الدكتور الشيخ المختار ولد حرمة ولد ببانة،، لكل جواد كبوة! / محمدٌ ولد محمد غلام

altإن أسوأ ما تفعله النظم الشمولية والدكتاتوريات المستبدة بشعوبها، هو الإساءة إلى رموز البلاد وخيرة أبنائها؛ بجرهم إلى حروب خاسرة ومعارك ساقطة؛ يتبارون فيها بأنواع التزلف المهينة، وألوان الصفاقة والتدليس المشينة.. حتى إن النظام المستبد لا يكاد يسقط إلا وقد أسقط معه أعدادا هائلة من خيرة أبناء الأمة تكوينا وتعليما..

1 انظر - مثلا - إلى حكم ابن علي في تونس؛ حيث قضى على أحلام التونسيين من أن تستفيد بلادهم من خبرات أبنائها الذين تكونوا على حساب الدولة وبدون استثناء.. بيد أنه ومع أول أيام سقوط النظام واتضاح الحقائق وحصحصة الحق.. كانت الكارثة بادية للعيان؛ ألا وهي كارثة سقوط الأقنعة؛ حيث وجد أغلب النخبة التي حكم بها النظام واستغلها للدفاع الكاذب عن حكمه المفسد والترويج الصفيق لإنجازاته الوهمية.. وجدوا أنفسهم في حالة تعرية تامة وبحث خاسر عن وجه يقابلون به أمتهم ويواجهون به مجتمعهم، الذي يرفض أن ينظر إلى تلك الوجوه التي زلعت من كثرة التملق، أو يسمع من تلك الألسن التي مردت على النفاق، أو يقرأ لتلك الأصابع التي لزقت من كثرة ما أقدمت عليه - كتابة - من تزييف للحقائق وتضليل للرأي العام ودفاع عن المعتدي المستبد، وجرأة على أعراض الشرفاء من أبناء وطنهم المدافعين عن رفعته وعزتهم.. فكانت خسارة التونسيين خسارة مضاعفة؛ بخسارتهم لسنين عجاف قضوها رزحا تحت نظام من الظلم والتسلط والتسلق، وخسارتهم لهذه الطاقات البشرية التي لوثها المستبد بخطاياه وخلفها يوم هروبه تحت رحمة الضياع الخلقي والخزاية التاريخية!

 

2 ثم ارجع البصر - كرتين - إلى حكم مبارك؛ حيث حرم بلاده من الاستفادة من خبرات وقدرات آلاف الدكاترة والخبراء والاقتصاديين وعلماء الشريعة من المصريين، الذين أصبحوا من بعده يعيشون تحت رحمة الخزاية التي رفعوها يوم دافعوا عن الظلم، ويعضون أصابع الندم على ما اجترحته تلك الأصابع - ذات يوم مشؤوم - من النيل من أعراض الشرفاء المدافعين عن حقوق المواطن ورفعة الوطن.. لم يخسر المصريون السنوات الطوال التي انقضت بثقلها تحت هذا النظام المستبد فحسب، ولم يكتف هذا النظام المخزي بما جناه على بلاده العظيمة من عار وشنار أدى إلى تراجع موقعها الإقليمي والدولي؛ من قائدة لقطار العالم العربي والإسلامي، إلى كيان هامشي يقوم على حراسة أمن إسرائيل ومضايقة المنتقدين للسياسات الغربية الجائرة تجاه قضايا الأمة.. بل تعدى ذلك إلى التعطيل - الأبدي - لهذه الموارد البشرية العالية التكوين؛ تعطيلها بصبغها بلوثة الكذب والتملق وقلب الحقائق الماثلة للعيان؛ دفاعا عن نظامه المهترئ، وافتراء على الصالحين والمصلحين الغيورين على مصلحة الأمة المصرية العظيمة! 

 

3 وأخيرا - وليس آخرا – نتوقف مع الدرس الليبي الذي كان فيه الليبيون أحسن حظا من سابقيهم في هذا المضمار؛ حيث استنقذوا ما يمكن إنقاذه من أطرهم وخبرائهم وعلمائهم وساستهم الذين انتفضوا في الوقت المناسب، وتمكنوا - بوقفتهم الشجاعة مع مطالب شعبهم، وانشقاقهم الموجع عن النظام المتهاوي – تمكنوا بذلك من غسل أدران طالما لطخهم بها "الزعيم الأممي" إرضاء لغرور نفسه وضمانا لديمومة رفاهية أسرته وتملكها لرقاب الليبيين الأحرار! ومع أن هناك العديد من الطاقات البشرية الليبية التي أبت أن تركب سفينة النجاة التي قادها الشعب الليبي العظيم لتحرير أرضه والدفاع عن عرضه - ربما لشدة توغلها في بحبوحة المذلة والضعة – وأصرت على خيارها بالتحيز إلى ما كانت تعتقده جبلا يعصمها من طوفان إرادة الشعب الليبي المدمر.. فكان عاقبتها ما شهده الجميع، إلا أن الشعب الليبي كان أحسن حظا من أشقائه في كل من مصر الأزهر وتونس الزيتونة الذين خسروا – تقريبا - جميع العاملين والمقربين مع نظامي الحكم الفاسدين في البلدين العريقين. بينما أنقذت شهامة اللبيين وشجاعتهم من داخل النظام ما يمكن إنقاذه! تبقى الإشارة في الأخير، إلى أن دعاة الإصلاح وأصحاب الانحياز لهموم الوطن والمواطن المدافعين عن رفعة الأمة وكرامة البلاد في الدول الثلاث (وفي غيرها) قد كسبوا رهان المعركة التي فرضت النظم الشمولية والدكتاتوريات المستبدة عليهم خوضها دفاعا عن كرامة شعوبهم ورفعة أوطانهم، بينما بقي ممتهنو التزلف وخبراء التزييف وقلب الحقائق - دفاعا عن الظلمة والمستبدين – بقوا لنظرات شعوبهم الممقتة لتصرفاتهم والمستهينة لمواقفهم، ثم لحكم التاريخ الذي لا يرحم! كان ذلك يوم أخلد هؤلاء إلى الأرض ورضوا لأنفسهم أن ينزلوا من علياء الكرامة التليدة والثقافة الواسعة والخبرات المتراكمة التي تحتاج إليها أوطانهم ومواطنوهم، وأن ينزلقوا إلى مستنقعات المهانة السياسية والأخلاقية وحتى الإنسانية وأن يمثلوا رقما - متأخرا – في قائمة ممتهني التملق المزري والنفاق الصفيق.  لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. 

25. مارس 2012 - 10:43

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا