على هامش "لقاء الشعب!! / حبيب الله ولد أحمد

altتابعت كغيري من المواطنين الموريتانيين باهتمام بالغ - درجة حبس الأنفاس - لقاء رئيس الجمهورية مع وسائل الإعلام بمناسبة الذكرى الثانية لتربعه على "الكرسي".. وهذا "اللقاء" الثاني من نوعه تطلق عليه وسائل الإعلام الحكومية "لقاء الشعب" وتسبقه عادة بحملة دعاية واسعة النطاق لتسويق الانجازات "العملاقة..!!.

في الواقع لم يتغير شيء على الإطلاق منذ "اللقاء" الماضي بنفس المناسبة، فالصحفيون المحاورون هم أنفسهم وإن تغيرت الأسماء والمسميات، والأسئلة والمداخلات هي نفسها تقريبا، ونفس الذين شغلوا خطوط الهاتف في "اللقاء" الماضي نجحوا هذه المرة أيضا في الاحتفاظ بها و"ركرشتها" حتى لا يستخدمها غيرهم، والمنظمون هم أنفسهم وإن تعددت الاختصاصات والأدوار، والضيوف هم نفس الضيوف... والفقراء هم أنفسهم الجالسون هذه المرة أيضا قبالة رئيسهم.. حتى الحكومة هي نفسها "وما بدلت تبديلا..!!.
والإنجازات هي نفسها طرق وتعليم وسكن وأمن، وحرب على الفساد والإرهاب، وديمقراطية وشفافية، ووضعية مريحة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا، والبلاد هي نفسها برقيها وتقدمها ومسيرتها المظفرة في ظل "الحكم الرشيد"...
بطبيعة الحال كان حضور "الفقراء" لافتا في الذكرى الثانية لتنصيب "رئيس الفقراء"، فقد احتلت أغلبيتهم بأحزابها وحقائبها و"خيلها" و"رجلها" و"غلمانها" و"أحابيشها" كل مساحات قصر المؤتمرات، والصفوف الخلفية للحاضرين (تأكدوا أنني كتبت "المؤتمرات" صحيحة ولم أبدل "التاء" "ألفا") بينما تواجدت حكومتهم كلها بقضها وقضيضها، بوزرائها ومديريها ومسؤوليها السامين، في الصفوف الأمامية، فلم يتخلف إلا مريض محتضر، أو مسؤول حكومي في مهمة خارجية، ولقد رأيت علماء وفقهاء وسياسيين وإعلاميين ورجال أعمال وسيدات أعمال ومخبرين ونشطاء من كل التخصصات والمهام، حضروا وإن بعضهم ليهادى بين رجلين.. يقينا أنه لا يتخلف عن هذه المواقف إلا من بعدت عليه الشقة أو "حبسه حابس الفيل".. وكما كان متوقعا أظهر الفقراء الذين لديهم مناصب وسيارات فاخرة وأرصدة مالية ويعرفون مكان قصر المؤتمرات ويستطيعون الوصول إليه حفاوة بالغة برئيسهم في الذكرى الثانية لتنصيبه رئيسا لهم..!!.
الرئيس بدا صارما وواثقا وضاحكا أو "متضاحكا" أحيانا وهو يجيب على أسئلة ومداخلات تم إعداد بعضها بالحرف والنقطة والفاصلة قبل طرحها عليه باستثناءات قليلة من أبرزها سؤال لأحد الصحفيين الشباب يراسل قناة أجنبية حمل شحنة من العيار الثقيل ولو أنه طرح على رئيس "زيمبابوي" لارتج عليه وارتبك ولاحظ المشاهدون دون عناء ملامح الانزعاج على وجهه الصبوح (كل رئيس في العالم وجهه صبوح لأنه لا يمكن إلا أن يكون كذلك على الأقل بالنسبة لوجهه المخصص للظهور أمام عامة الناس..).
شاهدنا أستاذا جامعيا كانت لديه رسالة قيل له أن يوصلها فأوصلها، مثل الناشط الطلابي الذي قيل له أن يقول فقال، مثل السيدة العمدة والسيد العمدة، والعسكري المتقاعد، والسلفي المفرج عنه، وصاحب حملة الشهادات، ومعهد الاحتياجات الخاصة، وصاحب السياحة، وصاحبة المنظمة غير الحكومية، وصاحب أرباب العمل، وصاحب الصناعة التقليدية، والمعلمتين، والمعلم، والسيدة الملاحة (لا تفكروا هنا أبدا بنقطة ساخنة فالملاحة هنا جوية وليست أرضية) ورجل الأعمال الذي استدعي فدعي وأوقف فاستوقف واستغضب فغضب واسترضي فرضي وذكر المطالب والمظالم في شطر سؤال واحد..!!.
أن يختصر كل هؤلاء هموم الناس في همومهم الشخصية فذلك أمر طبيعي تماما، فعندما تجد نفسك في مواجهة الرئيس لا بد أن تبدأ بنفسك كما يفعل "المجنون" و"قيام أتاي"... لا أحد يريد منك طرح مشاكل المواطنين فلديك مشاكل شخصية يعتبر حلها مقدما على حل مشاكل الوطن ومواطنيه... لو أنني كنت معهم لسألت الرئيس عن علاوة "الخطر" وكذب وزارة الصحة، والفساد الذي يعصف بها، واستهزائها بالعمال، والصفقات التي تعقدها مع بعضهم تحت الطاولة على حساب البعض الآخر، وعلى حساب الحقوق والمطالب العالقة... ولقلت له - تلميحا أو تصريحا- إنني بحاجة لتعيين يفتح الله به علي أبوابا جديدة للرزق..!!.
كلهم طرحوا على الرئيس مشاكل شخصية ضيقة الأفق، فغابت هموم الشعب ومشاكل البلاد، ولولا وجود صحفيين رائعين من الصحافة الحرة ومراسلي وسائل الإعلام الأجنبية قدموا أسئلة تشغل بال عامة المواطنين لفقد البرنامج طعمه ورائحته كما في حلقته الأولى..
شيء واحد أكدت عليه هذه الحلقة أيضا وهو أنه ليس للرئيس مستشارون، وإذا كانوا لديه فإما أنه لا يستشيرهم، وإما أنهم لا يعرضون عليه مقترحاتهم... فما معنى الأرقام المتضاربة التي أعطاها الرئيس متلعثما في حسابها؟.
وما معنى نسيانه أحيانا لبعض الأسماء والتواريخ والوقائع المعروفة؟.
ولماذا يعتقد أن كل الطائرات صغيرة جدا، فطائرة بوسيف صغيرة، مثل طائرة والى نواذيبو وطائرة رشيد مصطفى، وكل الطائرات التي تعرضت لحوادث جوية في البلاد؟!!.
ومن ألهم الرئيس الحكمة التي رددها لازمة لمداخلاته، وهي أن لتر المحروقات يكلف المواطن الموريتاني 56 أوقية وبالتالي لابد من رفع أسعار المحروقات حتى لا يتكلف المواطن الموريتاني 57 أوقية ولا يمكن خفض سعرها لأنها تكلف المواطن الموريتاني 56 أوقية؟!!.
ثم من قال للرئيس إنه في عام 1595 كانت توجد سيارات ومحروقات تنخفض أو ترتفع؟!!.
ومن أي مصدر "سماوي" استقى معلوماته "الأكيدة" بأن الأمطار قادمة وغزيرة؟!!.
من الواضح أن المستشارين عاجزين عن مساعدة الرئيس في إعطاء إجابات مقنعة... وهنا ينبغي أن نتساءل ما أهمية جيش الإعلاميين الرسميين والفنيين والمستشارين وغيرهم إذا كانوا عجزوا حتى عن البحث عن طريقة لتثبيت العلم الوطني الذي سقط في مشهد مهين... وهل سيساعد هؤلاء الرئيس على الثبات أمام رياح التغيير، وقد فشلوا في مساعدته على مواجهة نسائم الهواء التي خلطت أوراقه وأسقطت علمه وشوشت على صوته؟... لا أعتقد أنهم يختلفون كثيرا عن الذين أحاطوا ذات مرات برؤساء سابقين من قبيل ولد الطايع وولد الشيخ عبد الله... يتذكرون الرئيس فقط أيام قوته وينسونه ويهربون منه أيام ضعفه وزوال سطوته..!!.
لو أن للرئيس مستشارا ناصحا مسموع الكلمة لا يكتفي من منصبه بامتيازات خاصة غير مستحقة لقال له إن ثلاث ساعات من "الكلمات المتقاطعة" لا تكفى لإغاثة شعب ملهوف يطحنه الجفاف شرقا وجنوبا والخوف شمالا وغربا..!!.
حتى رئيس "زيمبابوي" قيل لي إنه لا يتحدث مع شعبه في أية مناسبة إلا حمل لمواطنيه هدية ولو متواضعة مثل إنشاء مستشفى للحروق، أو تسمية جائزة وطنية للإبداع، أو تكريم للشهداء، أو التكفل بإعالة أسرة، أو علاج مريض معدم... فهل يعقل أن يعجز رئيس الجمهورية عن تقديم شيء أي شيء لشعبه، وعد بمراجعة الأجور، عهد بمراقبة الأسعار، أمر برفع المظالم عن الناس، لفتة بإطلاق سراح سجين مريض، مساعدة الحاضرين على الأقل- ولو بقناني مياه صغيرة- لتجرع ثلاث ساعات من الحديث "اليابس" في ليلة رمضانية طويلة أعقبت يوما شديد الحرارة.. أم أن رئيس الجمهورية وطاقمه يعتقدون أن مجرد إطلالته وحديثه للناس تبرئ الأكمه والأبرص وتحيي الموتى بإذن الله؟!!.
ثلاث ساعات لم نجد فيها شيئا جديدا، فالمعارضة سيئة كما كانت وكما يجب أن تكون دائما، واتفاقية الصيد مع الصين تخدم المصلحة العليا للبلاد والعباد، والحوار تعرقله المعارضة، والحرب على الإرهاب حققت انتصارات خالدة، والطرق تم شقها، والاحتياطي من العملة الصعبة مبشر، والأوضاع حسنة على العموم..
لا جديد في حديث صاحب الفخامة الذي تابعناه ليل الجمعة إلى السبت... وسنتابعه مرات ومرات لأنه سيعاد يقينا ولفترات طويلة قادمة..
استوقفني شيئان في الحديث المتواصل أحدهما الصحفي الذي كان يدير الحوار من إحدى مدن الداخل كان رائعا لأنه هو من ينتزع الميكروفون من هذا بقوة ليدفعها بقوة لذلك وهكذا غير منتظر نهاية سؤال أو بداية آخر، أما الثاني فهو ذلك الرجل الذي تدخل لإعادة تثبيت الميكروفون على قميص صاحب الفخامة.. لقد توقفت عنده كثيرا متسائلا بماذا حدثته نفسه وهو يقترب من الرئيس هل خاف من دقات "قلب" الرئيس؟ هل حلم بـ"قلب" الرئيس؟ هل ارتعدت فرائصه؟ هل أحس ببرودة من نوع ما؟ هل شعر بالطمأنينة؟ هل صغر العالم في عينيه أم كبر؟...
أحب أن أتابع حالته الصحية والنفسية والعقلية، فقد سمعت أن الأشخاص الذين يقتربون من الرؤساء يعانون من مشاكل عديدة قد تكون وراثية باقية في عقبهم إلى يوم الدين، منها الاعتقاد مثلا بأن العالم صغير مثل كل الطائرات التي سقطت أو أسقطت في بلادنا (في مناطق كثيرة الغابات والبحار وانعدام الأمن) منذ العام 1595، والاعتقاد بأن 56 أوقية رقم فلكي تتوقف عليه نهاية العالم، وأن الطرق المعبدة تكفى لإطعام الناس وعلاجهم، وأن المؤسسات الإعلامية الرسمية ملزمة - وحدها - بتنفيذ تعهدات الحكومة... فلو تعهدت الحكومة مثلا ببناء مركز صحي فسيكون على تلك المؤسسات تمويله وتجهيزه، تماما كما أنها مطالبة بزيادة رواتب العمال التابعين لها والذين تعهدت لهم الحكومة بتلك الزيادة..!!.
سيكون بمقدور الرجل الذي قام بتثبيت الميكروفون على قميص رئيس الجمهورية مستقبلا التأكد من عدم جدية المعارضة في الحوار، وتعذر حل مشكلة العمال غير الدائمين، وصغر حجم كل الطائرات التي تسقط في بلادنا من حين لآخر وأهمية 56 أوقية في بناء بلد قوي ومزدهر بإمكان رئيسه التحدث لمدة ثلاث ساعات، ونحت خطاب سياسي انتخابي من مجموعة "كلمات متقاطعة" ستصبح إعادتها سنويا بمناسبة تسلمه للحكم سنة حميدة، له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم الدين!!.

8. أغسطس 2011 - 18:16

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا