"مداخلات" من أجل الحوار..! / حبيب الله ولد أحمد

altالحوار الوطني المرتقب متعثر إلى أبعد الحدود.. لا يهمنا من تسبب فى تعثره.. هو فى الأصل ولد متعثرا، وحملت بذور الدعوة إليه عجزا وراثيا "جينيا"..الأغلبية وضعت "العصي" فى "الدواليب" ترقبا لحوار تتباهى بأنها دعت إليه.. والمعارضة التى تعتقد أن الحوار من أدبياتها الحزبية وضعت "عربته" أمام "حصانه" منذو البداية..!

هو إذن "حوار طرشان".. الكل يريده، والكل يضع المتاريس فى طريقه.. المعارضة تقول إنها حائرة هل تتحاور مع الرئيس وحده؟ أم مع الأغلبية؟ أم مع الحزب الحاكم؟.. فهي ترى أن الرئيس هو كل شيء، وما سواه من حكومة وأغلبية مجرد "ديكور" و"دمى" تتحرك بحركاته وتسكن بسكناته.. الأغلبية تقف على "أصابع رجليها" فى انتظار حوار تراهن فى سبيله على تصدع معارضة تراها مهترئة.. ولذلك قال الحزب الحاكم إنه سيذهب للحوار ولو بدون طرف آخر.. الحزب سيجرب حوار "المقاعد الفارغة" فى حالة عجزه عن دق إسفين فى تحالف منسقية المعارضة، والانفراد ببعض أطرافها لتشريع الحوار.. ويرى الحزب أن "رشداء" المعارضة فى النهاية سيذهبون معه إلى الحوارلسحب البساط من تحت "المخلفين" من المنسقية.. خارج حلبة "الحوار- الصراع" يقف الموريتانيون غير مبالين بحوار ولد ميتا، ولايعول عليه - حتى لو عقد بمعجزة من السماء- فى حل أي من مشاكلهم العالقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأمنيا.
يبدو أن هناك طريقة وحيدة لإنجاح الحوار، وهي تسليم ملفه لـ"وزارة الاسكان والعمران".. الوزارة لها تجربة (معقولة) فى تخطيط وتنظيم الاحياء العشوائية.. تقوم "الوزارة" (سيتولاها مؤقتا وزيرمن جمهورية كازاخستان) فور تسلم الملف بإحصاء الأحزاب الوطنية والقوى السياسية المحلية التى تتزاحم فى "كزرة" المشهد السياسي المحلي (يشبه تماما بوضعيته وفوضويته أعرق وأشهر الأحياء العشوائية فى العاصمة على الإطلاق قديما وحديثا من قبيل "كبة مندز" و"كبة لخنازير" و"كبة لحفيرة" و"كبة لغريكه" و"كزرة تنسويلم" و"كزرة عرفات" و"السبيخة" و"امكيزيره") وأخذ "صور رقمية" لمكوناتها وتراخيصها.. ثم تضع علامات التخطيط على "مقرات" و"رؤساء" (بالنسبة لكل رئيس حزب عليه اختيار المكان المناسب من جسده لو ضع علامات الترقيم التى سيضعها فنيوا الوزارة / "الوجه" "الجبهة" "الناصية" "البطن" "اليدين" "الرجلين/ ماتحت الركبة فقط" "حدجة الرأس" وباستثناء هذه المناطق لا يمكن وضع العلامة بأي حال من الأحوال على منطقة أخرى من الجسم حتى لو اختارها الرئيس نفسه) و"حقائب" الأحزاب والتشكيلات السياسية المحلية.. ثم تشرع فى شق طرق "الحوار" وأزقته الفرعية والمساحات التى يمكن للمتحاورين اللقاء عندها، باعتبارها مساحات عامة.. بعد تحديد الطرق والأزقة والساحات العامة، تأتى مرحلة "الجرافات" المكلفة بإزاحة "بنايات" الأحزاب و"حقائبها" و"رؤسائها" بالقوة لفتح الطرق.
ستعتبر الوزارة أن "الحوار" هو المنطقة المؤهلة لما بعد شق الطرق وتنظيم الاحزاب، بمعنى آخر سيكون "الحوار" منطقة "ترحيل" يأخذ فيها كل حزب وكل طرف سياسي مساحة مخططة خاصة به تناسب حجمه الحقيقي..
بالنسبة لأحزاب من قبيل "التكتل" و"التحالف" و"اتحاد قوى التقدم" و"تواصل" و"الاتحاد من أجل الجمهورية" (باعتباره وريثا شرعيا لكل الاحزاب الحاكمة فى البلاد سابقا ولاحقا) لن تكون لديها أية مشكلة فستأخذ ما تتيحه لها أحجامها المعروفة وأقدميتها فى "الكزرة" السياسية المحلية من مساحة مستحقة.. ستعتبر وزارة الاسكان هذه الأحزاب بمثابة "أسرعريقة" فى "الكزرة" ومشهود لها بالأقدمية والأسبقية وبالتالى سيتم نقلها (ونقل قماشها) إلى "ترحيل الحوار"..
هناك أحزاب أخرى قد تجد مساحات قصية وهامشية فى "ترحيل الحوار" فهي على الأقل معروفة فى "الكزرة" السياسية المحلية، ويتعلق الأمر بـ"عادل" و"الحزب الجمهوري للتجديد" (الطبعة الثانية) و"الاتحاد من أجل الديمقراطية والتقدم" و"حزب الصواب" و"حزب العدالة من أجل الديمقراطية / حركة التجديد" "وحزب حاتم" و"حزب الوسط الديمقراطي"..
وسيرتبط مصير أحزاب أخرى بـ"المداخلات" التى هي عبارة عن مراجعة أخيرة لوضعية "المرحلين" قد تسمح للبعض بالحصول على مساحة فى الحي الجديد لاعتبارات خاصة تضعها الوزارة (سميت المداخلات لأنها تسمح للوزارة بالتدخل حتى لإعطاء من لا يستحق مساحة خاصة به ففى كل عمل حكومي لا بد من هامش خاص لإرضاء البعض- ولوتحت لافتة تسوية المظالم- والأحزاب التى لامصير لها فى ترحيل الحوار إلاعبر "المداخلات" هي "حزب الوئام" و "حزب اللقاء الديمقراطي" و"مشاريع" أحزب "العصر" و"الغد" و"الشباب"..
بطبيعة الحال ستبدو الوزارة (الكازاخستانية) غيرمعنية بالتقسيم "الرومانسي" للأحزاب باعتبارها أغلبية أو معارضة حتى وإن سهلت (على الطريقة الموريتانية) مخططا عمرانيا يظهرالأغلبية بمظهر "حي" متقارب يمكن له البناء على أرضية صلبة مهيئة.. وسيقال إن الصدفة وحدها هي التى رمت أحزاب المعارضة فى أطراف قصية وهامشية مبعثرة "بشكل بديع" من الحي الجديد..

وستماطل الوزارة فى تخطيط أحزاب عشوائية أخرى بحجة عدم الفراغ من تنظيم بقية الأحزاب، أو بحجة تضارب فى المخطط النهائي لما بقي من الأحزاب عن "ترحيل الحوار" فتارة سيقال إن مساحات "كزرات" تلك الاحزاب مخصصة لأسواق أو منتزهات، أو ثكنات عسكرية، أو مدارس أو نقاط صحية، وتارة سيقال إنها تدخل تحت طائلة ما يعرف ب"منطقة ذات نفع عام" وتارة سيقال إن ترحيلها مسألة وقت، ولكن ليس إلى "ترحيل الحوار" الجديد، وإنما إلى حي جديد سيعرف لاحقا باسم "البرزخ السياسي"..
إذا نجحت وزارة الإسكان فى وضع آلية لتهيئة "الحوار" بهذه الطريقة فيمكن لنا أن نحلم حقا بوجود مساحة مستقبلية لـ"الحوار" ولو كنقش غامق على لافتة منسية، أما إذا فشلت- ومن عادتها الفشل فالأحياء الجديدة التى تفاخربأنها مهدتها وأهلتها هي أحياء تفتقر حتى اللحظة لأبسط مقومات التحضر- فسنظل فى "النقطة الميتة" بين أغلبية تريد الحوار شريطة أن تخسر الأغلبية نتائجه، وبين معارضة تريد الحوار شريطة أن تربحه على حساب الأغلبية.

14. أغسطس 2011 - 12:17

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا