معارضون / محمد الامين ولد سيدي مولود

altـ تستحق النساء اللاتي خرجن يوم أمس في مسيرة المعارضة للمطالبة برحيل عزيز ولرفض الظلم والفساد والنهب والتخلف، رغم الحر والضعف والظروف الصعبة، ألف تحية وإجلال ...

ـ تستحق الطبقات المهمشة التي ظلمها التاريخ، وقصر في حقها المجتمع، وتجاهلتها الدولة كل التقدير والعرفان بالجميل، بل الإعتذار والإنحناء.. 

ـ يستحق الشباب الجاد الذي لم يرض الركون للهو والنوم أو المجون والفراغ، بل حمل راية النضال وهم الوطن رغم التجهيل والتهميش، كل التشجيع بل الإشادة والشكر..
ـ يستحق الفقراء الجائعون الذين كسروا قيود تقسيم "ياي بوي" المهانة، وحطموا أسوار "الترحيل" إلى الفلا حيث الجوع والعطش وانعدام أبسط مقومات الحياة، كل الإمتنان والتأييد والتنويه ..
ـ يستحق أولئك الصحفيون الجادون الذين صانوا كرامة أقلامهم وانحازوا لوطنهم ولضعافه ومحتاجيه وطبقاته المهمشة والمسترقة والمحرومة ، ولم يقتاتوا ببيع الكلام الساقط ولا بالتخابر، أو بالولاء لأسباب قبيلة مقيتة أو نفعية تافهة، يستحقون كل التبجيل والإحترام..

لكن سأغتنم الفرصة لأقول قليل من كثير في حق رموز المعارضة الذين اعتادوا مني النقد خلال أكثر من عقد من الزمن، رغم أن نضال بعضهم سبق ميلادي بسنوات طوال. لم يكن نقدي تحاملا يوما من الأيام، ولم يكن تحيزا إلى "مخزن" أو تحرفا عن نضال تعلمت أبجدياته منذ نعومة أظافرى في أفياء مدارس هذه القامات السامقة. لا أندم أنني لم أكتب مقالا أمدح فيه أي من هؤلاء بشكل مباشر ـ على الأقل في الظروف الطبيعية ـ رغم أنني نشرت أول مقال قبل أكثر من عشر سنوات، وذلك ببساطة لأن مدرسة هؤلاء (أو مدارسهم المختلفة) لم تعلمني أسلوب التملق والمجالمة، بل كان الجد والصراحة والمكاشفة أهم ركائزها. 

ساعة الحقيقة 
اليوم وبما أن نظام الجنرال يجند "بلطجيته" و"مرتزقته" من الأقلام المغمورة والمواقع المجهرية المتحركة تحرك الرمال والمتكاثرة تكاثر أحزاب الأغلبية الورقية الكرتونية،وهدفهالأولـ كما كان هدف أسلافه ـ هو تدنيس سمعة هؤلاء، حيث أصبح الهجوم عليهم بوابة الإرتزاق ومصدر الحصول على مكانة "سياسوية" في حزب الحاكم، من واجبي توضيح بعض من فضل هؤلاء ـ ولو قل ـ على مسيرة التغيير بعمومها في موريتانيا ، وعلى الوعي في موريتانيا، وعلى التقدم في موريتانيا.
حين كان بعض العسكر يتساقط على السلطة تساقط اللئام على مأدبة الكرام قبل ثلاثة عقود، كان هنالك أشخاص حينها ينظرون لموريتانيا مدنية وديموقراطية ومنصفة للجميع، موريتانيا لا عنصرية ولا جهوية. لم يكن العالم حينها مفتوحا مثل اليوم، لا دور للفيس بوك ولا مكان للإنترنت ولا للجرائد الحرة. كان بعض الذين يقودون المعارضة اليوم يواجهون السجن حينها بمفردهم ويحلمون بدولة عدالة اجتماعية حقيقية وبغد أفضل، وإن تساقط بعضهم في الطريق ـ وهو أمر طبيعي ـ واستعجل البعض الآخر الحصاد. إنما يحتم ذلك تقدير هؤلاء الثابتين.

وحين عانت موريتانيا جراء حكم ديكتاتوري فاسد وأفسد العباد والبلاد أكثر من عشرين سنة كان قادة المعارضة اليوم "شوكة الحلق" ضده. لقد نازلوه بالانتخابات مطلع التسعينات وأنفقوا أموالهم ـ التي حصدوها من مؤسسات دولية أو من جهودهم الخاصة وتبرعات مناضليهم لا من حقوق الشعب ـ بسخاء. وحين طغى النظام وتجاوز الحد في التزوير والنهب وسجن المعارضين كان قادة المعارضة اليوم هم من نظم المسيرات وأنفق الأموال وتحمل السجن والملاحقة والتهميش. بل كانوا هم من حمل السلاح ضده حين جد الجد وتمحض سوء النظام وتطبيعه حينها تعرضوا للأحكام التي بلغت المؤبد. لقد كان الجنرال الحاكم اليوم رأس حربة حراس الدكتاتورية أيامها ولم يكن طالب تغيير، وإنما اقتنص اللحظة الخطأ كما اقتنصها أسلافه وأساتذته ليتسلق على ظهور مناضلين شرفاء وشعب بريء.

البديل 
كثيرون ـ سذجا أو "متساذجون"ـ يتساءلون اليوم عن ما هو البديل ؟ ويشككون في قدرة استمرار مورتانيا دون الجنرال ، وتلك مجرد حجة تثبيط وتخاذل ألفناها أيام ضاق الخناق على ولد الطايع حيث بدأ مبشرو التجسس وأرباب التملق يكيلون التهم لكل رموز المعارضة ويخوفون الشعب من القادم. الكثيرون من هؤلاء لا يهمهم من أتى ولا من ذهب ما دام من نفس المدرسة، إنما المهم أن لا يكون من المعارضة التقليدية حتى يستمر البلد كما كان، وحتى لا تحدث قطيعة فعلية مع الماضي البائس.

يكفي ردا على هؤلاء مجرد تذكير موجز ببعض مواصفات بعض قادة المعارضة ولا وجه لمقارنتهم ـ طبعا ـ مع عسكري تنقصه بدايات التعلم، وأسس الكفاءة، وأبجديات الحكمة وحتى العلاقات العامة العادية والقدرة على التواصل مع الآخر واحترامه.

إن من بين قادة المعارضة اليوم ـ الذين يشكك مرتزقة الجنرال في كفاءتهم ـ خبراء الاقتصاد وسليلو أسر السياسة والقيادة، وذوو المشوار النضالي الطويل طول مشوار الجنرال في حراسة الدكتاتوريات قبل ممارستها. ومن بينهم أقدم معارضي موريتانيا من وقف ضد جميع الأنظمة الفاسدة رغم تساقط الرفاق، ومن بينهم المفكرون المبدعون الملتزمون من وقفوا ضد الفساد والتطبيع والطبقية ومحو الهوية وظلم الشعب. ومن بينهم الفرسان الذين جمعوا بين التعلم والثقافة والشجاعة والإباء. ومن بينهم حمل هم طبقات مسحوقة مهمشة، من رفض التفرقة والحروب الأهلية رغم ما تعرض له أبناء جلدته، من جمع بين الحلم رغم ماكان والحلم بما هو أفضل. إن الشعب يعرف من وقف بجنبه في أحلك الظلام، وإن طمست هذه الحقيقة بسبب نقص في الوعي أو بسبب بعض أخطاء حملتها، أو مهارة خصومهم المتسلحين بالمال العام وبوسائل الترغيب والترهيب فقد انجلت اليوم.

لم يكن متملقو الأنظمة العسكرية البائدة مستعدين للبديل دائما، ورغم ذلك كانوا أول من يرحب باي بديل. إن هم هؤلاء أن تظل موريتانيا كما كانت، وأن يبعدوا عنها أي تغيير جدي يوقف فسادهم وإفسادهم. لقد كانوا دائما آخر مودع وأول مستقبل. ومع ذلك لا يؤرقهم شيء كما تؤرقهم المعارضة التقليدية. يحسبون كل صيحة عليهم. 

14. مارس 2012 - 9:47

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا