منذ سنة 2013 والصين بثقافتها، وحضارتها، وتاريخها تقدم للعالم نسختها للعولمة عن طريق مبادرة " الحزام والطريق" وهي مبادرة يحددها إطار تشاوري، تشاركي، منفعي، يرتكز على خمسة أولويات : التنسيق السياسي، وربط البنى التحتية، وفتح القنوات التجارية، وتدفق التمويلات، والتواصل بين الشعوب؛ وقد دعا الرئيس الصيني نظراءه العرب إلى الانضمام إلى هذ المبادرة خلال خطابه التاريخي
الذي ألقاه في مقر جامعة الدول العربية في يناير 2016م، حيث قال:
“ 我们要抓住未来5年的关键时期共建“一带一路”,确立和平、创新、引领、治理、交融的行动理念,做中东和平的建设者、中东发展的推动者、中东工业化的助推者、中东稳定的支持者、中东民心交融的合作伙伴。“
"علينا أن نغتنم مرحلة الخمس سنوات القادمة الحاسمة لنبني معا "مبادرة الحزام والطريق" ونحدد مفهوما للعمل على أساس إحلال السلام، والابتكار، والريادة، والحكامة، والاندماج، ونكون بناتا للسلام في الشرق الأوسط، ودافعين لتنميته، ومساهمين في تحوله الصناعي، وداعمين لاستقراره، وشركاء في إندماج شعوبه".
الصين التي تقيم حاليا شراكة إستراتيجية مع ثمانية بلدان عربية، وتعد ثانى أكبر شريك تجارى للدول العربية، حيث بلغ حجم التجارة الثنائية حوالي 230 مليار دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يتجاوز 500 مليار دولار بحلول عام 2020 تُعول كثيرا على هذه الشراكة، وتسعى إلى تطويرها في إطار مبادرة إحياء طريق الحرير البري والبحري على أساس المنفعة المتبادلة، لكن هل سيولي العرب وجوههم شرقا ؟
الخليج العربي والحضور الحذر
لعبت حواضر العالم الإسلامي دورا محوريا في التجارة عبر طريق الحرير القديم البري والبحري نظرا لموقعها الجغرافي، وخاصة المنطقة الخليجية التي كانت جسرا حضاريا بين آسيا، وأوروبا ، و إفريقيا، و من بين 65 بلداً التي تقع على طول نطاق طريق الحرير القديم نجد 25 بلدا مسلما، منضويا تحت سقف منظمة التعاون الإسلامي، بل وحتى إقليم شينجيانغ الصيني الذي هو بوابة طريق الحرير على العالم ذي أغلبية مسلمة.
لكن ورغم كون إحياء طريق الحرير قد يعيد مركز التجارة العالمية إلى الشرق بعد ما اختطفه القراصنة الأوربيون لأكثر من ستة قرون، ويعيد بذلك للمنطقة الخليجية وظيفتها الحضارية كمنطقة يتم عبرها التبادل الثقافي، والحضاري، والاقتصادي، وحتى الأمني بين الشرق والغرب، ورغم كون الصين أصبحت ترتبط مباشرة بالمنطقة الخليجية عن طريق ميناء جوادر الباكستاني المطل على بحر العرب، والذي تملك حقوق تشغيله 40 سنة، رغم كل هذا و غيره ما زالات الدول الخليجية تنظر إلى " مبادرة الحزام والطريق" بعين الريبة والحذر، وقد تكون دولة الكويت الاستثناء الذي يؤكد القاعدة، فهي أول دولة عربية خليجية وقعت على مذكرة تفاهم للتعاون مع الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، وربطتها برؤيتنا الاستراتيجية في جعل الكويت مركزاً اقتصادياً ومالياً عالمياً في أفق 2035 م، و رفعت علاقتها مع الصين إلى الشراكة الاستراتيجية.
المغرب العربي الغائب الأكبر
على الرغم من أن سواحل شمال إفريقيا لم تكن ضمن نطاق مجرى طريق الحرير البحري القديم، إلى أن أهميتها الجيواستراتيجية نظرا لقربها من أوربا، وقربها من المنطقة البكر الخزان البشري القادم أفريقيا جنوب الصحراء جعل منها حلقة مهمة جدا في أي أستراتيجية ذات بعد عالمي،
كما أن النطاق الجغرافي لمبادرة الحزام والطريق يعتبر نطاقا مفتوحا، لكن حتى الآن تعتبر دول المغرب العربي الغائب الأكبر، رغم حاجتها الماسة إلى الاستثمارات الخارجية لدعم استراتيجياتها التنموية المحلية كمنطقة انواذيبو الحرة في موريتانيا، ومخطط المغرب الأخضر في المغرب ،
والأهم من هذا أن الانضمام لهذه المبادرة قد يكون نقطة تحول في موقف الصين تجاه قضية الصحراء، وقد يخلق إحياء طريق القوافل عبر الصحراء ظروفا جيوسياسية جديدة في المنطقة قد تكون المفتاح لحلحلة مشكلة الصحراء، فقد يصلح الاقتصاد ما افسد التاريخ، وعجزت السياسية، والحرب عن إصلاحه ؛ مما يخدم الحل السلمي لهذا النزاع الذي يعيق تحقيق حلم الشعوب المغاربية في الاتحاد. ومن المنتظر أن توقع تونس غدا على مذكرة التفاهم للتعاون مع الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق لتكون بذلك أول دولة من دول المغرب العربي توقع عليها.
اليوم وبعد من مرور أكثر من سنتين ونصف على خطاب الرئيس الصيني التاريخي ، وقبل الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون بين الصين والدول العربية المنعقد مؤخرا كان هناك ستة دول عربية فقط لبت الدعوة، ووقعت على مذكرة التفاهم للتعاون مع الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق، ويبدو أن العرب منقسمين إلى من ينظر إلى هذه المبادرة بعين الريبة والحذر، و من يتجاهلها تماما.
لقد علـمنا التاريخ قديمه، وحديثه بأن صراع الدول العظمى يخلق فرصا استراتيجية لا تتكرر، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كانت حرب الكوريتين، والحرب الباردة السبب المباشر في نقل الصناعات الثقيلة من الاتحاد سوفيتي إلى الصين، ونقل صناعات التكنولوجيا المتطورة من أمريكا إلى كوريا الجنوبية، وحتى إعادة إعمار اليابان وألمانيا، فهل سيغتنم العرب الفرصة، ويركبون قطار التنمية الصيني فائق السرعة قبل فوات الأوان؟