ذكريات من انقلاب 08 يونيو / الشيخ أحمد بن البان

altكان التوتر في أقصى مداه..النظام في حرب مع المسجد والكلمة الطيبة.. كانت رائحة العذاب تفوح من عيون الشرط ورائحة الكذب تنضح بها مجالس رجال الدولة ، لباس الجوع والخوف هما الزي الرسمي والشعور الرسمي لساكنة المنكب البرزخي.

ـ في تلك الأيام ـ، وفي ضمير الغيب كان رجال08يونيو يغذون الخطى نحو ساعة الصفر لانقلاب بدا أنه الخيار الأمثل في طريق مسدود..نجح الانقلاب..فشل الانقلاب..مهد الانقلاب لانقلاب آخر..لا ندري..المهم أنا لحظته كنا سعداء وأن عودة النظام كانت بالنسبة لي مثل عودة السجين لزنزانته بعدما أخبر أن قرار الإفراج متعلق باسم مشابه. غربت شمس السابع من يونيو2003 مثقلة بأحزان وطن منكوب محمرة الوجنات حزينة كقلوب الأمهات اللواتي حملنها كل مشاعرهن الدامعة على ابن سجين أو حفيد مطارد ، وودعنها بتمتمات أدعية الحفظ والسلامة ، وكبت الظالم ، يتخللها قول الباري سبحانه "فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن"..كانت شوارع العاصمة نواكشوط واجمة صامتة إلا من همسات خفية تحدث عن إمام مسجد اقتيد من محرابه أو آخر يقلب رحم الأرض بحثا عنه..لا أحد يمكنه الجزم بما ستلده الليالي الحبليات بجسام الحوادث، إلا ما يمكن أن تتنبأ به من أفاعيل ثور هائج يدخل مستودعا للخزف. الخراصون بأن قد نجم "قرن الفتنة"من منائر المساجد وعمائم الأئمة وخمر ربات الحجال، وأن آثاره من علم الأولين أنبأت تحدث عن تناثر حقيبة وقائع آخر الزمن جاء فيها أن:( عمران الجوامع نقصان أتباع الحزب الجمهوري ونقصان أتباع الحزب الجمهوري خراب القصر الرمادي وخراب القصر الرمادي خروج "الصحوة الإسلامية"). إن أنسَ ، لا أنسى مساء ذلك اليوم الكئيب ـ قبل الانقلاب بيوم ـ فبينما أنا هائم على وجهي... إذ رفع لي سواد عظيم تجمهر في خيام ضربت قبابها بإحدى الساحات العمومية ، هرعت مدفوعا بفضول الاستغراب فقد منع حينها النظام التجمهر خوفا "مما يجري بين اثنين" والخوف من غرائز الاستبداد، لم يكن التجمع سوى جزء من حملة للحزب الجمهوري ظاهرها تشكيل الخلايا القاعدية وباطنها "موسم للافتراء"، ولم يكن المتجمهرون سوى أرامل ومعوزي كزرة كرفور، كانت مفردات: المسجد والمنبر والدعوة والإرهاب والدولة والسلطان اللحمة والسدى لكل متكلم من أولئك المتجمهرين. كدت أسقط على وجهي غضبا وحزنا، غضبامن النظام الذي حرم المصلين من تلاوة شيخنا بن سيد الحاج ، والمحللين من نظرات محمد جميل بن منصور ، والجاهلين من علم بن الددو ، والأيتام من حنان اسحاق بن الكيحل ، وحزنا على أولئك الشيوخ والعجائز البسطاء المنصتين ملء آذانهم لـ"عملاء" ، و"علماء" الحزب الجمهوري وهم يبسطون أيديهم وألسنتهم بالسوء رميا لـ"أميمة الشنفري" بالعيب وهي كما قال: أميمة لا يخزي نثاها حليلها ـ ـ ـ ـ ـ إذا ذكر النسوان عفت وجلت "البيت" وقذفا بالدنس لـ"ثياب بني عوف" وهي كما قال القائل: ثياب بني عوف طهارى نقية ـ ـ ـ ـ ـ وأوجههم عند المشاهد غران "البيت" كان هنالك اثنان يدركان أن كل ما قيل تحت تلك الخيمة كذب وافتراء..أما الاثنان فهما أنا الذي أعرف صدق أبناء الدعوة ، وطهر بناتها وبراءة مشروعها من العار، أما الثاني فمندوب الحزب الجمهوري ، الذي يعرف أنه يمارس الكذب الصراح. نمت ليلتها كسيف البال حزينا يتراءى أمام عيني مشهد تلك الخيمة الكاذبة الخاطئة ويتردد في أذني صدى كلمات ذلك الرجل الجمهوري ، الذي تكاد السموات يتفطرن ، وتنشق الأرض ، وتخر الجبال هدا من كذبه الذي بلغ الآفاق ، وافترائه على حفظة القرآن وورثة خير البرية وحملة رسالة التوحيد.. إن أنس لا أنسى في هزيع الليل الأوسط عندما أيقظتني أمي المسكينة ..! وجلة مذعورة ـ فقد كنا على مرمى حجر من كتيبة المدرعات ـ وقالت بصوت خفيض"يبدو أن هناك انقلاب عسكري..دوي المدافع لم يهدأ منذ ثلاثين دقيقة"..خرجت من المنزل وحانت مني التفاتة نحو السماء فرأيت عيارات النار تخرق صمت العاصمة الكئيب ، وأصوات المدافع تدك جهة القصر الرئاسي..اللهم سلم سجناءنا من كيد الكائدين..لا أكذب والله ، فقد كانت تلك العيارات النارية متنفسا لا يفسر مداه في روحي المثقلة بأسى أحاديث "الجمهوري" أمس.. لم تتضح بعد معالم الحدث..كأهالي الحي خرجوا من منازلهم وبدأوا في طرح الاحتمالات... ، انقلاب عسكري..، عملية مفبركة لإدانة المعتقلين.. ، عملية إرهابية قال أحد الجمهوريين تمنيت لو صفعته على شدقه المهرتة بقول الزور..،همس بي أحد الأقارب وكان دركيا سابقا "لتتأكد أنه انقلاب عسكري..الجيش لن يقبل إهانة العلماء"..مذيع الـBBC يصدح في كف أحد الواقفين "انقلاب عسكري في نواكشوط لم يعرف حتى الآن من يقف خلفه" انفلق عمود الصبح وبدأت بواكير الشغيلة تهرع نحو أماكن عملها..، الأفواج الأولى من العائدين تخبر عن منع حركة السير نحو العاصمة (كبيتال)..، الجنود ينبثون في كل طريق وأصوات المدافع الثقيلة تزلزل الأقدام...، الانقلابيون..الجيش الموالي للنظام..لا أحد يدري..أدرك رجل الحزب الجمهوري الذي يسكن بجوارنا ويحمل منزله لافتة "قسم فرعي" أن دولة نظامه ولت الأدبار فنزع اللافتة وبدأ يتحدث عن مكانة أهل العلم وأهمية العدل والحرية ويستطرد أشياء عن فساد النظام..ألا قاتل الله نفسك الفاسقة وضميرك الحربائي الرقيع..، فقد عادت الحرباء للون الماء حين عادت مياه النظام لمجاريها بعد إحباط محاولة الانقلاب ، وأعاد الرجل الجمهوري اللافتة بحجم أكبر. 48 ساعة من الحرية المطلقة..، لا رقيب على الشعب إلا الدين الذي كان يحارب فيه ، ولا عاصم له بعد الله إلا أئمة المساجد الذين كانوا يطاردون، فقد حذروا الناس من خطر الفتنة وحرمة أخذ أموال الناس..، فقد السلطان علماءه إذ فقد قوته ، وخذله وزراؤه حين خافوا على أنفسهم وتناثروا في الشوارع بحثا عن وجهة مجهولة كما تهرب الصراصير حين تكشف عنها خشبة مهترئة فجأة ، انتهى الأمر بأمير القصر الرمادي في آخر أخريات "بيت الماء" بثكنة عسكرية..، أما الذين سولت وسائل الدعاية للناس أنهم الخطر، فقد كانوا حماة الأمن ، ورجال الملمات..، لم يبرحوا السجن رغم هروب حراسه ولم يفتأوا يدعون الناس لحفظ الأمن وضبط النفس. كانت عملية08 يونيو2003 خصب السماء بعد جدبها وأمل الناس بعد اليأس ، وكان انقلاب 3 أغسطس السحابة التي قال عنها الناس "هذا عارض ممطرنا" وكان انقلاب 6 أغسطس ريح فيها "فسادعظيم" تدمر كل شيء بإذن الجنرال.

14. يونيو 2011 - 13:38

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا