تبدأ الأسبوع المقبل الامتحاناتُ الوطنية لولوج المستويات الإعدادية و الثانوية و الجامعية و هي مناسبة يحسن فيها التنبيه و الإصغاء إلي ارتفاع و تكرار رَنِينِ و طَنِينِ "أجراس إنذار" تدمير مصداقية الشهادات الوطنية المتمثلة في الانتشار الكبير لآفات الغش المدرسي و التسريب الواسع و المحدود
لمواضيع الامتحانات و "المحسوبية المزعجة" في التصحيح و التقييم،...
و قد بلغ الغش المدرسي مستويات كبيرة بتشجيع من الأهالي و تمالئ بل و مشاركة أحيانا من المراقبين حتي قَدًرَ أحد المهتمين بالشأن التعليمي النسبة المئوية للناجحين عن طريق الغش المدرسي بأنها تخطت حاجز و عتبة الرقمين(La barre de deux chiffres/Double Digits ) من مجموع الناجحين في الشهادات الوطنية و قد أشار بعض الدارسين للظاهرة إلي أن تلك النسبة هي من باب أقل التقدير و أنها تُخفي تباينات معتبرة حسب شُعَبِ الباكوريا مثلا و مراكز الامتحان،..!!
أما بخصوص تسريب مواضيع الامتحانات فهو نوعان واسع و محدود فإذا كان التسريب واسع الانتشار قد انحسر شيئا ما بفعل محاربته بإلغاء الامتحانات موضوع التسريب غالبا فإن ألسنة جميع الموريتانيين تقريبا رَطِبَةٌ من الحديث عن التسريب المحدود لمواضيع الامتحانات لصالح بعض "أبناء البَطًةِ البَيْضَاءِ"( Les Fils de la Poule Blanche) الذين يدفع آباؤهم "نفقات سخية" و "هدايا سنية" من أجل تجاوزهم حاجز الامتحانات بل و تصدرهم قوائم الناجحين.!!
أما ثالث معاول تدمير مصداقية الشهادات الوطنية فهو " المحسوبية المزعجة" في التصحيح و التقييم حيث يكثر الحديث عن منح بعض المصححين درجات مرتفعة لبعض " المُمْتَحَنِينَ المحظوظين" بعد بذل جهد معتبر في التعرف علي خطهم أو "رقمهم الوهمي" كما يتداول علي نطاق واسع نبأُ التباين الكبير بين العلامات و الدرجات التي يمنحها أحيانا المصححون الثلاثة للورقة الامتحانية الواحدة مما يدل علي أن بعض العلامات كانت بفعل المحاباة و المحسوبية و الكليانية،...!!
و غير خاف الأثر السلبي لتفشي ظواهر الغش و التسريب و المحسوبية علي مصداقية الشهادات الوطنية التي يتندر البعض بأنها أضحت "تشهد علي تزوير بعض حاملي أسفارها" أكثر مما تشهد علي كفاءتهم و استحقاقهم"كما أن استمراء تلك الظواهر أدي إلي انحطاط سمعة المخرجات المدرسية و المدخلات الجامعية ببلادنا حتي وصل الأمر حدا أضحي معه أساتذة الجامعة لا يستنكفون عن إعطاء علامة صفر (0/20) لبعض الطلاب مشفعين ذلك بتقارير تستغرب دخولهم الجامعة و هم عاجزون عن مبادئ الكتابة و القراءة.!!
و لئن كنت قد ركزت لضرورة منهجية في تفسير ظواهر الغش و التسريب و المحسوبية في التصحيح علي التعليم ما قبل الجامعي فإن ذلك لا يعني مطلقا أن التعليم العالي و الجامعي العمومي منه و الخصوصي و (المختلط) خال من تلك الظواهر بل هي أوسع تداولا و انتشارا و أكثر أشكالا و أنماطا و أقل حياء و وقارا،...و يتطلب الحديث عنها -تشخيصا و اقتراحا للحلول- زادا من المعلومات و المقارنات لا يتسع له " الحيز المألوف التعاقدي ضمنيا مع القراء" لهذه الكلمات القصيرة القاصرة.
و لقد سرني كثيرا نبأ اتخاذ وزارة التهذيب الوطني هذا العام جملة من الإجراءات الاحتياطية من أجل محاربة الغش و التسريب و أملي كبير في أن يوفق معالي وزير التهذيب الوطني و معاونوه في تحقيق هدف "الغش المدرسي صفر" هذه السنة و أن يشفع ذلك بإجراءات أخري صارمة من أجل تنظيف و تطهير عمليات التصحيح و التقييم من كل مظاهر و رواسب المحسوبية و الكليانية و المركنتالية حتي يحتفل الموريتانيون لأول مرة بعام دراسي خال من ثالوث التسريب و الغش و المحسوبية.
و نظرا لحجم الغش و التسريب و المحسوبية الملاحظ علي المستويين ما قبل الجامعي و الجامعي وسعيا إلي استعادة مصداقية و تنافسية الشهادات الوطنية و درء للمفاسد العديدة المترتبة علي تمييع و ابتذال الامتحانات الوطنية فلعله من الأنسب اعتماد أحد اقتراحين أولهما توسيع صلاحيات اللجنة الوطنية للمسابقات -حسنة الرصيد في الاستقامة و المهنية- لتشمل ملف الامتحانات الوطنية.
و ثاني الاقتراحين هو استحداث "سلطة إدارية مستقلة"( Autorité Administrative Indépendante ) عبر ترفيع المديرية العامة الحالية للامتحانات إلي مستوي "سلطة وطنية" أو " لجنة مستقلة" تتمتع بصلاحيات قانونية واسعة و تشجيعات مالية معتبرة مكلفة بضمان طهارة و نظافة و مصداقية الامتحانات الوطنية( ختم الابتدائية، حتم الإعدادية، الباكلوريا، الامتحان الأخير للصانص، الامتحان الأخير للماستر) .