فلسفة السيــــاسة المبـــادئ والقيم !/المهدي بن أحمد طالب

 المهدي بن أحمد طالبإنّ الناظر في تــاريخ السياسة الموريتانية الحديثة سيصاب بالدهشة في الوهلة الأولى ، إذْ أنّ الجميع يُتقن بشيء من الحنكة هذه اللعبة التي كادت أن تصير مصدر رزقهم الوحيد .
فحديث سياسة الوصول إلى كُرسي الرآسة وما شابَهُه هو حديث المضيف لضيفه ، والتاجر في حانوته ، والخباز في مخبزته ، والنجار في محل نجارته ، وقد تكون موريتانيا هي البلد 

الوحيد الذي يمارس جميع أفراده سياسة الكُرسي .
إحرق شهادتك أيها الدكتور فبرلمان السياسة لا يشترطها ، وأنت يا راعيَ الغنم والإبل ارم عن كتفيك عصا الترحال فمعاطن السياسة خير لك ولغنمك ، ويا مُنميَ الأبقار أرض السياسة لم يصبها جفاف الشرق ولم تعث بكلئها أقدام السادة المفسدين الأقدمين ، وأنت ارم مجدافك أيها البحار وغُص في أعماق بحر السياسة فالصين قد كفتنا مؤنة الصيد ، وأيها الجندي البطل المقدام أنت الآخر افسخ بزتك العسكرية وادخل ثكنة السياسة ، واسمع ذاك أيها الفلاح ودع الزراعة فأرض السياسة خِصبة لا تسمع فيها صخب احتجاجات الجنوب ، ويا فقيه رمضان دع عنك فُروق القرافي وخلافات الحطاب والدرديري وحرر محلّ نزاع سياسة الأغلبية والمعارضة ، ويا طالب الجامعة هذا عهد "الفيس بوك " دع الدفتر والقلم و سجل في أحد الاتحادات السياسية فأنت عقلك صغير ، سخر قلمك أيها الصُحُفي وموقعك الإخباري في تشويه صور الأحزاب السياسية المعارضة فأنت سياسي ماكر وإياك من نشر مقالات من يخالفك في الفكر، يا سائق "تاكسي " حدّث الركاب عن السياسة فهي خير جليس في الزمان علي لغة متنبي معارضة الجيل الثالث، أيها الشرطي تنازل عن وظيفتك في الخليج فأنت أديب سياسي ، أيها الفنان دع مهنتك الأصلية فقد دخلها المنشدون و ادخل حلبة البرلمان السياسي فنغمتك الذهبية هناك ، تاجر أنت أيها "الجاحظ " بقضية أبناء عمك الزنوج لتحصد أصواتهم في السياسة ، وأنت يا " مانديلا " سجل حالات الاسترقاق المكذوبة واعرضها في برلمانات أوربا فأنت سياسي من نوع فرق تسُد ،اغسل لوحك أيها المحظري وخذ إجازتك بسند عالي من أفواه السياسيين ، أيتها الآنسة العانسة أسسي حزبا سياسيا فالأزواج هناك كُثر ، أيها " الكواسْ " صفق لمن تحب ودافع بقلمك المأجورعن أسيادك السياسيين واضحك في وجوههم فتلك فُرصتك الوحيدة للعمل ، دع عنك التجارة في أدغال إفريقيا فتجارة السياسة خيرٌ لك من " الناموس " ، يا من رسبت في امتحانات الباكلوريا مقر الحزب السياسي يسعك ويسع أمثالك ، ويا شاعر الأندلس بُح بما في جُعبتك من موشحات السياسة ، وأنتِ يا ملكة الجمال السياسي " تِبْراعْكِ " في برلمان السياسة خير لك من غسل الآواني المنزلية ، وأنت يا علامتنا الجليل دعنا نأخذ ك واجهة لحزبنا السياسي ونتستر خلفك باسم الإسلام والمسلمين لكي نكسب أصوات الناخبين .
ومع هذه الصورة القاتمة فالأمر ليس على إطلاقه " البته " فهناك علَماء مُصلحين يرجع إليهم في الملّمات ، وسياسيين وصُحفيين لا يشق لهم غُبار عرفوا بنضالهم الطويل ، ووطنيتهم المطلقة ، لا يساومون على حساب وطنهم ، قد عاشوا أفراح وأتراح هذا الوطن الغالي ، غير أن الدخَن قد أصاب الجُدُدَ منهم ، حيث خلَطوا الحابل بالنابل ، مابين من تأثر بعبد الناصر وقوميته ، وأنطوان عادة وعلمانيته ، والْبناّ واخوانيته ، ومــارتن لوثر كينك وعنصريته ، وكارل ماركس وشيوعيته ، وميشل عفلق و بعثيته .
إنّ هذه الإيديولوجيات السياسية بدأت تتشكل في أذهان البعض ، أمّا أصحاب القرون الوسطى فالبعض منهم مكابر والبعض في سبات عميق ، همُّهم الأكبر هو الظهور في الإعلام وتشويه صورة البلد ودعم كل من يسعى في زعزعة أمن الوطن .
إنّ السياسة في بلدنا وللأسف البعض يتلقاها من كلية حرب قناة " الجزيرة " وجامعة BBC البريطانية ، هذا مفهوم خاطئ ، سياسة الدنيا بالدين ليست بهذه الصورة ، فهي من منظور إسلامي تكلّم عنها " المــاوردي،وابن القيم وابن خلدون " بما لا مزيد عليهم فيه ، أما الرّعاع فعلاج العيي منهم السؤال ، لا دخل للسياسة فيه وهو عنها أحرى .
وبمنظور غربي فقد أعتمدت دراسة السياسة في العصر الحديث سنة 1872م وكان ذالك في " Politiques Ecole Libre des Sciences " بباريز، ومدرسة لندن لعلم الاقتصاد والسياسية ، ثمّ ظهرت الجامعات الأمريكية ، وهذه الجامعات عموما تدرس سياسات الغرب التي نراها اليوم .
والسياسي المخضرم في وطننا امتحانه الأكبر هو تعارض مبادئه وقيمه " الحزب والقبيلة "، فحين يقام حفل لجيش عاش في ثكناته سنوات عجاف ، يتقاعس من يبيت قرير العين ، هذا لُؤمٌ سياسي ، أين وطنيتك ؟ وما مفهومها عندك ؟
كان على بعض ساستنا المحترمين التمييز بين "عزيز " وحفلات الجيش ، فهو صاحب مأمورية رآسية ، أما الجيش فهو باق ما بقي لكم وجود على هذا الكوكب .
قد يقول البعض هذه حملة قام بها من أجل كسب الأصوات ، لكن هل زُهدُها بلغ فيكم هذه الدرجة ؟
أنتم عشتم تسعة اشهر في عراك معه ، لا تستطيعون صبر دقائق تنظرون في جيشكم الباسل ؟ أم أنكم يخيفكم ـ سلّمكم الله ـ رأيت العسكر وقد أرهبوكم حين صحبتم الرئيس إمام " زاوية " القصر ؟
مهما يكن من شيء فقد أتيتم منكرا من الفعال ، ولفظتم زورا من القول حين طالبتم الجيش بتحمل مسؤوليته فليتكم أفصحتم عن نواياكم قبل التضليل ، كما فعل حماة علمانية تركيا جهارا نهارا .
بَيد أن تلك هي الوطنية في أعوام الدولة هذه ، لا مشاركة فرحة ولا جلب منفعة ولكن نقد وتوبيخ وشتم وتنابز "لايسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم ...."
ولم تكن كامرات الإعلام السياسي المعارض عن ذالك ببعيد ، فهي لا تصور إلا ما تسميه طرائف الاستقلال ، لاتعلم بمهنيتها أن العالم يجب أن يُري ولو مرة الوجه الجميل للبلد لا مرآة لفكر سياسي معارض !
وفي هذا الخضم الهايج تبقى موريتانيا بلد مليون سيـــاسي بدل مليون شــــــاعر .
ولكم مني أسمى آيات التقدير والاحترام

1. ديسمبر 2011 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا