في نطاق تنامي حرب الاستراتيجيات المتعالية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بعد صعود الأخيرة، والتي من ابرزها الحرب التجارية المشتعلة، التي هي في جوهرها حرب ايستراتيجية للسيطرة على صناعات التكنولوجيا العالية، برزت مؤخرا جولة جديدة من جولات هذه الحرب في مجال أكثر تأثيرا على الاقتصاد العالمي، وخاصة اقتصاد المنطقة العربية، ألا وهي حرب البترو-يوان مقابل البترو-دولار.
نظام البترو- دولار
في بداية سبعينات القرن الماضي، وبعد فك ارتباط الدولار بالذهب اصبح الدولارعملة ورقية عادية شأنها شأن أية عملة أخرى. لكن بعد اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية سنة 1973م، وقيام أعضاء منظمة الدول العربية المصدرة للبترول (أوبك) بحظر نفطي فُتح المجال لاندلاع حرب موازية يخوضها الدولار الأمريكي لاستعادة هيمنته العالمية. فقد أدى الحظر الذي تبنته الدول العربية المصدرة للنفط إلى تضاعف أسعاره أربع مرات بحلول سنة 1974م (من 3 دولارا إلى 12 دولارا للبرميل)، وهكذا ولد من رحم هذه الحرب نظام البترو-دولار المشؤوم بعد ارتماء السعودية في احضان امريكا، وربط النفط بالدولار،الذي تتحكم أمريكا وحدها في طباعته، وبالتالي تتحكم في أسعار النفط السلعة الاستراتيجية الأكثر تداولا في العالم . هذا النظام حول البترول من سلاح تقليدي في يد العرب للضغط على الدول الغربية إلى سلاح اقتصادي عالمي فتاك في يد أمريكا بل الأدهى والأمر، أن " نظام البترو-دولار" حول العرب إلى مذنب صغير يحترق من الداخل بالدوران في الفلك الأمريكي.
نظام البترو- يوان
أصبحت الصين أكبر مستورد للنفط في العالم خلال العام المنصرم، حيث بلغت وارداتها منه حوالي 8.4 مليون برميل يوميا، وفي نهاية الشهر الماضي أعلنت عن افتتاح بورصة شنغهاي العالمية للطاقة لتداول عقود النفط المقومة باليوان الصيني، والقابل للتحويل إلى الذهب عند الطلب. اليوان الصيني، والنفط، والذهب ترابطهم يشكل ثالوثا بديلا عن نظام البترو-دولار، ويؤسس لنظام جديد عرف بإسم نظام البترو- يوان الذي تسعى الصين من وراءه إلى تعزيز صوتها في تسعير النفط عالميا على المدى القصير ، وعلى المدى البعيد تسعى الصين إلى التوصل إلى تأسيس نظام عالمي جديد لتداول أسعار النفط يتماشى مع مصالحها في مجال الطاقة . نظام البترو- يوان الجديد لا تقتصر أهميته على توفير ملاذ للدول المناوئة لأمريكا فحسب بل قد يشكل مخرجا للدول الآسيوية التي طالما تطلعت إلى سوق آسيوي للنفط قريب منها، ولا يتأثر بالعوامل
المحلية الأمريكية، كما قد يشكل دعما لدول بريكس التي تسعى إلى الحد من هيمنة الدولار الأمريكي .
الخسارة الصينية في الشرق الأوسط
تعتبر الصين من بين أكبر الخاسرين في الأزمة الخليجية القطرية، فهذه الأزمة جعلت مصير أهم استراتيجيات الصين في المنطقة في مهب الريح، فلا اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي وقعت، كما أن الغموض بدأ يلف مصير مركز تسوية العملة الصينية اليوان بالعاصمة القطرية الدوحة، الذي يعتبر الأول على مستوى منطقة الشرق الأوسط، و شمال أفريقيا، هذا بالإضافة إلى مصير مبادرة "الحزام و الطريق " في منطقة الشرق الأوسط. المنطقة التي تتجلى أهميتها في كونها الحلقة المحورية الجامعة، التي يتم عبرها التبادل الثقافي، والحضاري، والاقتصادي، وحتى الأمني بين الشرق، والغرب من جهة، ومن جهة أخرى إحدى أهم المناطق المستهدفة بهذا الانفتاح الصيني، كونها إحدى الأسواق الكبيرة للبضائع الصينية.
إن دعم نظام البترو - يوان قد يكون فرصة العرب الأخيرة للتكفير عن ذنب المشاركة في تشكيل نظام البترو- دولار، الذي مكن أمريكا من اختطاف الاقتصاد العالمي، وتحويل العالم بأكمله إلى عمال ومصنع لدى العم سام، كما أنه يتيح الفرصة الأخيرة للعرب للفهم أكثر أن عالم القطب الواحد قد ولى بدون رجعة، العالم اليوم أصبح متعدد الأقطاب، ولابد من وضع قدم عربية في المركب العالمي الجديد، الذي تقوده الصين بحكمة، وخبرة، وسلام البحار الصيني المسلم تشنغ خه الذي قاد سبعة رحلات بحرية إلى عدة دول عربية و إسلامية في الفترة مابين ( 1405 -1433 ) قبل اكتشاف القارة الأمريكية الشمالية.
العرب اليوم بين خيارين أحلاهما مر، خيار مواصلة الدوران في الفلك الأمريكي من خلال تسعير وبيع النفط عالميا بالدولار،أو خيار وضع بعض البيض في السلة الصينية ببيع جزء من النفط للصين باليوان. الصين التي بكل ثقلها وحضارتها لم تعد بعيدة عن منطقتنا العربية بل أصبحت ترتبط بها مباشرة عن طريق ميناء جوادر الباكستاني المطل على بحر العرب، والذي تملك حقوق تشغيله 40 سنة، والذي يعتبر عينها على العرب.