لعب قطاع التنمية الحيوانية دورا هاما في بلادنا، فقبل سنوات الجفاف، كانت حصة الفرد الموريتاني الأعلى عالميا، ويعود ذلك لأسباب مناخية واجتماعية. تتميز أنماط الاستغلال الحيواني في بلادنا بأنها غير تكثيفية ،حيث تعتمد قطعاننا علي المراعي الطبيعية، مما يفرض عليها أن تكون سهلة الحركة
وشديدة التأقلم مع الظروف القاسية، الأمر الذي مكنها من مخزون وراثي متأقلم مع هذا النمط الإنتاجي، لكن في ذات الوقت قلل من إنتاجيتها ،هذا فضلا عن صعوبة استغلال منتجاتها نظرا لحركيتها المستمرة بحثا عن الكلأ.
ظل هذا القطاع الحيوي مهملا ،فالمستعمر الفرنسي اكتفي بجمع الضرائب وتوفير بعض اللقاحات والعلاجات، مقاربة سيتبعها صُناع القرار الوطني من بعده ليستثنوا منها جباية الضرائب.
تم في الآونة الأخيرة إنشاء وزارة بهدف تنمية القطاع ،وسنحاول تسليط الضوء علي أدائها من خلال خطاب معالي الوزير الأول أمام البرلمان.
جاء في الخطاب أن الحكومة ركزت علي تنمية شُعب الإنتاج، من خلال الاهتمام بتطوير السلالات ،وتثمين المنتجات، وهنا يكمن المأزق، فالمشكلة في التخطيط قبل التنفيذ و الأداء ، فما فائدة إيجاد سلالات عالية الإنتاج في ظل نظام استغلال غير تكثيفي ،فحتي المزارع النموذجية، تسقيها الصهاريج ولا تجد أعلافا للتغذية بأسعار اقتصادية ،فماذا سيفعل المنمي بأبقار لا تقدر علي الاستفادة من المراعي الطبيعية بكفاءة ،هذا دون الخوض في نواتج العملية أصلا، والتي يجب أن تكون في مراكز البحوث، وان تمر ببروتكول صارم، قبل محاولة تعميمها خوفا من الإضرار بمخزوننا الوراثي الطبيعي.
اعتقدت الوزارة خطأ أن تثمين المنتجات الحيوانية يكون ببناء مصنع للألبان في مدينة النعمة ،وهذا يعكس بوضوح ضعف التخطيط ،فالمصنع ثابت والحيوانات متنقلة فمتى سيلتقيان؟!.
إن تثمين منتجات النظام الغير تكثيفي يكون بإنشاء وحدات ألبان صغيرة، لكن الأهم هو إنشاء حوض لزراعة الأعلاف، وعندها يمكن تطوير السلالات أو جلبها وبناء المصانع.
في مجال الصحة الحيوانية لم يحمل الخطاب جديدا باستثناء احتكار كاميك لاستيراد الأدوية البيطرية، وهو قرار مهم، وينهي فوضي عارمة سببت انتشار الأدوية المزورة ويُعد تصحيحا لقرار ليبرالية القطاع.
تحدث الخطاب عن جهود لمكافحة الذبح الفوضوي ،عبر إنشاء مسالخ جديدة ،لكن قبل إنشاء تلك المسالخ ، فالأحرى بالوزارة أن تهتم بتلك القائمة، لأنها مسالخ بالاسم فقط، فهي بيئات لنشر الأمراض ،نظرا لسوء تسييرها ،فقد تجد مسلخا لا يحتوي علي مياه جارية ،وحوله الجيف والنفايات،لكن بالمقابل اعتقد أن الأفضل هو خصخصتها واكتفاء الوزارة بالمراقبة ،وعلي كل حال فوضع المسالخ في بلادنا بائس ويحتاج لمكاشفة حقيقية.
نقاط هامة غابت عن الخطاب
- لم يتطرق الخطاب لتعداد الثروة الحيوانية، والذي كان يجري الحديث عنه ، فنحن اليوم لا نملك معطيات حقيقية عن حجم تلك الثروة، مما يُعيق كفاءة التخطيط في القطاع،
- لم يتطرق الخطاب لميكانيزمات التمويل في القطاع
- لم يتطرق الخطاب لتنقية القطاع، فهنالك مستثمرون يجدونه ملاذا آمنا للتهرب الضريبي ،وفرصة لتبييض الأموال واستغلال برامج التدخل العمومي أثناء السنوات العجاف ،وتعتقد منظمات دولية عديدة انه أصبح مرتعا لمافيات دولية مشبوهة،
- اكتفي الخطاب بذكر خبر تشغيل مصنع ألبان النعمة ،دون إعطاء تفاصيل في ظل الحديث عن إغلاقه
- لم يذكر الخطاب انشغال الحكومة بمستوي تنظيم وحرفية المنظمات التعاونية العاملة في القطاع ،والتي تعاني من ضعف الأداء ،مما ينعكس سلبا علي جهود الإصلاح.
- لم يتطرق الخطاب لطبيعة الحوافز التي يمكن أن تقدم لجذب المستثمرين في القطاع.
لا شك أن إنشاء وزارة لهذا القطاع يعكس حجم الاهتمام به، لكن ضعف التخطيط وغياب المكاشفة أجهض جهود إصلاحه، ولا اعتقد أن هنالك ضرورة اليوم لبقاء وزارة بهذا الاسم، فحجم أنشطتها تكفيه إدارة واحدة بنصف دوام.