدات علي الأقل في سياقنا الوطني،فالمزارع لن يغامر بزراعة الأرز إذا كان سيعجز عن توفير حاصدة اللهم إن كان يزرع علي مساحة ضيقة ،لان عملية الحصاد اليدوي مُكلفة وشبه مستحيلة خصوصا عندما تزيد المساحة المزروعة عن بضعة هكتارات ويصبح الأمر مستحيلا عندما يتعلق بفلاحة تربة الضفة. 
سمحت منظومة القرض السخية في الماضي لرجال الأعمال والتعاونيات باقتناء الماكنات الزراعية الضرورية للقيام بالعمليات التي يعجز المزارع عن أدائها ،كفلاحة التربة وحصاد محصول الأرز ،وضخ المياه من النهر، إلا أن ضعف تحصيل الديون وقلة كفاءة المنظومة دفع السلطات العمومية إلي إعادة هيكلتها وإنشاء الشركة الوطنية للاستصلاح الزراعي والأشغال "اسنات" 
صفقة بيع آليات "اسنات"  للمزارعين
كُلفت  "اسنات"  عام 2010 بإدارة وتأجير الميكنة الزراعية لصالح المزارعين ، لتقتني علي عجل آليات  من ماركات رديئة ومواصفات غير ملائمة  لسياقنا الوطني ،كما تم إهمال خدمات ما بعد البيع، لتستغل في ظروف مزرية ،وخلال  أربع سنوات فقط تعطلت معظم الآليات لتقرر الوزارة بيعها للمزارعين ..!، علي أن تدفع أثمانها لصندوق الإيداع والتنمية  ،بعد أن كَونوا تجمعات ذات نفع عام GIEواستفادوا من دورة تكوينية ،وبذلك أزاحت الوزارة عن كاهلها ما تعتقد انه عبئ ثقيل ،فمن جهة تخلصت من آليات متعطلة ومن جهة أخري تنازلت عن دورها في توفير المكننة .
لا يمكن الحديث عن وجود آليات زراعية خارج منطقة الضفة ،مما يعني حرمان الزراعة التقليدية من خدمات المكننة ، بينما تكتظ منطقة الضفة بخردة آليات اسنات وغيرها ،فمعظم الآليات الموجودة متعطلة أو لا تملك ملحقات ،فالجرار لا يعمل في ظل غياب أدوات خدمة التربة كالمحاريث ،كما أن قطع الغيار غير موجودة في الأسواق .
يعتقد المزارعون اليوم أنهم وقعوا في فخ  حقيقي ،خصوصا بعد مجيء بعثة مشتركة من وزارة الزراعة والمالية وصندوق الإيداع والتنمية،تطالب بتسديد أقساط قرض شراء الآليات ،وتهدد بسجن المتأخرين ،في الوقت الذي لم تُستغل فيه الآلات أصلا لتوفير عوائد يمكن دفعها للصندوق ،مما دفع العديد منهم لطلب فسخ العقد واسترجاع الوزارة لمعداتها.
ملاحظات حول عملية التنازل
• الزراعة قطاع حيوي ومدعوم في كل بلدان العالم ولا يجدر بوزارة الزراعة  محاولة التنصل منه، ويبقي التحدي في كيفية تقديم الدعم بما يضمن حسن استغلاله؛
• لقد قبل المزارعون الصفقة اعتقادا منهم أنها ستكون مجانية في النهاية ولن يضطروا للدفع وهذا خطأ فادح؛
• تعمدت الوزارة بيع آليات في ظروف مزرية وهي خير العارفين بعدم قدرة المزارعين علي استغلالها علي ضوء ما ذُكر سابقا،
• تم تقسيم الآليات المتوفرة علي المزارعين دون مراعاة كفاءة التشغيل؛
• أخطأت الوزارة في إنشاء شركة اسنات أصلا، ولم تُوفق في اختيار الآليات أو عملية الاستغلال ،لكن المصيبة ألكبري هي بيعها للمزارعين؛
• يجب علي الوزارة أن تعيد تقييم ظروف عملية البيع كما أن الأقساط يجب أن تكون موسمية لا فصلية؛
• يجب أن ينحصر دور الوزارة في توفير حوافز حقيقية للمستثمرين لاقتناء الآليات الزراعية.
وفي انتظار حل هذه المشكلة سيبقي قطاع الزراعة مشلولا وستتبخر المكتسبات التي تحققت.

5. يونيو 2016 - 0:30

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا