كل الحركات واللقاءات والخرجات الإعلامية التي يقوم بها الرئيس محمد ولد عبد العزيز من حيين لآخر لا تعدو أن تكون رسائل وداع، رغم محاولة البعض اعتبارها عكس ذلك، وحتى وإن كان هو نفسه يريد منا أن نتلقى تلك الرسائل على غير حقيقتها..
ما يحاول الرئيس ولد عبد العزيز قوله ولعله أشار إليه في خطابه ليلة البارحة أمام لجنة إصلاح حزبه بقوله: لا وجود لفراغ مطلقا، هو مربط الفرس وبيت القصيد، نعم، لقد شعر ولد عبد العزيز بعد إعلانه عدم نيته الترشح أن جموع الداعمين بدأت تنفض من حوله، وأصبح الكل ييمم شطر الوريث، ولو لم يكن هذا المورث، أو الوارث، معروفا بعد.. لكن شعورا ما بالفراغ وإحساسا بخدش الكبرياء، جعل الرجل يتحرك ولو ببطء لتلافي الخطأ وتدارك مآلاته، وهو يرى جموع المساندين يولونه الأعقاب..
ولد عبد العزيز الذي يحكم بلدا أقل ما يقال عنه أنه موبوء بالمشاكل التنموية والاقتصادية ومصاب بضيق التنفس السياسي، يعرف جيدا أن زيادة مثل هذه العلل بزاحف الفراغ قد يعطي نتائج كارثية، ليس لأنه معاكس لإرادة الطبيعة، ولا لأنه يفتح المجال أمام غالبية هذا المجتمع الفضولي بطبعه لتأمل وضعه، والبحث في ركام أزماته عن حلول ومخارج سيكون أقلها تأثيرا على الأقل زيادة الضغط على نظام هو في الأصل عاجز عن تسيير الوضع المتأزم.. وإنما لأن هنالك نذر باندلاع أزمات من صنف آخر قد تعصف بالبنية الاجتماعية وتفك براغي اللحمة الوطنية..
ثم إن عديد المحاولات التي قام بها ولد عبد العزيز لتمرير مشاريعه في زيادة أمد الحكم أو تمطيطه كانت دائما تقابل بالرفض والممانعة من طرف جهات خارجية مؤثرة، ومن بعض القوى الحية محليا، وحتى من قبل جهات ضمن دائرة النظام الحاكم نفسه، لها هي الأخرى أجنداتها التي تعمل على تحقيقها، وهو أمر قد لا يكون سرا على ولد عبد العزيز..
يضاف إلى كل ذلك أن الرجل بعد أن صار مطمئنا على مستقبله المادي أصبح أكثر ميولا إلى التنحي عن السلطة، إن وجد ما يكفي من ضمانات بخصوص الاستقرار وعدم وجود منغصات من أي نوع آخر.. مسائل عدة تجعله يبالغ في التحرك والمناورة، ويسعى لكسب ود كل الأطراف المفترض أن يكون لها تأثير مستقبلي في سلطة قد لا يكون له شخصيا كبير دور في صناعتها، عكسا لما يراه ويراهن عليه البعض!!
إن محاولة إصلاح الحزب الحاكم، أو إصلاحه للحاكم، وتبادل الرسائل غير المشفرة مع القوى الإسلامية، والتوجس من ضغط "المهمشين" ومناصريهم من منظمات حقوقية وأممية، مع اتساع دائرة مطالب "الحماة"، مسائل لم يعد بالمقدور اتخاذها ظهريا لمن ألقى السمع وهو شهيد..
ثم إن عدم جدية الرجل في البقاء تتضح أكثر إذا ما أمعنا النظر في طبيعة من يحملون تلك المطالب وعدم اتساق تلك المطالب مع ما يعرفه النظام من إعراض عن الاستثمار في السياسة والإعلام حتى ولو كان يحاول التذاكي بادعاء السعي لتأسيس مدرسة جديدة، قد لا يكون حظها أوفر من سابقاتها.