امنحوه شيئا..أو اتركوه وشأنه!! / حبيب الله ولد أحمد

altامنحوا هذا الرجل شيئا ما..من فضلكم امنحوه شيئاوبسرعة...شجاعة..جرأة.. ثقافة..قيادة ..زعامة..قناعة بأن الله يقسم الأرزاق والأقدار والقيم والأحجام..يجعل هذا قائدا وذلك مقودا..يجعل هذا رئيسا وذاك مرؤسا...يعطى هذا بسطة في العقل والحكمة ..ويمنح ذاك حماقة وعجرفة.

..يمنح هذا نصرا وقبولا وجاذبية وذاك هزيمة وبعدا عن القبول والجاذبية وهكذا ..امنحوه حقنة للتهدئة..ماء للوجه..فرصة لمحاكمة التاريخ والجغرافيا ..فسحة ليندب حظه العاثر..متسعا من الوقت للبكاء على ما فاته من شهرة ومكانة .. منصبا تافها..شيئا من قاذورات الدنيا..امنحوه شيئا أي شيء!! أنقذوه من اهتزاز الظهور، التي لو لم تكن محنية أصلا لما ركبها..أنقذوه.. فالأرض تحته تتبدل غيرها، والسواعد التي جاءت به من الفراغ، توشك أن تعيده إليه..ساعدوه ..بمال.. بجاه..بدعاء..افهموه وتفهموه ..انه وجد نفسه منهكا عاريا تحت الشمس..ولم يعد لديه ما يمنعه من الانسحاق، والعودة إلى العدمية التي جاء منها أصلا..ساعدوه، فالتجارة بارت..والأقنعة سقطت، والخشبة تهتز، والجمهور فقد - من زمن طويل- حماسه وقدرته على التصفيق..ساعدوه -ولو بالدموع- ليبكي كالنساء "وهما" لم يدافع عنه كالرجال..امسحوا عرقه، فقد طرق كل الأبواب، ونفث في كل العقد.. ودق كل الطبول حتى طبول الفتنة!!..جف حبره، كتب كل ما يعرفه - وما لا يعرفه- من حروف، وبكل ما يعرفه- وما لا يعرفه- من لغات..استنجد بالأباعد قبل الأقارب ناسيا "و ظلم ذوى القربى أشد مضاضة *على "الحر" من وقع الحسام المهند"..  لا تجوز القسوة معه بالقول ان هناك من كتب له..وهناك من صنعه، وهناك أيضا من ألقمه لقمة تفوق حجم تاريخه كله، عندما أغراه بالتنكر لرب نعمته!!..لا تقولوا انه يمارس العقوق، ولا تتذكروا أنه يحمل عقدة قديمة من ولي نعمته "السياسية"، الذي صنعه أول مرة، وآواه ونصره، أيام كان يشكو الضعف وقلة الحيلة والهوان على الناس، وأمر بعض عماله ورعاياه- تكرما- بالسير تحت لوائه الذي لم يكن مظفرا أبدا..اسمحوا له بأن يحرق كل شيء بحثا عن سراب المجد، ووهم القيادة المفقودة..احترموا له قدرته على شرب عرق صغار عمال "السخرة" المغفلين، الذين كان ينزل من على ظهورهم -المحنية فقرا وبؤسا ومعاناة- ليركب أفخر السيارات، ويدخل أرقى المنازل والمكاتب والمصارف والفنادق، وأحيانا أقذر جحور السياسة الضيقة بالتلون والمحاباة والمؤامرات، والمتاجرة لا بالبشر -هذه المرة- ولكن بالعرق والدموع والمآسي. دعوه يبحث عن فردوسه المفقود..عن كنزه المسحور..سيصرخ كثيرا، وينفخ كثيرا كعادته في "الكير"، ويبحث لناره المتقدة بين حناياه- حسدا وحقدا وانسحاقا- عن كل ما هو متاح من الحطب الرقيق، معتقدا - ببلادة لافتة- أنها ستأكل كل المحيطين به، لينتشي -مع حمالة الحطب- برؤيتهم متفحمين غير قادرين حتى على الصراخ هربا من ألسنة اللهب..أقلوا عليه اللوم، فقد فاته قطار الزعامة، وفشل حتى في النظر من الثقب إلى قمرة القيادة! ..اتركوه وشأنه..سيهذى كثيرا، وينعق طويلا ..سينتفض كخفاش أعمى..سيحلم بأنه قد يناطح" الزعيم" الأوحد والأبرز والأحق بها وأهلها..سيحرق في طريقه كل شيء..قوارب النجاة، ودروب الرجوع..المبادئ..الرموز..قيم التعايش..سيحاول حتى أن يحرق الأرض والسماء وحتى الماء والملح..سيغرز سيفه الورقي بين بياض عين الزمن وسوادها!!..سيقتفى أثر "أبى رغال" و"ابن سلول" و"ابن العلقمي" و"المالكي" و"كرزاي" و"حسن نور"..سيسايرهم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، ولو دخلوا جحر ضب لدخله..لا تنقموا منه بحثه عن ذاته، التي ضاعت منه عندما أضاع وصايا زعيمه القوي، وعقه وحاول- سرا وعلانية- الخروج عليه..اعذروه فقد لا يفهم رسالة زعيمه المبشر بالتعايش والحب والتسامح.. اعذروه فقد يفهم ذات يوم -عندما تتقاذفه أمواج طوفان هو من يمهد له الطريق الآن بحماقاته بمحاولاته للاستنسار بانتفاضته الخاسرة- معنى أن يصرخ فيه زعيمه بأن لا يخرق السفينة، ولا يغرق أهلها لأنه في حالة غرق السفينة لن ينجو أحد، ولن تكون هناك يابسة يجلس فوقها المنتصر أيا كان ليشرب نخب الانتصار..وأن الخروج إلى الشمس هو أفضل طريقة للبحث عن الذات لأن "الحر" لا يخاف الشمس ولا الحقيقة، أما التمسك بالجحور والأقبية المعتمة فليس أكثر من حكم إعدام لا معقب له في حق الذات..هذه الذات التي قد لا تستحق الجلد أحرى أن يحكم عليها بالإعدام ذوبانا في دروب الطمع والحقد والانتهازية الرخيصة، والمطامع والمطامح الشخصية الضيقة المضمخة بالعجز والصراخ في أودية الولاء للأجانب، والاستنجاد بهم!!..دعوه يسير بخطوات ورائية منهكة..فالدرب شائك وطويل، وسينتهي حتما بهوة سحيقة ومظلمة إلى أبعد الحدود..دعوه فالتاريخ لا يعود إلى الوراء، ولا يرحم المنقلبين على أعقابهم، وباعة الوهم واليباب..ومروجي النعرات، ومشعلي نيران الفتن وزارعي بذور الشقاق والتفرقة. نعم.. قد يملك "إصرار الحمير" على المضي قدما في الدروب الخاطئة..قد لا يرفع بعد اليوم أي شعار سوى شعار الحمار السائر محليا "إذا شربت أنا فليتهدم البئر"..هذه المرة سيدرك -حينما يجد نفسه وحيدا كسيرا منهزما- أن الحمار أبدا لم ولن يشرب على حساب البقية، وأن البئر أبدا لم ولن يتهدم لأن ماءه لابد أن يظل مشاعا ومتاحا، و سائغا للجميع كما يقول منطق الأشياء..وأن الذين يأكل معهم في قدح واحد لن يتركوه يكسر القدح ويفسد الطعام المشترك الذي فيه طغيانا وكفرا ..سيقلب كفيه ندما ولات حين مندم.. وسيصرخ بقوة لنفسه الأمارة بالسوء ليتنى اتخذت مع زعيمي سبيلا.."ليتنى لم أتخذ فلانا خليلا".. غدا سيضحك بنفسه من نفسه على نفسه، عندما ينظر ليرى "الزعيم" زعيما كما كان، والقافلة تسير كما سارت - منذ الأزل -غير مبالية لا بالعواصف والأنواء، ولا حتى بنباح الكلاب التائهة..والزمن يرى بسواد عينه وبياضها شمس التعايش رأد الضحى تنشر الألق والدفء في كل مكان.. قد يدرك- في أية لحظة- أن الرجال يصنعهم التاريخ بقدر ما يصنعونه، وأن الذنب لا يستحيل رأسا مهما تغيرت كل ظروف وملامح العالم!!..قد يعاوده الحنين لبلاط "الزعيم "..ويدفعه اليأس القاتل للعودة إلى أحضان التعايش والحرية الحقة والوطن الخيمة التي يستظل تحتها الجميع..قد يتملكه شعور بالذنب، أو بالضعف، أو بالندم، أو بالهزيمة..قد يقتنع بأن ركوب موجة صراخ الصغار من الدهماء والدخلاء وسدنة الحرابة اللاهثين يأسا وبؤسا خلف الأجنبي لا يكفى لصناعة مجد، ولا لبناء عرش، ولا حتى لكتابة شطر كلمة من التاريخ..! اليوم يمضى "الزعيم" بجيشه الجرار وجحافله، التي اختارت السير تحت راية التوحد والتعايش والبقاء، غير عابئة بالمولولين والمنافقين الذين يتاجرون بكل شيء حتى بالدين والقيم والمبادئ. سيصرخ فيه "الزعيم" الحنون الواثق من نفسه :"يا بني اركب معنا"..سيكون ذلك نداء أخيرا يسمعه من "الزعيم" السعيد المبشر بالخير والحب والتعايش..الزعيم الذي اختلفنا معه دائما لكننا لم نختلف على زعامته ورجاحة عقله...قد يسمع النداء الصادق الحنون فيلتحق بالركب..وقد يركب رأسه -جنونا وتجبرا- ليجد الموج يحاصره، ويحول بينه مع ركب "الزعيم"..ساعتها فقط توقعوا منه أن يقول بانكسار: آمنت بالذي آمن به "الزعيم" الأوحد..وساعتها أيضا سيكون كل شيء قد انتهى بالنسبة له. ساعتها حاولوا أن تمنحوه أملا بالنهوض من حفرة السقوط ، والالتحاق بالقافلة فان لم يستبن النصح فاتركوه وحيدا طريدا، يواجه مصيره الحالك المسيج بلعنة الماضي، وغموض الحاضر، وهلامية المستقبل..!!

8. يناير 2011 - 17:26

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا