زادت أسعار خام الحديد من مكاسبها خلال نهاية السنة المنصرمة مع صعود سعر المادة الخام (تركيز 62% ) فوق حاجز 80 دولار للطن، وذلك عكس كل التوقعات السابقة لكبريات الشركات العالمية المالية التي كانت تتوقع هبوط الأسعار إلى حوالي 40 دولار للطن خلال الربع الأخير من السنة المنصرمة،
ويعتقد البعض أن التحسن في الأسعار كان محصلة لتداخل عدة عوامل من أهمها :
النقص المؤقت في المعروض من فحم الكوك في السوق الصيني مما أدى إلى زيادة سريعة في أسعاره، حيث قفزت من حوالي 1400 يوان للطن إلى حوالي 1900 يوان للطن، وهذا ما عزز الطلب على خامات الحديد عالية التركيز في السوق الصيني، وذلك من أجل تقليل كمية الفحم المستخدمة في الفرن كوقود أثناء صهر المعدن، وبالتالي تقليل تكلفة صناعة الصلب الخام.
أما السبب الثاني والمهم فهو انخفاض سعر صرف اليوان الصيني مقابل الدولار نتيجة لتأثير رفع البنك الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة باستمرار، وذلك رغم بيع الحكومة الصينية لحوالي واحد تريليون دولار من احتياطياتها من العملة الأجنبية للحفاظ على استقرار صرف عملتها، مما دفع بعض المستثمرين الصينيين المحليين إلى تحويل أموالهم نحو المواد الأولية وعلى رأسها خام الحديد،
توقعات بتراجع الأسعار
ثمة تقارير تتحدث عن زيادة في الإنتاج لدى الأربعة الكبار خلال السنة الجارية بحوالي 100 مليون طن خاصة بعد دخول المنجم البرازيلي الضخم ( S11D) حيز الاستغلال الفعلي، كما توقع بعض المتخصصين دخول العديد من الشركات الصغيرة سوق المنافسة نظرا للتحسن الأخير في الأسعار، مما يعني استمرار الزيادة في حجم المعروض، هذا في ظل تخطي المخزون من المادة الخام على مستوى الموانئ الصينية حاجز 100 مليون طن، حيث بلغ خلال آخر أسبوع من السنة المنصرمة (114.39 مليون طن ) مسجلا أعلى احتياطي لديها منذ سنة 2014م، وهو ما يعني استمرار الفائض في الإمدادات العالمية لوقت أطول.
هذه الوضعية قد تجعل السوق يقوم بتعديل وضعيته، وقد يكون هذا ما حدا ببعض المؤسسات المالية العالمية بتوقع حصول هبوط في الأسعار خلال السنة الجارية، حيث أصدرت شركة سيتي جروب (Citigroup) في 23 من يناير الجاري تقريرها، الذي توقعت فيه هبوط الأسعار إلى معدل 53 دولار للطن في الربع الأخير من السنة الجارية، على أن تحافظ على معدل 70 إلى 77 دولار للطن في مطلع ووسط السنة.
كما توقع بنك باركليز (Barclays bank) أن تهبط أسعار خام الحديد إلى ما دون 50 دولار للطن خلال الربع الثالث من السنة الجارية، وكذلك توقعت مجموعة التعدين الاسترالية بي اتش بي بيليتون (BHP Billiton) معدل 52 دولار للطن خلال السنة الجارية، ويتفق هذا التوقع مع توقعات وزراة الصناعة والابتكار والعلوم الاسترالية التي توقعت في تقريرها الصادر 9 من يناير الجاري أن يصل متوسط سعر خام الحديد خلال السنة الجارية إلى 51.6 دولار للطن، وبدورها صنفت مؤسسة مورغان ستانلي المالية (Morgan Stanley ) خام الحديد كأحد المعادن الثلاثة الأكثر تشاؤما.بمستقبلهم خلال السنة 2017 .
التفاؤل بصعود الأسعار
رغم كل التوقعات أعلاه التي تشير إلى هبوط متوقع في الأسعار إلا أن الواقع قد يبدو مختلفا عن ذلك، و المتتبع لحالة السوق العالمي للمادة الخام يلاحظ حالة من التفاؤل تسودها في الآونة الأخيرة، وذلك نظرا لظهور 5 عوامل أساسية قد تساعد على بقاء الأسعار تدور حول حاجز 80 دولار للطن، بل قد تشكل دعم قوي للأسعار لتواصل الصعود إلى الأعلى، وهذه العوامل هي :
1- خطاب الرئيس الأمريكي السيد دونالد ترامب بتخصيص 500 مليار دولار لتجديد وصيانة البنية التحتية للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني زيادة الطلب على الحديد والصلب ومن ثم زيادة الطلب على خام الحديد.
2- توصل منظمة "أوبك" خلال اجتماعها الوزاري الأخير، إلى اتفاق لخفض إنتاجها بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا، حيث توقع خبراء اقتصاديون أن يتجاوز سعر برميل النفط 60 دولارا في النصف الثاني من العام الجاري.
3- استقرار الاقتصاد الصيني وتحقيق نسبة نمو 6.7% خلال السنة المنصرمة، مع استمرار السياسات التحفيزية بالاستثمار في المجال العقاري والبنية التحتية المستهلكين للصلب، مما يعني زيادة الطلب على المادة الخام، وخلال السنة المنصرمة بلغ حجم واردات الصين من خام الحديد (1.024 مليار طن) بزيادة 7.5% .
4- إعلان رئيس الوزراء الهندي السيد ناريندرا مودي عن خطة لتطوير وزيادة إنتاج الهند من الصلب الخام
تستهدف معدلات إنتاج قياسية، ورفع سقف الإنتاج إلى 300 مليون طن بحلول سنة 2025م، مما قد يحول الهند من دولة مصدرة للمادة الخام إلى دولة مستوردة، و تجدر الإشارة إلى أن حجم إنتاج الهند من الصلب الخام لسنة 2015 وصل إلى حوالي 89.6 مليون طن.
5- توقعات صندوق النقد الدولي وعدد من البنوك العالمية الكبرى بارتفاع نمو الاقتصاد العالمي بين 2.5 -3% خلال عام الجاري، بالإضافة إلى استمرار سياسة رفع أسعار الفائدة الأمريكية التي كان آخرها القرار الصادر عن البنك الفيدرالي الأمريكي في 15 ديسمبر الماضي.
إن حصول انخفاض مؤقت في أسعار خام الحديد أمر غير مستبعد خاصة في وجود فائض في المخزون على مستوى الموانئ الصينية في الوقت الذي نحن مقبلين فيه على عطلة عيد الربيع الصيني الذي يصادف هذه السنة 28 يناير الجاري، والتي تستغلها مصانع الصلب لإجراءات الصيانة اللازمة سنويا، وفي ظل الحديث عن قلق لدى الحكومة الصينية من توسع الاستثمار في القطاع العقاري حتى لا تنهار أسعاره.
ومع كل ذلك يبقى الاتجاه العام يشير إلى أن الأسعار ستحافظ على مكاسبها خلال هذه السنة الجارية ما لم تحدث أي مفاجآت تخل بالوضعية الحالية للعرض والطلب، بل إن النصف الثاني من العام الجاري قد يشهد بداية عودة السوق إلى التوازن تدريجيا ، وذلك بعد تفعيل خطة دونالد ترامب لتطوير البنية التحتية حيز التنفيذ.