تباينت توقعات المؤسسات المالية العالمية الكبيرة بشأن مستقبل أسعار خامات الحديد خلال العام الجاري بين التفاؤل والتشاؤم، بين من يتوقع أن تهبط الأسعار إلى مستوى 50 دولارا للطن ومن يتوقع أن ترتفع إلى مستوى 85 دولارا للطن.
التوقعات المتفائلة تستند على استقرار السوق، وزيادة الطلب الصيني المتوقع على الخامات عالية التركيز بعد اتباع الصين لسياسات
بيئية صارمة تحد من إنتاج المناجم الصينية الصغيرة، ومصانع الصلب الصغيرة التي تعتمد على الخردة مما يعزز من الطلب على الخامات عالية التركيز، التي تحويلها إلى صلب أقل تلويثا للبيئة، والتي تصل نسبة اعتماد الصين على توريدها من الخارج إلى أكثر من 85 %. أما التوقعات المتشائمة فتعتمد على زيادة الإنتاج المحتملة لدى الأربعة الكبار، وبالتالي زيادة المعروض عالميا في ظل تخفيض الصين (المستورد الأكبر) لطاقتها الإنتاجية من الصلب، وهو ما يعني نقص طلبها على المادة الخام.
وزارة الصناعة والعلوم والبحوث والابتكار الأسترالية
خفضت من توقعاتها الرسمية لأسعار خامات الحديد خلال السنة الجارية، حيث ذكرت في توقعاتها الصادرة في 8 من يناير الجاري أن يصل متوسط سعر الخام إلى 51.5 دولارا للطن خلال العام الجاري بانخفاض 20٪ عما كان عليه السنة المنصرمة 2017، و تعزو الوزارة ذلك إلى الانكماش المحتمل للطلب الصيني على المادة الخام، وذكرت في نفس التقرير أن هبوط الأسعار سيستمر حتى عام 2019، عندها يكون متوسط السعر 49 دولارا للطن.
بنك يو بي إس (United Bank of Switzerland)
حافظ بنك يو بي إس على توقعاته بشأن متوسط أسعار خام الحديد خلال السنة الجارية، الذي توقع أن يصل إلى 64 دولارا للطن، وهو تقريبا نفس مستوى توقعاته حيال الأسعار مطلع السنة الماضية 2017 الذي كان قد بلغ 64.3 دولارا للطن،
سيتي جروب (Citigroup Inc)
سيتي جروب بدورها حافظت على مستوى قريب من توقعاتها السابقة حيال الأسعار، حيث توقعت أن يصل معدل الأسعار خلال السنة الجارية إلى 65 دولارا للطن، وبررت ذلك بالمرونة الكبيرة التي أظهرها السوق خلال السنة الماضية.
غولدمان ساكس (Goldman Sachs)
توقع جولدمان ساكس أن تتراجع الأسعار إلى مستوى 60 دولارا للطن خلال الأشهر الثلاثة القادمة و55 دولارا للطن في الأشهر الستة القادمة لتصل إلى 50 دولارا للطن في نهاية العام على أن تواصل هبوطها خلال السنة القادمة 2019، وذكر غولدمان ساكس أن السبب الرئيسي الذي قد يقف وراء تراجع الأسعار، هو انخفاض الإنتاج الصيني من الصلب وتراجع نمو الطلب في ظل نمو الإمدادات العالمية من المادة الخام.
مجموعة أستراليا ونيوزيلندا المصرفية (ANZ Bank)
رجح ثالث أكبر بنك في أستراليا أن تظل الأسعار ثابتة في مستواها الحالي خلال الربع الأول من السنة الجارية وتوقع أن تبقى الأسعار في مستوى حوالي 70 دولارا للطن خلال النصف الأول من السنة الجارية على أن تنخفض إلى 65 دولارا في نهاية عام، وأرجع هذه التوقعات إلى انتعاش سوق الصلب الصيني.
بعض المحللين الصينيين
وتشير توقعات بعض المحللين الصينيين إلى ضعف في الطلب على المادة الخام خلال العام الجاري مقارنة بالسنة المنصرمة تصاحبه زيادة في المعروض عالميا خاصة الخامات عالية التركز و توقع بعضهم أن تحافظ الأسعار على مستوى 80 – 85 دولارا للطن خلال الربع الأول من السنة الجارية على أن تتراجع إلى مستوى ما بين 50 -60 دولارا للطن خلال الربع الثاني والثالث.
قراءتنا لمؤشرات السوق الصيني
من الواضح أن تباين التوقعات مصدره اختلاف قراءة مؤشرات السوق الصيني. الصين التي بلغ حجم إنتاجها من الحديد الصلب سنة 2016 حوالي 700.73 مليون طن واستوردت 1,024 مليار طن من خام الحديد، حيث بلغ اعتمادها على الخامات الخارجية حوالي 85.3 % ، وخلال السنة المنصرمة 2017 بلغ حجم إنتاجها من الحديد الصلب حتى نوفمبر حوالي 656.14 مليون طن، وحجم وارداتها من خامات الحديد 990.73 مليون طن بنسبة اعتماد على الخامات الخارجية تصل إلى 87.8 % ، وهذا ما يجعل من سوقها المحرك الأكبر للطلب على المادة الخام بلا منازع.
ومن خلال متابعتنا للسوق الصيني نجد أنها ستشهد خلال الربع الأول من سنة الجارية تزامن سلسلة من الأحداث قد تدفع بالأسعار إلى الصعود نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 – انتهاء فترة خطة الصين لخفض التلوث
الخطة التي كانت تستهدف تخفيض مؤشرات تلوث الهواء الرئيسة في 28 مدينة صينية تنتهي في مارس المقبل، وكان من المتوقع أن تؤثر على إنتاج حوالي 53-55 مليون طن من الحديد الصلب، مما يعني أن أصحاب هذه المصانع سيضطرون إلى زيادة في الطلب على المادة الخام بحوالي 88 مليون طن لتدارك النقص الذي حصل في الإنتاج.
2- ارتفاع أسعار خردة الحديد
الحديد الخردة الذي كانت الصين تعول عليه كمادة أولية تستخدمه كبديل لتخفيف اعتمادها على الخامات المستوردة. قفزت أسعارها من 1400 إلى 2200 يوان للطن، ومن المرجح أن تواصل الأسعار ارتفاعها، مما سيحد من منافستها للخامات العالية التركيز.
3 حجم الشحنات التصديرية
من المعروف أن انسياب الشحنات التصديرية للأربعة الكبار يختلف على طول العام، فهي عادة أقل في بداية العام من نهايته، خاصة الشحنات الأسترالية أكبر المصدرين للصين.
4 عيد الربيع الصيني
جرت العادة على أن تعمل المصانع الصينية بكامل طاقتها بعد انتهاء عطلة عيد الربيع الذي يصادف هذا العام 15 من فبراير، وهذا ما يجعلها تطلب كميات أكبر من المادة الخام لتعزيز الاحتياطي المخزون لديها.
إن تزامن توقيت انتهاء الخطة الصينية لخفض التلوث مع انتهاء عطلة عيد الربيع الصيني وما سيصاحب ذلك من زيادة في الطلب على المادة الخام من جهة، ومن جهة أخرى تزامن ذلك مع مطلع السنة، حيث شحنات الأربعة الكبار أقل نسبيا خاصة الأسترالية في ظل ارتفاع أسعار خردة الحديد قد يفضي إلى انتعاش الطلب الصيني المؤقت خاصة على الخامات عالية التركيز مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار لكن هذه العوامل تبقى وقتية، ولا يمكن التعويل عليها في تشكيل دعم للأسعار على مدى أطول، وبالتالي يبقى ارتفاعا مؤقتا حسب اعتقادنا.