أَطَلً علينا شهر يونيو الذي يجدر أن يطلق عليه ببلادنا "شهر الامتحانات" ذلك أنه الشهر الذي تُجري فيه "الامتحانات النهائية" بالمدارس و المعاهد و الجامعات كما أنه الشهر الذي تنظم فيه "الامتحانات الختامية" للمسارات الابتدائية و الإعدادية و الثانوية و الجامعية فهو مناسبة لتأمل النواقص و الشوائب التي تشوه "سمعة الامتحانات" ببلادنا و سانحة لمحاولة كتابة "الأحرف الأولي" للحلول المناسبة.
و تعاني حَكَامَةُ الامتحانات ببلادنا من العديد من النواقص التي تخدش سمعة طهارة الامتحانات و تنذر بتدمير " البقية القليلة الباقية" من مصداقية الدِبْلُومَاتِ و الشهادات التعليمية الوطنية و من تلك النواقص ذكرا لا حصرا:-
أولا:شائعةُ"التسريب الانتقائي" لمواضيع الامتحان:تعتبر صناعة شائعات تسريب مواضيع الامتحانات "الرياضة المفضلة" لطلاب الامتحانات الختامية خصوصا خلال الأيام القليلة السابقة لمواعيد الامتحانات و لا يُستبعد أن يكون لبعض "المؤسسات التعليمية الحرة" و "مشاهير أساتذة دروس التقوية في المواد الأساسية" و "الوراقات التجارية" مآرب ربحية وراء تأجيج تلك الشائعات.
و الثابتُ أن التسريب الشامل و الجزئي لمواضيع الامتحانات الختامية( الباكلوريا،...) قد حدث مرات عديدة ببلادنا خلال العقود الماضية و المتواترُ أن التسريب قد انحسر بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة و إن لا زال الحديث -الذي يحتمل الصدق و الكذب- متكررا عن نوع من "التسريب الانتقائي" قليل العدد يُفَسِرُ به الطلاب مفاجآتِ و "خوارق" تجاوزِ زملاء لهم من بعض أبناء "الأثرياء و الأقوياء " الذين لم يوفقوا في كامل الاختبارات و "الامتحانات البيضاء"Mock Exams,Examens blancs) )خلال السنة الدراسية في تجاوز مِعْشَارَ المعدل المطلوب للتجاوز. !!
ثانيا: ظاهرة "الغش المدرسي و الجامعي": تتحدث بعض المصادر العليمة عن بلوغ تقنيات الغش مستويات "مزعجة" خصوصا مع تطور الوسائط الرقمية الحديثة و ذلك بتشجيع و تنفيذ مكشوف أحيانا من بعض الأهالي و "الأساتذة-ملاك المؤسسات التعليمية الخصوصية" الذين يسعون بكل الطرق - لأغراض مَرْكَنْتَالِيًة و تسويقية لمؤسساتهم- إلي كسب المراتب الأولي في قوائم الناجحين.
و لا يستبعد بعض أساتذة جامعة نواكشوط أن تكون نسبة المنتسبين إلي السنة الأولي من الجامعة من الحاصلين الجدد علي الباكلوريا عن طريق الغش تتجاوز حاجز الرقمين (la barre des deux chiffres/Double digits) بفعل الضعف الشديد في المستوي للمنتسبين الجدد إلي الجامعة الذي يصل أحيانا سقف العجز عن القراءة السليمة و الكتابة الصحيحة. !!!
كما أنه ليس من المفاجئ أن يصل باحث مستقل إلي خلاصة مفادها أن خُمُسَ طلاب بعض كليات و أقسام الجامعة إنما يتجاوزون بفعل الاستخدام الواسع لتقنيات الغش و أن أكثر من خُمُسَيْ بحوث التخرج بالجامعة و تقارير نهايات التدريب بالمدارس و المعاهد إنما هي "نَسْخٌ و لَصْقٌ"(Coppier-coller/Cut and (paste أعمي، عديم الذوق، "غَلِيظُ الحَاشِيًةِ". !!!
ثالثا: شبهةُ ازدواجية معايير التصحيح و التقييم: من المألوف في الأوساط التعليمية تزامنُ موسم تصحيح الامتحانات الختامية عادة مع حديث واسع عن محسوبية منفرة في اختيار المصححين و تذمر ساخن من ضآلة التعويضات المالية المخصصة للمصححين و هو ما يترتب عنه خلل في ضبط معايير التصحيح إذ يشاع علي نطاق واسع أن كثيرا من الأساتذة يصحح خلال ست ساعات يوميا ستين و رقة إجابة في حين أن منهم من يمر كالبرق الخاطف خلال نفس الفترة علي مئات أوراق الإجابة. !!!
و ينجم عن التباين الصارخ في المستويات العلمية و الاستقامة الأخلاقية للأساتذة المصححين تفاوت كبير في تصحيح و تقييم أوراق الامتحان بحيث من المتواتر أن طلابا مبرزين مشهود لهم من طرف طواقم التدريس و زملاء الدراسة بالكفاءة و المواظبة حصلوا علي معدلات متدنية بالباكلوريا مما لا يمكن تفسيره و تبريره إلا بِلاَمُبَالاَةِ بعض الأساتذة المصححين.
و الواقع أن القائمين حاليا علي قطاعات التهذيب و التعليم و التكوين عموما و شأن الامتحانات و المسابقات خصوصا هم من أكثر أطر البلد كفاءة و أمانة و مهنية وتضحية و أنهم بذلوا و يبذلون جهودا واضحة من أجل تصحيح الاختلالات آَتَتْ و تُؤْتِي بعض أُكُلِهَا و هو ما يشجعني علي اقتراح إجراء إصلاح عاجل يتم بموجبه دمج " اللجنة الوطنية للمسابقات" –حسنة الذكر و الاستقامة- و كافة الإدارات المكلفة بالامتحانات بمختلف قطاعات التعليم و التكوين المهني ابتغاء إنشاء "سلطة مستقلة عليا للامتحانات و المسابقات".
و يجدر أن لا ينتسب إلي السلطة المستقلة العليا للامتحانات و المسابقات إلا المشهود لهم بالكفاءة و التجربة و الأمانة و "الورع المهني" و أن يُمنح أعضاؤها تحفيزات مالية تعادل رواتب حكماء اللجنة المستقلة للانتخابات و أن يُعهد لها بنظافة و طهارة الامتحانات و المسابقات و ترفيع جودة و مصداقية التعليم الوطني الابتدائي ، المتوسط ، الفني و العالي و مُدْخَلاَتِ الوظيفة العمومية.