تكاد تجمع مجالس ” التقييم و التحليل السياسي و الاجتماعي” العرفي ومنها و “العفوي” خصوصا أن البلد يعاني ” أزمة النخبة المثقفة” و من رواد تلك المجالس من يُصنف تلك الأزمة بأنها “ شبهُ أزمة وجود” و منهم من ينعتها “بأزمة نوعية و جودة” و منهم من يذهب إلي أنها ” أزمة انهزام و انكسار” و منهم من يضعها في خانة ” الإصابة بدرجة حادة من وباء “الموضة العربية و الإفريقية” المتمثلة في “كساد النخبوية و رواج الشعبوية”،…و المثقف المقصود في هذه الحروف هو كل من كان له حظ من العلم و الفهم و نصيب من العمل بما عَلِمَ و قسط من المثابرة من أجل تبليغ و تعليم ما عَلِمَ حتي ينتفع به عامة الناس؛و هو ما يعني أن أركان الاتصاف بصفة المثقف ثلاثٌ أولها العلم و ثانيها العمل بالعلم و ثالثها إفشاء العلم و كل ما فُقِدَ أحد هذه الأركان فُقِدَتْ ذات الثقافة و انْتَفَتْ صفة المثقف.و المتابع للمشهد الثقافي بالبلد يمكن أن يقسم المثقفين الموريتانيين إلي خمس مجموعات:-أولا-فئة “القابضين علي الجمر”:و يقصد بهم فئة المثقفين الذين لا زالوا حريصين علي تغيير المجتمع نحو الأفضل مع جرأة لافتة في مواجهة “حماة” و “لوبيات” العقليات المضادة لمفهوم الدولة و قيم الجمهورية و مُثُلِ المساواة دافعين في سبيل ذلك أثمانا باهظة من التهميش و الإقصاء و الاستهزاء و الاستخفاف و الشيطنة و التبخيس ،… و هم يمثلون الفئة الأقل عددا من مجموع فئات المثقفين الموريتانيين، منهم سياسيون محنكون و أدباء نابهون و أساتذة مُبَرًزُون و إعلاميون بارزون و “أَعْمَالِيُونَ ناجحون” و علماء ربانيون و دعاة “مَنْصُورُونَ” ،…ثانيا-طائفة “المُكِبِينَ علي وجوههم”:و هؤلاء هم المثقفون الذين يئسوا و قنطوا-و لو إلى حين- من هزيمة العقليات المجتمعية و السياسية “الرجعية” فلجأوا إلي الانكفاء و الانعزال و البَيَاتِ و السير مُكبين علي وجوههم غايتُهم القصوي و هدفهم الأسمي أن يُحصنوا أنفسهم من ” الردة و الارتكاس” و تأثير العقليات المجتمعية المضادة للتطور و الإصلاح و التقدم،…كأنما شعارهم و لسان حالهم ناطق “بأن ليس عليهم في أيام موريتانيا المَوَاخِضِ هذه إلا أنفسهم”؛ثالثا-طبقة الصداميين و الاستئصاليين: و أعني بهذه الطبقة مجموعة من المثقفين الموريتانيين الذين ينهجون نهجا صداميا مع المجتمع و عقلياته و رموزه و ثوابته غير آبهين بسنة التدرج في التغيير و لا باذلين أدني الجهد لتمييز العقليات الضارة و العقليات الأقل ضررا أعدادهم قليلة و مَقْبُولِيًتُهُمْ لدي بعض فئات المجتمع مهزوزة لكن صخبهم الإعلامي كبير وظهيرهم الدولي أَثِيرٌ، منهم سياسيون و حقوقيون و جامعيون و نِضَالِيُونَ و فاعلون مدنيون،…رابعا-مجموعة دعاة “التكيف السلبي”:و هم مجموعة من المثقفين الذين استنتجوا استحالة تغيير العقليات المجتمعية المضادة للتقدم إلا من خلال الانصهار في المجتمع و التكيف مع هذه العقليات مع الإصرار علي محاولة تغيير و إصلاح ما أمكن منها؛ و قليلٌ من هؤلاء من حقق نجاحا معتبرا و كثيرٌ منهم من تأثر بسلبيات المجتمع أكثر مما أَثَّرَ و تغير هو سلبا أكثر مما غَيَّرَإيجابا فجاز أن يطلق علي منهجهم منهج ” التكيف السلبي”؛خامسا-جماعة “المُتَحَوِلِينَ فكريا”: وهم الأغلبية الغالبة من المثقفين الموريتانيين الذين كفروا عمليا بثقافتهم و أضحوا من أكابر الممارسين و الممجدين للعقليات المجتمعية و السياسية المضادة للتقدم و العصرنة و الإصلاح كالقبلية و الشرائحية و المناطقية و العنصرية و “الفردانية” و قد مثل هذا “التحول البهلواني” لهذه المجموعة أسوأ دعاية ضد الثقافة و المثقفين حيث أضحي المثقف في مِخْيَالِ جزء عريض من الرأي العام الموريتاني سَمِيً المنافق و رديف الحِرْبَائِيِ وصِنْوَ الإِمًعِيِ و مثيل “الزِئْبَقِيِ”،…و من المتواتر عليه أن موريتانيا أحوج ما تكون فى أيامها هذه إلي “يقظة نخبوية” تحمل مشروعا مجتمعيا إصلاحيا يرأب صدع ” اللحمة الشرائحية” و يعيد إلي مربع الفعل الثقافي الإيجابي بكل سرعة وثقة و قوة و عنفوان و إيمان صادق بواجب أسبقية و استعجالية تغيير العقليات المجتمعية المضادة و المعادية “للأمن المجتمعي” فئات ” المُكبين علي وجوههم” و الصداميين الاستئصاليين و “المتكيفين تكيفا سلبيا” و المتحولين فكريا.